قبل اندلاع الانتفاضة الليبية في فبراير/ شباط 2011، كان الغرب يعقد الآمال على سيف الإسلام القذافي لإحداث إصلاح تدريجي في البلاد. لكن عندما قامت الثورة، سارع بالانضمام إلى حملة القمع التي أطلقها نظام القذافي.
بعد ستة أشهر، انتصر الثوّار الذين كان من السهل عليهم أن يكافئوه بالإعدام دون محاكمة مثلما فعلوا مع أبيه وعدد من كبار المسؤولين بالدولة. لكن، ولحسن حظّه، وقع أسيرًا لدى كتيبة الزنتان التي حمته من الفصائل المتمرّدة الأخرى ونقلته جوًّا إلى مدينة الزنتان.
ولأنه كان مطلوبًا أيضًا للمحكمة الجنائية الدولية، فقد اعتُبر رهينةً غالية. وظلّ أسيرًا لدى الزنتانيين حتى بعد انتخابات ليبيا عام 2012. في السنوات التالية، انقسمت ليبيا إلى ميليشيات متناحرة. وأفادت التقارير بأن خاطفيه أطلقوا سراحه، غير أن مكانه لم يكن معروفًا لأحد.
وبعد اختفاء دام عشر سنوات، وفي أول مقابلة مع صحافي أجنبي، ظهر سيف الإسلام القذافي، في حديث لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، ليؤكد أنه لا يزال حيًا، ملمّحًا إلى احتمال الترشّح للانتخابات التشريعية المقبلة ليُصبح الرئيس المقبل للبلاد.
إعادة تنظيم "الحركة الخضراء"
وتحدّث القذافي عن سنوات السجن، موضحًا أن المقاتلين الذين اعتقلوه قبل عشر سنوات "قد تحرّروا من وهْم الثورة، وأدركوا في نهاية المطاف أنه قد يكون حليفًا قويًّا لهم".
استغلّ سيف الإسلام غيابه عن الساحة في مراقبة الأوضاع السياسية في منطقة الشرق الأوسط، والعمل بهدوء على إعادة تنظيم القوة السياسية التابعة لأبيه والمعروفة باسم "الحركة الخضراء". ورغم تحفّظه بشأن الحديث عن احتمالية ترشّحه للرئاسة، فهو يعتقد أن الحركة التي يقودها بإمكانها أن "تُعيد للبلاد وحدتها المفقودة".
وقال سيف الإسلام: "لقد اغتصبوا بلادنا وأذلّوها. ليس لدينا مالٌ ولا أمنٌ ولا حياة. ما يحدث تخطّى حدود الفشل. إنه مهزلة".
أطراف خارجية تدعمه؟
رغم اختفاء سيف الإسلام عن الساحة، فإن تطلّعاته للرئاسة تؤخذ على محمل الجدّ. فخلال المحادثات التي أسفرت عن تشكيل الحكومة الليبية الحالية، سُمح لمؤيديه بالمشاركة، ونجحوا إلى الآن في إلغاء شروط للانتخابات كانت ستحول بينه وبين الترشّح، تقول الصحيفة.
ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي أوروبي ذي خبرة طويلة في الشأن الليبي، قوله: إن "أطرافًا خارجية تدعم سيف الإسلام"، لكنه تكتَّم حول الحديث عن هذه النقطة.
يواجه سيف الإسلام أيضًا عقبة كبرى خارج ليبيا، فهو مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية على خلفية ارتكابه جرائم ضد الإنسانية، بسبب دوره في قمع المعارضين عام 2011. لكنّه أكد أنه واثق من قدرته على "تخطّي تلك المسائل القانونية إذا اختارته أغلبية الشعب الليبي ليكون قائدًا لهم".
إدارة أوباما تتحمّل مسؤولية الدمار
ورأى سيف الإسلام أن إدارة الرئيس باراك أوباما، وليس معمر القذافي، هي من يتحمّل مسؤولية الدمار الذي حلّ بليبيا، معتبرًا أن وسائل الإعلام العربية "شيطنت" نظام القذافي إلى درجة جعلت من المستحيل إقامة حوار بين الجانبين.
ووصف ما حدث في لبيبا بأنه "لم يكن ثورة"، وقال: "يمكنك أن تسميها حربًا أهلية أو أيام شؤم، لكنها لم تكن ثورة. إنها سلسلة من الأزمات السريالية".
ورأى أن حرب 2011 قد "انبثقت عن التقاء توترات داخلية كانت تعمل منذ وقت طويل مع أطراف خارجية انتهازية، من بينهم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي". وقال: "كانت عدّة أمور تحدث في آن واحد. زوبعة عارمة".
ليبيا تحتاج إلى الديمقراطية
تحدّث القذافي عن الفساد في ليبيا، وعن غياب مفهوم الدولة منذ عام 2011. فعلى حد قوله، لم تكن الحكومات المختلفة التي حكمت البلاد منذ ذلك الحين سوى مجموعة من المسلّحين يرتدون البزّات. وأضاف: "ليس من مصلحتهم أن تكون لدينا حكومة قوية، ولذا فهم يخشون الانتخابات. إنهم يعارضون فكرة وجود رئيس ودولة وحكومة ذات شرعية مستمدة من الشعب".
ولا يزال يتحدّث عن الديمقراطية، ويقول إن ليبيا بحاجة إلى انتخابات حرة ونزيهة.
وعمّا إذا كان يتعاطف بأي شكل مع المشاعر التي دفعت المتظاهرين للمطالبة بالتغيير عام 2011، كان ردّه قاطعًا: "هؤلاء كانوا أشرارًا وإرهابيين وشياطين". وعن رأيه في ثورات الربيع العربي، قال دون لحظة تردّد واحدة: "العرب الحمقى دمّروا بلدانهم".