على مرّ الزمن، تنوّعت المواد المستخدمة في البناء من الطين والخشب ثمّ الحجر الطبيعي، فالإسمنت، والزجاج، ومؤخرًا القهوة والفطر وحتى نفايات الطعام. لكن هل سبق لك أن سمعت باستخدام دم البشر في مواد البناء؟
فقد سرت إشاعات مند فترة طويلة، بأنّ مقبرة بُنيت بأمر من ملك إفريقي سيئ السمعة، باستخدام دماء ضحايا القرابين البشرية. فما مدى صحتها؟
تاريخ دموي
بين عامي 1818 و1858، حكم الملك غيزو المتعطّش للدماء، مملكة داهومي في غرب إفريقيا من قصره في مدينة أبومي.
وفي نهاية المطاف، سقطت المملكة ييد الاستعمار الفرنسي مع نهاية القرن التاسع عشر. إلا أنّ الدلائل على مذبحة غيزو لا تزال موجودة حتى يومنا هذا.
ووجدت دراسة نُشرت في مجلة "Proteomics" أدلة مُثيرة للقلق على بعض أساليب البناء غير التقليدية في قصر غيزو، بما في ذلك استخدام الدم البشري في الإسمنت.
وطوال فترة حكمه، كان الملك غيزو معروفًا ببراعته العسكرية وعنفه الوحشي تجاه أعدائه.
ويُزعم أنّه كان شريرًا للغاية لدرجة أنّ الزقاق المؤدي إلى حجرته كان مرصوفًا بجماجم وعظام فكّي الأعداء المهزومين، بينما استقرّ عرشه على جماجم أربعة من قادة الأعداء المهزومين.
وقبل وفاته، أمر ببناء كوخين جنائزيين متجاورين تكريمًا لوالده أدندوزان، الذي حكم بين عامي 1797 و1818. ولسنوات، تردّدت إشاعات بأنّ هذه المقبرة الموجودة في القصر بُنيت باستخدام دماء 41 إنسانًا كانوا قرابين للتضحية.
ويُرجّح أن يكون هؤلاء الأفراد أسرى حرب أو مستعبدين. ولأنّ الرقم 41 هو رقم مقدس في الشعوذة، فمن المحتمل أنّه تم التضحية بهم في طقوس الفودو التي تهدف إلى حماية إرث الملك الراحل.
"الملوك الآلهة"
وأشارت الدراسة إلى أنّ ملوك أبومي كانوا "ملوك الآلهة"، وتمحورت ثقافتهم ودينهم حول الفودو.
وقال الباحثون في دراستهم: "في ذلك السياق الثقافي الزمني، كان الموت مجرد تغيير للحالة، وليس اختفاء تامًا. ولذلك، كان من المهم تحديد حاجز بين العالم البشري والمكان الذي يوضع فيه جسد المتوفى بطريقة سحرية. وهذا الفاصل هو جزء من حدود خارقة للطبيعة، حيث أن العناصر الميتافيزيقية مدمجة في الجدار المادي".
وتشمل العناصر المستخدمة لتكريس هذه المباني: الصلوات، والمياه المقدسة، ودماء الأعداء وغيرها. وعند دمجها، قيل أن قوتها الغامضة تحمي رمزيًا ما تبقّى من الجوهر الخفي للملك المتوفى.
كيف تعرّف الباحثون على الدم الموجود في مقبرة غيزو؟
عمل فريق من الباحثين من متحف كواي برانلي في باريس، وجامعة أبومي كالافي في بنين، ووزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية، على تحديد ما إذا كانت الأسطورة المتعلّقة بمقبرة غيزو صحيحة.
واستخدم الباحثون قياس الطيف الكتلي الترادفي عالي الدقة لتحليل الاسمنت الأحمر المستخدم في بناء جدران الأكواخ الجنائزية وتفكيك تركيبته الدقيقة.
على وجه التحديد، قاموا بفحص النتائج البروتينية، بدلًا من علم الجينوم، حيث أنّ الحمض النووي يتحلّل بسهولة بمرور الوقت اعتمادًا على ظروف التخزين، ولا يمكنه تقديم معلومات عن مصدر الأنسجة، على عكس البروتينات التي يمكن أن تكون بمثابة "أرشيف بيولوجي".
وبفحص هذه البروتينات، حدّد الباحثون وجود الهيموغلوبين والغلوبيولين المناعي من كل من البشر والدجاج في الإسمنت، وهو ما يؤكد أنّ المقبرة بنيت بدم البشر.
ولم يتّضح مصدر الدم الذي استُخدم في البناء، لكنّ مؤلفي الدراسة أشاروا إلى أنّه عندما يموت ملك داهومي، غالبًا ما يتمّ تنفيذ طقوس تُعرف باسم "العادات الكبرى".
وتضمّنت هذه الطقوس التضحية بما يصل إلى 500 ضحية، لذلك من الممكن أن يكون الدم المستخدم في الاسمنت قد جاء من إحدى هذه المراسم.
ويّرجّح الباحثون أنّ إجراء المزيد من تحليل الحمض النووي، قد يُساعد في تحديد العدد الدقيق للأفراد الذين تم استخدام دمائهم في الاسمنت لبناء مقبرة غيزو.