الجمعة 22 نوفمبر / November 2024

"أحلام إمبراطورية".. لماذا تدخّلت موسكو في أحداث كازاخستان؟

"أحلام إمبراطورية".. لماذا تدخّلت موسكو في أحداث كازاخستان؟

شارك القصة

طلب الرئيس توكاييف مساعدة منظمة الأمن الجماعي بقيادة روسيا
طلب الرئيس توكاييف مساعدة منظمة الأمن الجماعي بقيادة روسيا (غيتي)
تُعتبر كازاخستان تاسع أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، بتعداد سكان قليل نسبيًا يبلغ حوالي 19 مليونًا. وتقع في آسيا الوسطى، وتعدّ الدولة الأقوى اقتصاديًا في هذه المنطقة.

على وقع التطورات المتسارعة التي تشهدها العلاقات بين روسيا والغرب، برزت قضية التدخل الروسي السريع في كازاخستان، إثر الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها البلاد، لتطرح على إثرها تساؤلات عديدة حول مدى قدرة الرئيس فلاديمير بوتين على بسط سيطرة روسيا على محيطها الحيوي "لمنع تكرار الثورات الملوّنة".

وتُعتبر كازاخستان تاسع أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، بتعداد سكان قليل نسبيًا يبلغ حوالي 19 مليونًا. وتقع كازاخستان في آسيا الوسطى، وتعدّ الدولة الأقوى اقتصاديًا في هذه المنطقة. ويعود اسمها إلى أصل كلمة "كازاخ"، التي تعني باللغة التركية الحرية أو الاستقلال.

حُكمت الدولة من إمبراطوريات مندثرة، مثل المنغولية تحت حكم جنكيز خان، والإمبراطورية الروسية.

وفي أعقاب الثورة الروسية في عام 1936، أصبحت كازاخستان جزءًا من الاتحاد السوفييتي. ثمّ أصبحت آخر الجمهوريات السوفييتية التي أعلنت استقلالها بالتزامن مع انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991. وكان نور سلطان نزارباييف، الرئيس السابق للحزب الشيوعي، أول رئيس للجمهورية.

قبضة من حديد

حكم نزارباييف البلاد بقبضة من حديد حتى عام 2019، ليسلّم مقاليد السلطة إلى خلفه قاسم توكاييف بعد انتخابات في العام نفسه.

وعلى مدى أكثر من ثلاثين عامًا، عقب تفكّك الاتحاد السوفييتي، لم تشهد كازاخستان اضطرابات تُذكر. فمن جهة، تمكّن الرئيس السابق نزارباييف من بناء نظام سياسي وأمني فعال؛ وفي الوقت نفسه، يُعتبر مقبولًا من الغرب، إذ تتبع كازاخستان سياسة خارجية متعدّدة التوجّهات، وتسعى إلى تحقيق التوازن في علاقاتها مع الدول الكبرى خاصّة أنها تتقاسم حدودًا طويلة مع روسيا من الشمال، والصين إلى الشرق.

اهتزاز الاستقرار

بدأ هذا الاستقرار يهتزّ مع أول تظاهرة خرجت في الثاني من يناير/ كانون الثاني الحالي، وما أعقبها من تواتر للأحداث شملت قتلى وجرحى في صفوف المدنيين وقوات الشرطة في عدة مدن كازاخية احتجاجًا على قرار رفع سعر الغاز المسال.

وتمكن المتظاهرون من السيطرة على ميدان الجمهورية، وهو الميدان الرئيس في ألماتا، بالإضافة إلى المطار، والعديد من مرافق الدولة في المدينة. ولكن سرعان ما أعادت أجهزة الدولة فرض سيطرتها.

إجراءات عدة قام بها الرئيس توكاييف لتخفيف حدة التوتر، ومنها إقالة الحكومة، وإقالة الرئيس السابق نزارباييف من منصب رئيس الأمن القومي.

لكن معلومات تشير إلى أن نزارباييف لا يزال يُدير دفّة الحكم من الخلف. ووظّف الثروة النفطية الهائلة لبناء عاصمة جديدة أستانة بدلًا من ألماتا، أكبر مدن البلاد، وأطلق عليها لاحقًا اسم مدينة نورسلطان تكريمًا له.

التدخّل الروسي

ولم تُفلح الإجراءات الأخيرة في إخماد شعلة المظاهرات، ما استدعى الرئيس توكاييف إلى طلب مساعدة منظمة الأمن الجماعي وإرسال مدرعات بقيادة روسيا للمساعدة في فرض الأمن بشكل مؤقت.

استجابة سريعة للطلب أفضت إلى إرسال قوات من عدة دول مثل قيرغزستان، وأرمينيا، وغيرها إلى كازاخستان. كما أرسلت روسيا عدة طائرات محمّلة بأفراد ومعدّات عسكرية تابعة لما تسميها قوات حفظ السلام التابعة لمعاهدة الأمن الجماعي، وحطّت في مطار ألماتا.

وتسعى موسكو، من خلال المنظمة، إلى استعادة أمجاد حلف وارسو، ومواجهة تطلعات حلف شمال الأطلسي (الناتو). وتُبرز الاستجابة للدعوة من قبل المنظمة وروسيا وإرسالها قوات لمساعدة كازاخستان في قمع الاحتجاجات وإعادة السيطرة، مدى أهمية كازاخستان الإستراتيجية.

وتُعد كازاخستان فناء خلفيًا لروسيا، وأي زعزعة للاستقرار السياسي في أي دولة مجاورة، مثل كازاخستان التي ترتبط مع روسيا بأطول حدود بين جميع جيرانها، تُشكّل خطرًا على مصالحها، لا سيما وأن موسكو اتهمت الغرب بحياكة المؤامرة لإشعال المظاهرات في بلدان سوفييتية سابقة، مثل بيلاروسيا وأوكرانيا.

وتخشى موسكو من ظهور حكومة موالية للغرب في كازاخستان، وإعادة إنتاج المثال الأوكراني، بالإضافة إلى أن روسيا تستخدم قاعدة بايكنور الفضائية الكازاخية لإطلاق الأقمار الصناعية وروّاد الفضاء إلى محطة الفضاء الدولية.

تقترن هذه الأهمية الإستراتيجية واللوجستية بتلك الاقتصادية. فكازاخستان تمتلك أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة في منطقة بحر قزوين، وتُنتج حوالي 1.1 مليون برميل يوميًا من النفط الخام. وضخّت الشركات الغربية عشرات المليارات من الدولارات في حقول نفط في كازاخستان.

الدور الأميركي

على الطرف الأخر، دعت وزارة الخارجية الأميركية إلى إيجاد حلّ سلمي للاضطرابات. فواشنطن وقبل ثلاثين عامًا، كانت أول دولة تعترف باستقلال كازاخستان، وقدّمت أكثر من 275 مليون دولار مساعدة لكازاخستان للقضاء على أسلحة الدمار الشامل والبنية التحتية ذات الصلة منذ عام 1991. كما جمعت البلدين علاقات عسكرية وأمنية متطوّرة.

وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن: إن التاريخ الحديث يُثبت أنه من الصعب إقناع روسيا بالخروج حين يدخلون أي دولة.

من جهتها، ندّدت الخارجية الروسية بالتصريحات الغربية، وطالبت موسكو واشنطن بمراجعة سجلها قبل أي انتقاد للتدخّل العسكري الروسي في كازاخستان.

تشكّك موسكو بتوقيت الاحتجاجات، لا سيما أنها سبقت المباحثات المتعلّقة بأوكرانيا بين روسيا والولايات المتحدة وحلف الناتو، إذ إن المظاهرات الكازاخستانية قد تضغط على موسكو في أي مفاوضات حالية أو مستقبلية بشأن اتفاقات أمنية تخصّ المحيط الحيوي لموسكو.

"أحلام إمبراطورية"

وقال هاني شادي، المختصّ في شؤون روسيا وآسيا الوسطى: إن تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول الثورات الملوّنة ليست جديدة، إذ بدأت مع "الربيع العربي" عام 2011.

وقال شادي، في حديث إلى العربي" من موسكو: إن بوتين اتهم أجهزة المخابرات الأميركية والغربية بالوقوف وراء هذه الثورات، ولذلك فإنه قلق، حتى مع خروج تظاهرات داعمة للمعارض الروسي أليكسي نافالني العام الماضي، لأن النظام الروسي ليس لديه أي سمات ديمقراطية ولا يتمتّع بالحرية، خاصّة أن الرئيس مستمرّ في الحكم منذ أكثر من عشرين عامًا، ويبدو أنه مستمرّ بالسلطة لوقت أطول.

وأضاف الخبير في الشأن الروسي أن التفكير القومي الأرثوذكسي لدى النخبة السياسية العليا في روسيا يعتبر أن دول المنطقة هي أراضٍ روسية موجودة عبر التاريخ ضمن الإمبراطورية الروسية، ويجب أن تخضع للسيطرة الروسية بغضّ النظر عن الفئات الدينية الموجودة فيها.

وأوضح شادي أن روسيا تعتبر دول الاتحاد السوفييتي السابقة هي حديقتها الخلفية، ويبدو أن هناك أحلامًا روسية بإعادة تشكيل إمبراطورية وإن كانت موسكو تنفي ذلك.

وأشار إلى أن روسيا لديها فقط الأداة العسكرية لإعادة تشكيل هذه الإمبراطورية، لكن مشكلتها هي في الجانب الاقتصادي، نظرًا لضعف اقتصادها مقارنة مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة.

وقال شادي: إن قوات الأمن الجماعي التي أرسلتها موسكو إلى كازاخستان باعتبارها قوات حفظ السلام هي قوات تأسّست قبل سنوات، وأُطلق عليها اسم قوات الانتشار السريع، وهي جاهزة لقمع أي ثورات اجتماعية أو حتى احتجاجات على غرار ما جرى في كازاخستان.

وأكد إلى أنّ ما يجري في كازاخستان، بالإضافة إلى كونها تظاهرات اجتماعية، هي تظاهرت ناتجة عن صراع داخل أجنحة السلطة الحاكمة بين أنصار نزاباييف وتوكاييف.

ورأى شادي أن الرئيس الروسي مندفع في قضية التدخّل في كازاخستان، لكن في الوقت نفسه، يخشى من انتشار هذه الاحتجاجات ووصولها إلى موسكو، نظرًا لوجود حالة من التململ في الداخل الروسي من تدهور المستوى المعيشي على الأقل في بعض المدن بسبب جائحة كورونا، وانخفاض أسعار النفط.

وأشار المختص في الشأن الروسي إلى أن استجابة موسكو السريعة للتدخّل في أي دولة من دول الساحة السوفييتية السابقة هي رسالة للغرب الذي يُعتبر ضعيفًا فيما يتعلّق بالردّ على السياسة الروسية.

تابع القراءة
المصادر:
العربي