اليسار يحقق انتصارًا مفاجئًا... انتخابات فرنسا تشهد ريمونتادا سياسية
اتجهت غالبية استطلاعات الرأي التي أجريت في الأيام القليلة الماضية إلى منح تحالف اليمين المتطرف الفرنسي بقيادة جوردان بارديلا زعيم حزب التجمع الوطني، أغلبية مقاعد الجمعية العمومية الفرنسية بفارق مريح عن غيره، وهو ما سيمكن اليمين من تشكيل الحكومة لأول مرة بعد أن حققت تقدمًا ملحوظًا في الدور الأول من الانتخابات.
لكن الدورة الثانية من الانتخابات شهدت مفاجأة حققها تحالف اليسار الفرنسي بتنفيذه ما يطلق عليه في عالم الرياضة "ريمونتادا"، فقد استطاع أن يحوز أغلبية المقاعد في الجولة الثانية وأن يصعد من المرتبة الثانية إلى المرتبة الأولى، بحصوله على أكثر مقاعد الجمعية الوطنية، وتحويله التقدم الساحق لليمين المتطرف في الدور الأول إلى هزيمة ساحقة.
وتشير تقديرات توزيع المقاعد وفق النسب التي حصلت عليها التحالفات السياسية إلى توزيع المقاعد كالآتي:
- في المركز الأول: تحالف اليسار باسم الجبهة الشعبية الجديدة سيكون رصيده 182 مقعدًا من أصل 557.
- يليه تحالف "معًا"، ويقوده حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بــ168 مقعدًا.
- يحل تحالف اليمين المتطرف بـ143 مقعدًا.
- ثم تحالف الجمهوريين بـ66 مقعدًا.
ويحتاج تحالف اليسار إلى 289 مقعدًا برلمانيًا ليتمكن من الانفراد بتشكيل الحكومة وهو ما لم يتحقق، ويكون الحل هنا اللجوء إلى تشكيل حكومة ائتلافية يقودها التحالف الأكثر تمثيلًا في البرلمان.
ويقول متابعو الانتخابات الفرنسية إن التنسيق بين أحزاب وتحالفات اليسار واليسار الوسط أدى إلى انسحاب أكثر من مئتي مرشح لصالح منافسيهم من نفس التيار كان سببًا رئيسيًا في ذلك الانتصار.
والسبب الآخر، أن استشعار كثيرين الخطر من وصول حكومة معادية للمهاجرين، وتنفيذها سياسات صعبة دفعهم إلى المشاركة الانتخابية لتزيد نسبة المشاركة عن الدور الأول.
فلسطين حاضرة
وعمت احتفالات أنصار اليسار شوارع فرنسا، وكانت القضية الفلسطينية حاضرة في المسيرات التي احتفلوا فيها، وليس ذلك فحسب، بل كانت حاضرة أيضًا في خطاب زعيم فرنسا الأبية وزعيم الائتلاف اليساري جان لوك ميلانشون.
وقال ميلانشون: "سيكون لدى فرنسا رئيس وزراء من الجبهة الشعبية الجديدة، وسنكون قادرين بموجب ذلك على اتخاذ القرارات في كثير من الملفات على مستويات عدة".
وأضاف: "دستور فرنسا يمنح الرئيس بعض الصلاحيات فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، ويمنح بعضها لرئيس الوزراء أيضًا. لذلك يتعين على كلا الطرفين أن يتوافقا على الاعتراف بالدولة الفلسطينية في أقرب وقت ممكن".
أما ماتيلد بانو، رئيسة الكتلة النيابية لحزب فرنسا الأبية، أكبر أحزاب التحالف اليساري، فقد كانت أكثر تحديدًا من رئيس حزبها فيما يتعلق بالدولة الفلسطينية، إذ أكدت اعتزام تحالفها بقيادة الحكومة الاعتراف بالدولة الفلسطينية خلال أسبوعين فقط من عمل الحكومة الجديدة، إضافة إلى تنفيذ سياسات متعلقة بأجندة اليسار وبرنامجها الانتخابي.
فانعكاس هذه النتائج على مسار القضية الفلسطينية ليس حتميًا كما يصرح السياسيون الفائزون في الانتخابات، ولكن الأكيد أن وصولهم إلى السلطة لم يكن خبرًا جيدًا بالنسبة إلى الاحتلال الإسرائيلي، خصوصًا أن كثيرًا من الفائزين من الوجوه المعروفة على مدار الأشهر الماضية في المظاهرات التي تطالب بوقف العدوان على غزة.
ففي مقابل فوز وجوه مناهضة لسياسة إسرائيل في العدوان على غزة، خسر أبرز الوجوه المؤيدة لإسرائيل في البرلمان الفرنسي، صديق بنيامين نتنياهو الشخصي مائير حبيب، مقعده لصالح نائبة مرشحة عن حزب الرئيس ماكرون.
وفي أول رد فعل على خسارته، احتفل النائب سيباستيان دي لوغو الذي طرد من جلسة سابقة للبرلمان الفرنسي بسبب رفعه للعلم الفلسطيني، بنشره فيديو وهو يحتفل بخروج بخسارة حبيب.
"مكسب للقضية الفلسطينية"
وعلى وسائل التواصل الاجتماعي تفاعل المغردون مع نتائج الانتخابات الفرنسية، إذ رأت الأكاديمية باسكال الديب أن ملخص الانتخابات الفرنسية وما استنتجته من الشارع والأرقام، أن الشعب الفرنسي لا يريد لا التطرف اليميني ولا التطرف اليساري. فرنسا لا تحكم إلا بسياسة وسطية نظرًا لمكونات مجتمعها وبالعودة إلى أسس قيام هذه الدولة. لذلك يجب العودة إلى مبادئ الجمهورية.
أما صانع المحتوى حسن صايغ فكتب "إلى كل الذين راهنوا على أن قضية فلسطين وقضية غزة قضية خاسرة بمقاييس السياسة والانتخابات الداخلية لكل دولة.. هذا هو يسار فرنسا الأكبر في أوروبا يفوز وقد رفع شعار فلسطين طوال الفترة الماضية.. هل وعيتم أن الشعوب تدري ما يدور حولها بدقة".
أما أحمد فيقول: إن "انضمام فرنسا كحكومة أو على الأقل كائتلاف حكومي يقوده مؤيدو فلسطين هو مكسب كبير بعد إسبانيا والدول التي اعترفت بفلسطين قبل أسابيع".