Skip to main content

"العربي" يبحث أزمة المتعثرين في الأردن.. كيف أثر "أمر الدفاع" على الملف؟

الأحد 12 فبراير 2023

أحدثت جائحة كوفيد-19 تفاقمًا في الأزمة الاقتصادية التي يشهدها الأردن منذ سنوات، حيث تسبّبت في إغلاق بعض القطاعات الاقتصادية لعدة أشهر، ما أدى إلى تكدس الديون على العديد من المتعثرين.

ومع ارتفاع نسب البطالة، استجدّت مصاعب أخرى أثقلت كاهل الاقتصاد والمواطن معًا، فتضاعفت أعداد المدينين الأردنيين بشكل متصاعد ليشكلوا جيشًا من المتعثرين ماليًا.

ويلفت نقيب تجار الألبسة الأسبق في الأردن منير ديه، إلى ما واجهه الاقتصاد الأردني من تحديات خلال السنوات الماضية، قائلًا إن البلاد بدأت تشهد ركودًا منذ عام 2017. 

ويشير إلى نسبة البطالة التي وصلت إلى 24%، فيما يُتوقع أن ترتفع نسبة الفقر مع نهاية العام الحالي من 25 إلى 27%.

أمر الدفاع 28

هذا الوضع دفع الحكومة إلى إصدار أمر الدفاع، الذي أوقف العمل بقانون حبس المتعثّرين، في محاولة للتخفيف من الآثار الاقتصادية الحادة للجائحة.

ويشرح نقيب المحاميين الأردنيين يحيى أبو عبود، أن هذا الأمر قضى بعدم حبس المتعثّرين في الالتزامات التعاقدية التي تقل قيمتها عن 100 ألف دينار، لمنع تفشي الوباء داخل مراكز الإصلاح والتأهيل أو أماكن التوقيف.

ويشير إلى أنه مع انتهاء تفشي الوباء تم تمديد أمر الدفاع لمدد متلاحقة، والسبب في ذلك مراعاة الحالة الاقتصادية التي أعقبت الجائحة.

وقانون تعطيل حبس المتعثرين جاء بتداعيات عدة وتأثيرات في التعاملات السوقية وتغيرات في منظومة العلاقات التجارية السائدة، ما أثر بدوره على الاقتصاد الأردني.

ويذكر أبو عبود بأن الاقتصاد الأردني قائم على فكرة التعاملات الآجلة، حيث يسعى الأردني إلى تلبية حاجاته الأساسية أو النصف أساسية أو الكمالية بتقسيم دخله السنوي على قيمتها، وبالتالي عندما يريد شراء أو إبرام أي عقد يأخذ في الاعتبار أنه سيقوم بتقسيط التزامه.

بدوره، يتحدث نقيب تجار الألبسة الأسبق في الأردن منير ديه، عن اعتماد الاقتصاد الأردني على الدين بشكل أساسي، مشيرًا إلى وجود 32 مليار دينار على شكل شيكات متداولة سنويًا. 

ويفيد بأن تعديلات قانون العقوبات والتنفيذ وما شهده أمر الدفاع 28، ضرب مصداقية الشيك كورقة تداول، لافتًا إلى ما يشكله ذلك من خطر على عمل التجار.

وفي هذا الصدد، يوضح تاجر السيارات خالد الرجبي، أن التاجر عادة ما يشتري بضاعته بشيكات مؤجلة إلى حين بيع بضاعته فيقوم بالسداد.

وبينما يلفت إلى أن فئة كبيرة باتت تعتمد على قانون عدم حبس المتعثرين وتشتري دون نية بالدفع، يقول إنه توقف عن التعامل مع الزبائن بالشيكات أو بالتقسيط، إلا عن طريق شركات التسهيلات أو البنوك.

ويضيف أنه توقف كذلك عن رفع دعاوى على من لا يسددون الدين، لأن الأمر سيستوجب دفع رسوم للمحكمة وأتعاب للمحامين دون تحقيق أي نتيجة.

ويشدد على أنه "لا يمكن إجبار المدين على الدفع إلا في حالة تم حبسه، ما يدفع أهله وأصدقاؤه إلى التحرك".

جدل في الأردن

وأثار أمر الدفاع الخاص بحبس المدين حالة من الجدل والخلاف بين الأردنيين. وقد أخذ مجلس النواب الأردني موقف المؤيد، مطالبًا الحكومة بتمديد تعليق حبس المدين حتى منتصف عام 2023.

في المقابل، أخذت نقابة المحامين موقفًا معارضًا بناء على قاعدة قانونية تقوم مرجعيتها على مبدأ سيادة القانون وتحقيق العدالة بين الدائن والمدين.

وفي حين شرع مجلس النواب بالتعاون مع الحكومة بإصدار مشروع قانون تنفيذ جديد تم إقراره بعد جدل طويل، إلا أن مشروع القانون تم تجميده في ظل استمرار العمل بأوامر الدفاع لحين انتهاء آثار الأزمة.

وينفي رئيس اللجنة القانونية في البرلمان الأردني غازي ذنيبات، أن يكون الحديث عن مسألة تمديد أمر الدفاع ترفًا، سائلًا: "هل نضع أبناءنا في السجن لمجرد أنهم مروا بضائقة اقتصادية؟". 

ويجزم أن في الأمر مسألة أخلاقية، مشيرًا في المقابل إلى وضع السجون في الأردن، حيث تبلغ نسبة الإشغال اليوم 160%. ويسأل: "بالحديث عن 50 أو 60 ألف، أو حتى 5000 شخص، أين يمكن سجن هؤلاء؟".

بدوره، يتوقف نقيب المحامين الأردنيين يحيى أبو عبود عند الآثار المباشرة لوجود أمر الدفاع؛ ومنها ازدياد حالات الممتنعين عن أداء التزاماتهم. 

ويذكر بأن ما يميّز القاعدة القانونية عن القاعدة الأخلاقية هو عنصر الجبر والإلزام فيها. 

ويقول: "لو تُرك الناس للقواعد الأخلاقية، لما كان العديد منهم التزموا بما تعهدوا به"، مشددًا على أن "القانون حاجة إنسانية".

ويؤكد وجوب إيجاد بدائل في حال الرغبة بسحب فكرة حبس المدين في الالتزامات التعاقدية من النظام القانوني الأردني.

يُذكر أنه أثناء إعداد الفيلم، أصدرت الحكومة الأردنية تعديلًا لأمر الدفاع ليصبح الحبس نافذًا على من تجاوز دينه 20 ألف دينار. وبهذا القرار سيختار آلاف المتعثرين من الأردنيين ملازمة بيوتهم خشية ملاحقتهم، وإلقاء القبض عليهم من قبل الجهات الأمنية والتنفيذ القضائي.

وبموازاة ذلك، أعلنت الحكومة عن نيتها افتتاح سجن جديد في منطقة الأزرق بسعة 3000 سجين، مع مطلع العام الحالي.

شهادات لمتعثرين

وحتى نهاية عام 2022، بلغ عدد المطلوبين الأردنيين للتنفيذ القضائي على ذمة الديون نحو 155 ألف شخص؛ منهم ما يقرب من 100 ألف ممن تندرج ديونهم ما دون 5 آلاف دينار أردني، وهم الفئة التي كان شملها أمر الدفاع ممن نجوا من الملاحقة القضائية والحبس.

وللوقوف على الأسباب التي أوصلتهم إلى هذا الحال، استطلع فريق "عين المكان" حال عينة منهم.

فيشير بلال جهماني، الأردني المتعثر في الديون، إلى أنه كان يملك معرضًا للمفروشات، وآخر للأجهزة الكهربائية.

ويشرح أنه كان يبيع للزبائن بالتقسيط، ثم راحت أحوالهم تسوء، فتخلفوا عن سداد دفعات. ويقول: "حاولت تغطية الأمر بداية، ثم وقعت في عجز. بعت كل شيء، لكن لم أتمكن من السداد واضطررت لمغادرة البلاد".

ويوضح أنه ذهب إلى تركيا حيث "تكاليف المعيشة متدنية"، ثم عاد إلى الأردن حيث يمنعه قانون الدفاع الآن من السفر بدلًا من حبسه.

ويذكر بأنه مدين بـ76 ألف دينار، فيما هو دائن بما يزيد عن 218 ألف دينار للناس. 

ويضيف: "في حال توقف قانون الدفاع، سيكون مصير عشرات آلاف البشر السجن، وأنا منهم".

بدورها، تتحدث سميرة الخطيب، الأردنية المتعثرة في الديون، عن إغلاق المدرسة التي أسّستها جراء وباء كوفيد – 19 وتداعياته، وافتتاحها مطعمًا.

وتقول: إن المركز كان مختصًا بتعليم ذوي الاحتياجات الخاصة، وانطلق عام 2003 وكبر، حيث كان يضم 122 طالبًا بقسمين داخلي وخارجي. وتشير إلى أنها الآن سيدة متعثرة وعليها قضايا مالية.

إلى ذلك، تتحدث الخطيب عن انتشار مؤسسات القروض الصغيرة قبل نحو 13 عامًا، لافتة إلى أن تلك المؤسسات راحت تزور السيدات في بيوتهن وتقدم لهن التسهيلات، حتى تم توريط المجتمع الأردني.

وتضيف: فيما كانت المرأة الأردنية تأخذ قرضًا إما لتعليم ابنها أو إجراء عملية جراحية، تغولت شركات القروض بالفوائد العالية جدًا عليها.

وفي سياق متصل، يتحدث المحامي المتابع لقضايا المتعثرين عمر الطويل، عن إثقال المرأة بفوائد القروض التي تعجز عن سدادها، وعن ظاهرة "الغارمات"، وهن ربات بيوت مسجونات.

فما قصة هؤلاء، وما الذي يقوله القانون عن الحبس المدين ومفاعيله، وماذا عن أولئك الذين يدخلون على خط تحصيل الدين بطرق غير قانونية؟ الإجابات والمزيد عن هذا الملف في الحلقة المرفقة من "عين المكان"


المصادر:
العربي
شارك القصة