ينتظر الفرنسيون تسمية إيمانويل ماكرون لرئيس وزراء جديد في الأيام المقبلة، حيث يحول الرئيس الذي فاز بولاية ثانية تركيزه نحو الانتخابات التشريعية المقررة بشهر يونيو/ حزيران المقبل، بعد هزيمته لمارين لوبان في الانتخابات الرئاسية يوم الأحد الفائت.
لكن هذا المركز الرفيع معروف في فرنسا بأنه "وظيفة سياسية من الجحيم"، إذ ينبغي أن يكون رئيس الوزراء الفرنسي مخلصًا، وقانعًا بالبقاء في ظل رئيسه، وبارعًا في التعامل مع البيروقراطية في البلاد.
كما يجب أن يعرف أيضًا أنه "سيتم التخلص منه" إذا انخفضت شعبية الرئيس، بحسب وكالة "رويترز".
هذه الصفات هي جزء بسيط مما سيفكر فيه الرئيس إيمانويل ماكرون هذا الأسبوع، لتدشين فترة ولاية ثانية لن تشهد أي شهر عسل مع الناخبين.
وكان رئيس الوزراء الفرنسي الحالي جان كاستكس، قد صرّح إنه سيستقيل إلى جانب حكومته، مما يسمح لماكرون باختيار وجه وفريق جديد لفترة رئاسته الثانية البالغة خمس سنوات.
ماكرون حريص على تعيين امرأة
في هذا السياق، كشف مسؤول حكومي لـ"رويترز" طالبًا عدم نشر اسمه، أن "الرئيس حريص على تعيين امرأة. شخص يفهم آلية الدولة لكن ليس سياسيًا".
وذكر المسؤول ومصدر حكومي آخر أن ماكرون، الذي سعى جاهدًا لتشكيل حكومة متوازنة بين الجنسين، يبحث عن رئيسة للوزراء بعد أن فشل في الوفاء بتأكيد حملته الانتخابية للقيام بذلك خلال ولايته الأولى.
وإذا نجح في ذلك، فستكون الأولى منذ أن شغلت إديث كريسون المنصب لفترة وجيزة أثناء رئاسة الزعيم الاشتراكي فرانسوا ميتران في أوائل التسعينيات.
متطلبات "الوظيفة"
وقال المصدران المطلعان على تفكير ماكرون إن الرئيس يريد أيضًا شخصًا يتمتع بأوراق اعتماد "خضراء" مؤكدة.
فخلال الحملة الرئاسية، قال ماكرون إنه سيعين رئيس وزرائه المقبل مسؤولاً عن "التخطيط الصديق للبيئة"، بهدف الاستفادة من حنين الناخبين اليساريين إلى التخطيط المركزي مع الاستفادة من مخاوف القرن الحادي والعشرين بشأن تغير المناخ.
وتماشيًا مع التقاليد الفرنسية، من المتوقع أن يختار ماكرون شخصًا كفؤًا وخبيرًا وله جاذبية (كاريزما) محدودة، حيث قال المسؤول الحكومي: "ليس من مصلحته تسمية شخص يمكن أن يلقي بظلاله عليه".
وكان أول رئيس وزراء لماكرون، إدوارد فيليب، عمدة غير معروف على نطاق واسع لمدينة لوهافر الساحلية متوسطة الحجم. ونمت شعبية فيليب بشكل متزايد خلال جائحة كورونا، حيث قدم مؤتمرات صحفية ميزها التعاطف فيما تناقض مع خطابات ماكرون الشبيهة بالحرب.
لذلك هددت هذه الشعبية ماكرون فأقال فيليب واستبدله بجان كاستكس، وهو رئيس بلدية لا يشكل خطرًا. وقال قصر الإليزيه في ذلك الوقت إنّ ماكرون أراد أن يجسد رئيس الوزراء الجديد "فصلًا جديدًا" بعد الإغلاق العام.
الأسماء الأوفر حظًا
ويجري الآن داخل حزب ماكرون تداول العديد من الأسماء، وهو غالبًا ما يكون علامة أكيدة على أنها لن تكون الأسماء الصحيحة.
وذكرت "الغارديان" أن من بين المرشحين الأوفر حظًا لدى ماكرون، إليزابيث بورن، وزيرة العمل البالغة من العمر 61 عامًا، وهي ثاني امرأة في فرنسا تشغل هذا المنصب.
فبورن عملت سابقًا في وزارتي البيئة والنقل، وهي وزيرة تكنوقراط ورئيسة سابق لنظام النقل العام في منطقة باريس (RATP).
كما خدمت في عهد رئيس الوزراء الاشتراكي ليونيل جوسبان، وكان لها الفضل في فهمها القوي لمعظم الموضوعات.
ومن بين الأسماء المرشحة أيضًا وزير المالية برونو لو مير، ووزير الداخلية جيرالد دارمانين، ووزير الزراعة جوليان دينورماندي، الذي يُنظر إلى كل منهم على أنه تكنوقراط ذو ميول يسارية ولديهم خبرة في الشؤون البيئية.
لكن المسؤول الحكومي هون من شأنهم خلال حديثه مع "رويترز" وقال: "سيبدو الأمر كما لو أننا نعيد تدوير الوزراء القدامى".
وقال مصدران برلمانيان إن اسم وزيرة البيئة السابقة في عهد نيكولا ساركوزي، ناتالي كوسيوسكو موريزيه، تجري مناقشته في الأروقة السياسية.
ومن الأسماء النسائية المطروحة أيضًا، كريستين لاغارد البالغة من العمر 66 عامًا، وهي رئيسة البنك المركزي الأوروبي والمديرة العامة السابقة لصندوق النقد الدولي، تسلمت منصب وزيرة اقتصاد بعهد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي.
ووفق "الغارديان" تتمتع لاغارد بالخبرة والكفاءة، ولكن اليسار سوف يرفضها لكونها ليبرالية وعالمية للغاية من الناحية الاقتصادية، لذلك تعيينها سيثير انقسمًا كبيرًا.
وكما في عام 2017، من المرجح أن يبقي الرئيس الأوراق طي الكتمان حتى اللحظة الأخيرة. وقال المسؤول الحكومي "الرئيس سيفاجئنا".
تحديات الولاية الثانية لماكرون
وصعد إيمانويل ماكرون قبل خمس سنوات إلى أعلى هرم السياسة في فرنسا، مطيحًا بأقوى الأحزاب في البلاد من اليمين واليسار وتسيد قصر الإليزيه حيث وُصف حينها بأنه "مفاجأة زمانه".
وشكّل ماكرون المصرفي السابق حالة استثنائية في المشهد السياسي الأوروبي وجذب الأضواء نحوه، بعدما سعى إلى كسب ود الجميع جامعًا بين المتناقضات في فرنسا، حين أسّس حركة "إلى الأمام" التي عرّفها بأنها ليست يمينًا أو يسارًا.
وفي استحقاق عام 2017 منحه الفرنسيون ما أراده بنسبة 66.1% من الأصوات في الجولة الثانية ليصبح رئيسًا لفرنسا.
لكن اليوم وبعد إعادة انتخابه لولاية ثانية، أصبحت مهمة تعيين رئيس وزراء وحكومة جديدين صعبة بشكل خاص، إذ يحتاج ماكرون إلى إرسال إشارة مفادها بأنه أدرك مشاعر إحباط الناخبين التي تجلت في انخفاض الإقبال على التصويت، والنتائج الكبيرة لأحزاب اليمين المتطرف واليسار المتطرف.
ويواجه ماكرون مطالب بالظهور أنه رئيس "كل الفرنسيين" بعد تراجع شعبيته وفوزه في الدورة الثانية بنسبة 58.54% - مقارنة مع لوبان 41.46%.
وسيتم تأكيد فوز ماكرون رسميًا بالانتخابات الرئاسية، من قبل المجلس الدستوري للبلاد يوم غد الأربعاء.
أول رئيس فرنسي يُنتخب لولاية ثانية منذ جاك شيراك.. إيمانويل #ماكرون يُلقي خطاب النصر#فرنسا pic.twitter.com/r2pENfDAXf
— أنا العربي - Ana Alaraby (@AnaAlarabytv) April 25, 2022
وفي خطاب الفوز، تعهّد ماكرون خلال تجمّع لأنصاره قرب برج إيفل في باريس، بـ"تجديد أسلوبه" لكي يكون "رئيسًا للجميع".
وقال: "هذه المرحلة الجديدة لن تكون تتمة لخمس سنوات انتهت، إنما اختراعًا جماعيًا لأسلوب على أسس جديدة لخمس سنوات أفضل في خدمة بلدنا وشبابنا".