يعد الصيد المهنة الرئيسة التي تعتاش عليها آلاف الأسر في مدن الشريط الساحلي الغربي في اليمن، حيث يخرج الصيادون كل يوم للبحث عن لقمة عيش يعيلون بها أنفسهم وعائلاتهم.
يبحر الصيادون اليمنيون على متن قواربهم ويلقون بشباكهم في البحر، ويترقبون جمع الأسماك. إلّا أن مصدر الرزق هذا تحوّل إلى مبعث خطر يحاول تصيدهم، فإما أن يعودوا آمنين بشباكهم المنهكة أو أنهم يقعون فريسة في شباك جهات تتربص بهم.
فقد حوّلت الحروب والصراعات اليمن إلى ساحة مفتوحة خلّفت أوضاعًا إنسانية ومعيشية وأمنية واقتصادية صعبة، فجعلت الحكومة اليمنية تدخل في دوامة من النزاعات متعددة الأطراف. ومنذ بداية الحرب في اليمن عام 2015، تزايدت وبشكل لافت اعتداءات البحرية الإريترية بحق الصيادين اليمنيين.
انتهاكات يتعرض لها الصيادون اليمنيون
لمعاينة الوضع، توجّه فريق "العربي" إلى الحديدة، إحدى مدن اليمن الساحلية التي يعد سكانها الصيد مهنتهم الرئيسية، وقابل حياة أحمد، زوجة الصياد رضوان الواجدي الذي اعتقلته قوات خفر السواحل الإريترية منذ ستة أشهر ولم تفرج عنه بعد.
والتقى فريق برنامج "عين المكان" بالكثير من العائلات التي تعيش وضعًا مشابهًا لحالة حياة، لكنهم اعتذروا عن الحديث خوفًا من أن يتعرض أبناؤهم لردّات فعل عقابية على حدّ تعبيرهم، قد تودي بحياتهم.
في المقابل، نجح الفريق بلقاء صيادين كانت لهم تجارب سابقة مع القوات الإريترية، حيث تحدّثوا عما تعرضوا له من جانب تلك القوات أثناء الصيد.
وأوضح مدير خفر السواحل سليمان جماعي أن الصيادين يتعرضون لجملة من الانتهاكات، منها استهداف الثروة البحرية والعدوان على الصيادين ومطاردتهم من قبل القوات العسكرية المتواجدة بالقرب من المياه اليمنية ومنها القوات الإريترية.
اضطهاد وتعذيب معنوي وجسدي
لا تكتفي السلطات الإريترية باعتقال الصيادين اليمنيين، بل تمارس عليهم العديد من أساليب الاضطهاد والتعذيب المعنوي والجسدي.
ويوضح الصياد أحمد عمر أن الصيادين المعتقلين يُجبرون في بعض الأحيان على أعمال بناء المعسكرات وحمل الحجارة، مضيفًا: "يعاملوننا كالعبيد".
من جهته، يشير الصياد عمار القادري إلى أنه ما زال يعاني من ورم وآلام في الرقبة والظهر نتيجة الحجارة التي كان يحملها على أكتافه عندما اعتقلته القوات الإريترية طيلة 7 أشهر.
وكان السجن عبارة عن صحراء في جزيرة فارغة وأعمال شاقة تحت أشعة الشمس الحارقة، بحسب عمر.
7 آلاف جريمة خطف بحق صيادين يمنيين
في المقابل، لا تبرر السلطات الإريترية هذه الأفعال وفقًا لرئيس الهيئة العامة للمصائد السمكية هاشم الدانعي.
ويلفت إلى أن فئات عسكرية إقطاعية تسيطر على القطاع البحري وتخطف الصيادين بغرض الكسب من ورائهم.
ووفق الإحصاءات التي حصل "العربي" عليها من قبل الهيئة العامة للمصائد السمكية في البحر الأحمر، فقد بلغ عدد الصيادين المختطفين في عام 2021، 882 صيادًا. أمَا في عام 2022، فبلغ عددهم 750 صيادًا.
وأظهرت إحصاءات وتقارير محلية تنفيذ البحرية الإريترية أكثر من 7 آلاف جريمة اختطاف بحق صيادين يمنيين من المياه الإقليمية اليمنية في البحر الأحمر منذ عام 2015.
محاولة احتلال جزر حنيش اليمنية
ولا تقف اعتداءات البحرية الإريترية عند الصيادين اليمنيين، بل عادت من جديد لمحاولة احتلال جزر حنيش اليمنية في البحر الأحمر.
فوفقًا لتصريحات نُسبت لمصادر عسكرية في الحكومة اليمنية الموالية للتحالف بقيادة السعودية، فإن هناك حشودًا عسكرية إريترية قبالة أهم الجزر اليمنية في البحر الأحمر.
يُذكر أن إريتريا قد أقدمت سابقًا على احتلال جزيرة حنيش الكبرى في عام 1995. وبعد وساطات إقليمية ودولية لحل النزاع، أصدرت لجنة التحكيم الدولية قرار تحكيمها الأول في عام 1996 واستمرت المفاوضات حتى عام 1998 منتهية بتسلم الحكومة اليمنية رسميًا جزيرة حنيش الكبرى.
وفي عام 1999، جرى ترسيم الحدود البحرية بين البلدين بخط حدودي بحري واحد مستند على نقاط الأساس على الشاطئين الشرقي للجمهورية اليمنية والغربي لإريتريا.
اتفاقية تضمن حق الاصطياد
ووفق اتفاق الأمم المتحدة لقانون البحار، فالمياه الإقليمية للدول هي ذلك النطاق البحري القائم والممتد ما بين الإقليم والبحر العام انطلاقًا من خط الأساس وبمدى لا يتجاوز 12 ميلًا بحريًا.
لكن بالعودة لما نصّت عليه اتفاقية التحكيم بين البلدين، فقد ضمنت حق الاصطياد التقليدي لمواطني الدولتين في أي موقع من البحر من سواحل البلدين، كما أعطتهم حقّ تسويق منتجاتهم في الموانئ الإريترية واليمنية من دون تمييز أو مضايقة.
ومن وقت لآخر، تستقبل الموانئ اليمنية مجموعة من الصيادين الذين أطلق سراحهم ونجوا من غياهب السجون الإريترية، حيث يعودون بأيد خاوية وأجساد مرهقة.
خسائر هائلة للقطاع السمكي
ووفق مسح ميداني أجري مؤخرًا، فإن الإحصاءات والتقارير تُظهر أن هناك تراجعًا واضحًا في كمية الإنتاج السمكي لليمن، إذ بلغ حجم التراجع 4% في عام 2019 عن إجمالي حجم الإنتاج في عام 2015.
كما أوضحت الإحصاءات الأخيرة للهيئة العامة للمصائد السمكية في البحر الأحمر أن خسائر القطاع السمكي منذ اندلاع الحرب اليمنية قد تجاوز 12,6 مليار دولار.
إلى ذلك، تصادر إريتريا قوارب الصيادين الذين يتم اعتقالهم. فمنذ عام 2010 وحتى الآن، جرت مصادرة أكثر من 30 مليار ريال يمني أي ما يعادل 120 مليون دولار تقريبًا.
ويُعَدّ ما يجري خرقًا واضحًا للجوار وتجاوز قانوني تتعدى من خلاله إريتريا على حقوق الصيادين اليمنيين، وسط مخاطر مستقبلية عديدة تهدد مهنة آلاف أرباب الأسر وغيرهم.
ورغم ما تتعرض له ثروات اليمن المائية من انتهاكات متعددة الأشكال ورغم قساوة ما يواجهه الصيادون اليمنيون، إلّا أن الأمل لا يزال موجودًا لديهم، فلا تكاد تفرغ السواحل يومًا من وجودهم منذ شروق الشمس إلى غروبها، مترقّبين يومًا تتحسّن فيه الأحوال.