عاد اسم الفلسطيني سرحان سرحان ليتصدر الاهتمام العالمي، بعد أن وافقت السلطات القضائية في كاليفورنيا على إطلاق سراحه، وهو المُدان بقتل روبرت فيتزجيرالد كينيدي خلال حملة الانتخابات الرئاسية في 1968 في واقعة هزت الولايات المتحدة.
وكان كينيدي الشقيق الأصغر للرئيس جون كينيدي الذي اغتيل في 1963، يقوم بحملة للانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي عندما قتل بالرصاص في فندق بلوس أنجلوس.
وجاء اغتياله بعد أشهر على قتل مارتن لوثر كينغ جونيور بطل الدفاع عن حقوق الإنسان، وفيما كانت الولايات المتحدة تشهد انقسامات عميقة على خلفية الحرب في فيتنام.
وأدان القضاء سرحان وحكم عليه بالإعدام في 1969 بعد إقراره بالذنب. وخفض الحكم إلى السجن المؤبد بعد سنوات على الحكم الأول.
لكن سرعان ما برزت شكوك بشأن مسؤوليته في مقتل بوبي كينيدي وسط تقارير عن احتمال وجود مسلح ثان في فندق أمباسادور في الخامس من يونيو/حزيران 1968.
وسرحان سرحان البالغ من العمر حاليا 77 عامًا، مسجون منذ خمسة عقود على الرغم من شكوك في ضلوعه في إطلاق النار. فمن هو هذا اللاجئ الفلسطيني؟ وما قصّته؟
سرحان سرحان.. فلسطيني في أميركا
ولد سرحان بشارة سرحان في عائلة مسيحية عربية فلسطينية، وأبصر النور في حي المصرارة بالقدس، وأصبح مواطنًا أردنيًا بعد ضم الأردن للضفة الغربية.
وبحسب والدته، أصيب سرحان بصدمة نفسية عندما كان طفلًا جراء العنف الذي شهده من قبل الاحتلال الإسرائيلي الذي كان يمارس على أهل بلده، لا سيما عند مقتل شقيقه الأكبر، الذي دهسته عربة عسكرية كانت تنحرف هربًا من الرصاص الإسرائيلي.
وعندما كان سرحان يبلغ من العمر 12 عامًا، لجأت عائلته إلى الولايات المتحدة، وانتقلت بين نيويورك وكاليفورنيا.
وبعد فترة وجيزة من انتقال العائلة إلى كاليفورنيا، عاد سرحان وحده إلى الشرق الأوسط، إنما سرعان ما قرر الرجوع خلال فترة شبابه إلى الولايات المتحدة ليعمل في إسطبل، لكنه فقد وظيفته بعد إصابة برأسه خلال سباق للخيول.
اغتيال روبرت ف. كيندي
وروبرت كينيدي، كان عضو مجلس الشيوخ عن نيويورك وشقيق الرئيس جون إف. كينيدي الذي اغتيل أيضًا عام 1963.
وكان روبرت كينيدي مرشحًا ديمقراطيًا للرئاسة الأميركية عندما قُتل يوم 6 يونيو/ حزيران 1968 في فندق "أمباسادور" في لوس أنجلوس، بعد لحظات من إلقاء خطاب النصر عقب فوزه في الانتخابات التمهيدية المحورية في كاليفورنيا.
أما سرحان فكان يبلغ حينها 24 عامًا، وتمّ القبض عليه بصورة فورية. وكان يحمل مسدسًا من عيار 22 في يده.
وشهد كارل أوكر، رئيس الفندق الذي كان يرافق كينيدي، أنه أمسك بمعصم سرحان وثبته بعد طلقتين وأن سرحان استمر في إطلاق النار بعنف أثناء الإمساك به، ولم يقترب من كينيدي أبدًا.
وقال نادل في الفندق إنهما تصديا لسرحان بعد طلقتين أو ثلاث طلقات.
وتوفي السناتور كينيدي وهو وزير سابق للعدل، في اليوم التالي.
وعلى الرغم من أن سرحان اعترف خلال محاكمته عام 1969 بأنه أطلق النار على كينيدي، إلا أنه أكّد منذ البداية أنه لا يتذكر ذلك.
وفي منتصف محاكمة سرحان، قدّم المدعون لمحاميه تقرير تشريح الجثة الذي أثار جدلًا كبيرًا، حيث يشير إلى أن كينيدي أصيب من مسافة قريبة جدًا من الخلف، بما في ذلك طلقة قاتلة خلف أذنه.
لكن سرحان، كان يقف أمامه وفق "الواشنطن بوست"، وما زال الجدل حول وجود مطلق ثانٍ للنار قائمًا حتى يومنا.
وأدانت هيئة المحلفين، سرحان، بارتكاب جريمة قتل من الدرجة الأولى وحكمت عليه بالإعدام بالغاز عام 1969، وتم تخفيف العقوبة إلى السجن مدى الحياة في عام 1972.
ووفق "الواشنطن بوست"، تم رفض استئناف سرحان على جميع المستويات، حتى عام 2016، حتى مع نظر المحاكم في أدلة جديدة ظهرت على مر السنين أنه تم إطلاق ما يصل إلى 13 طلقة فيما حمل مسدس سرحان ثماني رصاصات فقط.
وتشير بعض التقارير إلى أن سرحان ربما يكون قد تعرض للتنويم المغناطيسي أو التخدير.
ويبلغ سرحان الآن 77 عامًا، وبعد أن ألغت محاكم كاليفورنيا عقوبة الإعدام عام 1972، أصبح مؤهلًا للإفراج المشروط لأول مرة عام 1986 ولكن تم رفض طلبه مرارًا وتكرارًا لحين اليوم.
ما هي الدوافع؟
وكتب المؤلف البريطاني ميل أيتون في "الإرهابي المنسي"، أن سرحان قتل كينيدي لأنه أيد إرسال قوة عسكرية إلى إسرائيل.
ويجادل الكاتب أن سرحان كان من الفلسطينيين الذين أجبروا على مغادرة منازلهم في القدس بسبب العدوان الإسرائيلي عام 1948.
وقد أكّد سرحان خلال محاكمته بأنه كان غاضبًا من كينيدي لدعمه لإسرائيل.
ماذا بعد القرار الأخير؟
ولا يعني قرار اللجنة، الذي خلص إلى أن سرحان لا يشكل تهديدًا للأمن العام، أن يطلق سراحه بالفعل، إذ سيُرفع بعد ذلك قرار الإفراج عن سرحان إلى الفريق القانوني للجنة التي ستبتّ به خلال 120 يومًا، ويمنح القانون حاكم الولاية بعد ذلك 30 يومًا للسماح بتنفيذه أو إلغائه.
أما في حالة الإفراج عنه، فيمكن ترحيل سرحان إلى الأردن، بحسب "الغارديان".
تباين آراء في عائلة كيندي
ورغم تأييد اثنين من أبناء الراحل روبرت ف. كينيدي قرار الإفراج المشروط، استنكر ستة من أبنائه القرار.
فقد أيّد أحد أبناء كينيدي، دوغلاس إتش كينيدي، الإفراج المشروط عن سرحان. وقال وفقًا لوكالة "أسوشيتيد برس": "أعتقد حقًا أنه يجب إطلاق سراح أي سجين يتبين أنه لا يشكل تهديدًا على نفسه أو للعالم. أعتقد أن هذا ينطبق على الجميع، كل إنسان، بما في ذلك السيد سرحان. لقد تأثرت بشدة بتعبيره عن الندم".
وأرسل ابن آخر للراحل، روبرت إف كينيدي جونيور، خطابًا إلى مجلس الإفراج المشروط، أمس الجمعة لدعم سرحان بعد أن علم أن إدارة شرطة مقاطعة لوس أنجلوس قد أرسلت خطابًا يعارض الإفراج المشروط "نيابة عن عائلة كينيدي".
وكتب روبرت كينيدي جونيور: "من فضلك اعلم أن تلك الرسالة لم تكن من توجيهات العائلة، وبالتأكيد لست أنا. كما تعلم، كنت من أشد المدافعين عن إطلاق سراح السيد سرحان ب. سرحان منذ أن علمت بأدلة لم يتم تقديمها إلى المحكمة أثناء محاكمته".
في المقابل، قال ستّة من أبناء كينيدي في بيان صدر في وقت متأخر أمس الجمعة: "لقد أخذ والدنا من عائلتنا وأخذه من أميركا". "نحن في حالة عدم تصديق أن هذا الرجل سيوصى بالإفراج عنه".
ووقع البيان جوزيف بي كينيدي الثاني وكورتني كينيدي وكيري كينيدي وكريستوفر جي كينيدي وماكسويل تي كينيدي وروري كينيدي.