الخميس 21 نوفمبر / November 2024

فيروز في عيد ميلادها.. جارة للقمر لا تتكرّر وأسطورة لا تُنسى

فيروز في عيد ميلادها.. جارة للقمر لا تتكرّر وأسطورة لا تُنسى

شارك القصة

يحتفل معجو المطربة اللبنانية فيروز بعيد ميلادها في نوفمبر من كل عام-غيتي
يحتفل محبو المطربة اللبنانية فيروز بعيد ميلادها في نوفمبر من كل عام-غيتي
تعاملت فيروز خلال مسيرتها الفنية التي تمتد لأكثر من سبعة عقود، مع عدد كبير من الملحنين، أبرزهم على الإطلاق الأخوان رحباني.

في آخر ظهور للفنانة اللبنانية فيروز مطلع سبتمبر/ أيلول 2020، ارتدت أسطورة الغناء العربي عباءة سوداء مطرّزة، وغطّت جزءًا من رأسها بمنديل أسود، ووضعت قناعًا شفّافًا على وجهها.

كانت تلك أيام ذروة انتشار فيروس كورونا-(كوفيد 19) في العالم، أما ضيفها فكان استثنائيًا. إنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي آثر أن يبدأ زيارته إلى لبنان آنذاك من بيت فيروز في منطقة الرابية ببيروت، لا من أي مقر حكومي رسمي أو بلقاء كبار مسؤولي البلاد.

استمر اللقاء نحو ساعة ورُبع الساعة، لكن صداه استغرق زمنًا طويلًا، لا في لبنان وحسب بل في المنطقة بأسرها.

كان الخبرُ لدى كثيرين أن فيروز استقبلت الرئيس الفرنسي، وليس أنه زارها، ما يعكس المكانة الفريدة التي تحتلها الفنانة اللبنانية في قلوب متابعيها، وهم من مختلف الأجيال والدول والأعراق.

إنها جارة القمر. سفيرة لبنان إلى النجوم. الصوت العابر للطوائف والدول. ضمير لبنان، أيقونته. الأغنية التي تنسى دائمًا أن تكبر كما وصفها الشاعر الفلسطيني محمود درويش.

الرئيس الفرنسي في زيارة فيروز في بيتها عام 2020-غيتي
الرئيس الفرنسي في زيارة فيروز في بيتها عام 2020-غيتي

وإذا كان "بعض الأصوات سفينة، وبعضها شاطئ، وبعضها الآخر منارة فإن صوت فيروز هو السفينة والشاطئ والمنارة"، كما كتب الشاعر اللبناني أنسي الحاج، مضيفا أنه "حتى الموسيقى تغار منه".  

وإذا كان هذا شأن الشعراء معها، وكثير منهم كتب عنها، فبماذا وصفها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون؟

بماذا وصفها ماكرون

في ختام زيارته إلى لبنان سُئل ماكرون عن لقائه بفيروز فقال: "أستطيع أن أقول ما شعرت به، وما قلته لها شخصيًا. قلت إنني أشعر بالرهبة أن أكون أمام "ديفا" مثل فيروز، وأن أرى جمالها، وهذا السحر الذي تتمتع به".

وأضاف: "أعتقد أنها تحمل بشكل ربما واقعي أو غير واقعي جزءًا من لبنان- الحلم، وصوتها مهم للغاية بالنسبة لكل الأجيال التي رافقتها (...) لن أتحدث عنها بالتأكيد لأنني أعتقد أن هذا جزء من الحلم والسر الذي تحيط نفسها به. هذا السر هو جزء من فيروز".

من أسرة متواضعة وبموهبة فذة

ولدت نهاد وديع حدّاد (فيروز) في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1935، في قضاء الشوف بجبل لبنان، لعائلة سريانية أرثوذكسية متواضعة الحال، وكانت الطفلة الأولى للعائلة. 

اكتشفها عام 1947 محمد فليفل، الذي وضع وشقيقه أحمد ألحان عدد من الأناشيد الوطنية العربي، وبفضله انضمت إلى فرقة الإذاعة الوطنية اللبنانية، والتحقت بالمعهد الموسيقي الذي كان يترأسه آنذاك وديع صبرا، ملحن النشيد الوطني اللبناني، والذي رفض تقاضي أي رسوم دراسية منها لإعجابه بصوتها. 

بعد إنهاء دراستها في المعهد التقت الملحن حليم الرومي الذي كان يشغل منصب رئيس القسم الموسيقي في الإذاعة اللبنانية. أطلق عليها اسم فَيروز، وهو الحجر الثمين، وقدّم لها ألحانًا لأول أغانيها مثل أغنية (يا حمام يا مروّح) وأغنية (بحبك مهما أشوف منك) عام 1952.

وفي الإذاعة أيضًا، تعرفت فيروز في بداية خمسينيات القرن الماضي على من سيصبح زوجها لاحقًا (تزوجا عام 1955 وانفصلا عام 1979)، وهو دينامو ما يمكن وصفها بالخلية الأكثر إبداعًا وخصبًا فنيًا لا في لبنان وحسب بل في العالم العربي. 

كان ذلك هو عاصي الرحباني، الموسيقي والكاتب الذي يوصف بالعبقري، وأحد كبار مجدّدي الموسيقي العربية.

ومنذ ذلك الوقت حتى وفاة الأخير عام 1986، كان صعودها الفني المذهل، قبل أن يصبح نجلها زياد ملحن أعمالها الغنائية. 

مع عاصي.. خصب فني نادر

ويقدّر مؤرخو الفنانة فيروز عدد أعمالها الفنية خلال نحو ثلاثة عقود من التعاون مع الأخوين الرحباني (عاصي ومنصور)، بنحو 800 أغنية وبضعة أفلام ومسرحيات. 

انفصلت فيروز عن زوجها عاصي الرحباني عام  1979-غيتي
انفصلت فيروز عن زوجها عاصي الرحباني عام 1979-غيتي

وكان أول ظهور كبير ومباشر لفيروز مع الأخوين رحباني في مهرجان بعلبك عام 1957، عبر مغناة "أيام الحصاد" التي قُدّمت أمام حضور جماهيري كبير في معبد جوبيتر الأثري، قبل أن تتوالى مشاركاتها في المهرجانات من بعلبك إلى دمشق إلى عدد من العواصم العربية.

مع المطربة الفرنسية ميراي ماثيو عام 1974-غيتي
مع المطربة الفرنسية ميراي ماثيو عام 1974-غيتي

1500 أغنية منذ الأربعينيات

غنّت فيروز نحو  1500 أغنية، عُرف منها نحو 800، وهناك أعمال كثيرة لها غير مسجّلة، يعود معظمها إلى أربعينيات وخمسينيات وأوائل ستينيات القرن الماضي

وتقدّر بعض المصادر أنه تم بيع أكثر من 150 مليون نسخة من ألبوماتها حول العالم.

غنت فيروز نحو 1500 أغنية منذ أواخر أربعينيات القرن الماضي-غيتي
غنت فيروز نحو 1500 أغنية منذ أواخر أربعينيات القرن الماضي-غيتي

وتعاملت فيروز خلال مسيرتها الفنية التي تمتد على أكثر من سبعة عقود، مع عدد كبير من الملحنين، أبرزهم على الإطلاق الأخوان رحباني، اللذين لحّنا أغلب أعمالها، بالإضافة إلى فليمون وهبي وزياد الرحباني وزكي ناصيف ومحمد عبد الوهاب وغيرهم. 

ثنائية أم كلثوم-فيروز

شكّلت فيروز وأم كلثوم ثنائية الغناء العربي وذروته في القرن العشرين، فبينما رأى كثيرون أن الأخيرة أسطورة لا تُنافس، ذهب آخرون إلى أن الأولى لا تقل أهمية على الأطلاق، وأنهما تشكلان وجهي العملة الواحدة، وهي الغناء الذي تحوّل إلى فن رفيع، إذ نقلاه من مستوى الطرب إلى الفن الخالد من حيث تأثيره في المتلقين، وهو تأثير غير لحظي، وفقهم، بل دائم، وذو صلة بإعادة بناء الذائقة العربية في تلقي الغناء والفنون.

كانت أغاني أم كلثوم طويلة، بموسيقى كلاسيكية، تقدّم وحدها على خشبة المسرح، على خلاف الفنانة اللبنانية، نحيلة القامة، التي قدّمت أغانيَ أقصر، بإيقاع أسرع وأكثر حداثة، وضمن سياق وأشكال فنية متنوعة، ومع فنانين آخرين أحيانًا، وعلى خشبة مهيأة للمسرح الغنائي وليس الأداء المنفرد فقط.

كانت تلك ثنائية الروح مقابل الجسد. النزوع إلى التجريد والسماوي مقابل الحسي والوحشي والعاطفة المتدفقة، ما جعل معجبي فيروز يشبهون صوتها بالملائكي، في مقابل صوت أم كلثوم الذي شُبّه بالأسطوري والذي يسلب المتلقي لُبّه.

يعيد بعض دارسي مشوار فيروز الفني سحر أدائها بل عالمها الذي قدّمته إلى مفهوم القرية، ورغبة الكائن الإنساني بالعودة إلى العُش، ما يفسّر كلمات أغانيها التي تتغنى بالضيعة (القرية) والعلاقات الإنسانية الأصيلة ولكن البسيطة القائمة على المُثل العليا، والبراءة في التعبير عن المشاعر، وهي بهذا تنتمي في رأيهم إلى إرث الكاتب اللبناني-الأميركي جبران خليل جبران، أكثر من انتمائها إلى السرديات المعاصرة بالغة التعقيد.

إرث مسرحي كبير 

لم تقصر فيروز فنها على الأغنية المنفردة وحسب بل شمل المسرح، وفيه أبدعت مع الأخوين الرحباني، كما شمل  السينما أيضًا تحت إدارة اثنين من كبار المخرجين المصريين، يوسف شاهين وهنري بركات.

وفي المسرح قدّمت فيروز عددًا كبيرًا من المسرحيات (نحو 16 مسرحية معروفة ومسجّلة) من أهمها:

- جسر القمر

قُدّمت عام 1962 على مسرح معرض دمشق الدولي ومعبد جوبيتير في بعلبك، وشارك في بطولتها بالإضافة إلى فيروز، نصري شمس الدين، وإيلي شويري ومنصور رحباني. 

ومن أغاني المسرحية: "جايبلي سلام"، و"قال انطريني".

- الليل والقنديل

عُرضت للمرة الأولى عام 1963. شارك في بطولتها نصري شمس الدين، هدى، جوزيف عازار، وليم حسواني، مروان محفوظ.

ومن أغاني المسرحية: "ضوي يا هالقنديل"، "عتم يا ليل"، "فايق عليي"، "يا أهالي الضيعة". 

- بياع الخواتم

قُدّمت عام 1964. شارك فيها جوزيف ناصيف، نصري شمس الدين، وإيلي شويري، ومن أغانيها: "تعا ولا تجي"، و"أمي نامي عبكير".

- هالة والملك

عُرضت عام 1967. شارك فيها  نصري شمس الدين، إيلي شويري وغيرهم، ومن أغانيها "حبيبي بدو القمر"، "أنا اسمي هالة"، "ع الكرم انزلي"

- المحطة 

عُرضت عام 1973. شارك في بطولتها نصري شمس الدين، إيلي شويري، هدى، أنطوان كرباج، فيلمون وهبي.

ومن أغانيها "ليالي الشمال الحزينة"، "يادرا دوري فينا"، "سألوني الناس"، "كان الزمان"، "رجعت الشتوية".

- ميس الريم 

عُرضت عام 1975. شارك فيها  نصري شمس الدين، وليم حسواني، جوزيف ناصيف، هدى، رجا بدر، جوزيف صقر، ليلى كرم.

ومن أغانيها "ستي يا ستي"، "سألتك حبيبي"، "آخر أيام الصيفية"، "حبوا بعضن"

- بترا

عُرضت عام 1977. شارك فيها نصري شمس الدين، هدى، أنطوان كرباج، أندريه جدعون، غسان صليبا، وجوزيف ناصيف، ومن أغانيها "بكرا لما بيرجعوا الخيالة"، "ما نام الليل"، و"خدني يا حبيبي".

كما قدّمت فيروز عددًا من الأفلام السينمائية، وهي:

1-    بياع الخواتم. من إنتاج عام 1964. إخراج يوسف شاهين

2-    سفر برلك. إنتاج عام 1967. إخراج هنري بركات

3-    بنت الحارس. إنتاج 1968. إخراج هنري بركات

أوسمة وميداليات

نالت فيروز عددًا كبيرًا من الأوسمة والميداليات تقديرًا لفنها ومسيرتها الحافلة، أبرزها:

•    وسام الشرف من الرئيس اللبناني كميل شمعون عام 1957 

•     وساما الاستحقاق والأرز من الرئيس فؤاد شهاب عاميْ 1962-1963

•    وسام النهضة الأردني من الدرجة الأولى 1963، وميدالية الشرف الذهبية عام 1975.

•    وسام الاستحقاق من الرئيس السوري نور الدين الأتاسي 1967

•    وسام قائد الفنون والآداب من الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران عام 1988 

وزير الثقافة الفرنسي جاك لانغ يكرم فيروز عام 1988-غيتي
وزير الثقافة الفرنسي جاك لانغ يكرم فيروز عام 1988-غيتي

•    وسام فارس جوقة الشرف من الرئيس الفرنسي جاك شيراك 1998

•    وسام جوقة الشرف من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عام 2020

•    مفتاح مدينة القدس عام 1968

•    جائزة القدس عام 1997

•    مفتاح مدينة لاس فيغاس الأميركية عام 1999

•    الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأميركية في بيروت عام 2005

تابع القراءة
المصادر:
التلفزيون العربي
Close