لم يكتف الاحتلال باقتحاماته اليومية والاغتيالات جوًا في محاولة لإنهاء المقاومة المسلحة في شمالي الضفة الغربية، فقد لجأ وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس هذه المرة إلى تهديد مخيمات اللاجئين في الضفة بملاقاة مصير قطاع غزة.
فتهديد كاتس لمخيمي جنين وطولكرم وغيرهما، قرأه خبراء بأنه يندرج في سياق اللجوء إلى دعاية الترهيب، في محاولة لردع المقاومة المسلحة، وتحييد الحاضنة الشعبية لها، ومنع تمددها إلى مناطق أخرى في الضفة.
كما أن التهديد ينسجم مع دعاية إسرائيلية رسمية، تقضي بمنع أي فلسطيني من التفكير بالانخراط في أي عمل مقاوم ضد الاحتلال.
لكن التهديد يعكس أيضًا إقرارًا إسرائيليًا بأن العمليات العسكرية التي تكثفت في الضفة خلال الأشهر العشرة الأخيرة، لم تحقق غايتها بالقضاء على ما تسميها تل أبيب بالمجموعات المسلحة.
وهو ما يعكسه الواقع على الأرض، فإن المقاومين لا يزالون فاعلين في طوباس ونابلس وجنين وطولكرم، وصنعوا عبوات ناسفة شديدة الانفجار، في حين تشهد مناطق أخرى بالضفة عمليات بين الفينة والأخرى.
مخيم جنين
بتقريب المجهر من مخيم جنين، فهو يقع في قلب مدينة جنين، ويسكنه حوالي 14 ألف لاجئ. وركز الاحتلال خلال اقتحاماته على تحويل المخيم إلى مكان غير صالح للعيش، وذلك بتفجير عشرات المنازل وتدمير بنيته التحتية في كل اقتحام.
كذلك استخدم الاحتلال طائرات حربية لاغتيال مقاومين في جنين قبل 10 أشهر، لأول مرة في الضفة منذ الانتفاضة الثانية، إلى جانب إحداثها تدميرًا كبيرًا في المخيم.
وبلغة الأرقام، استشهد في جنين ومخيمها وبلداتها نحو 159 فلسطينيًا، وهي أعلى نسبة شهداء مقارنة ببقية محافظات الضفة.
والحال أن مخيم جنين برز أيضًا في الانتفاضات السابقة، ولا سيما في الانتفاضة الثانية، إذ نفذ الاحتلال مجزرة كبيرة في المخيم قبل 22 عامًا، للقضاء على تشكيلات مسلحة تابعة للفصائل الفلسطينية.
والمفارقة، أن من كان طفلًا أو لم يولد في ذلك الاجتياح، بات اليوم جيلًا جديدًا للمقاومة المؤرقة للاحتلال.
إسرائيل تقتحم الضفة كما قطاع غزة
وفي هذا الإطار، أوضح الصحفي في التلفزيون العربي أدهم مناصرة، أن كاتس جلس مع مجلس المستوطنات وممثلي المستوطنين في الضفة الغربية الغاضبين من العقوبات الأميركية والأوروبية.
وأردف أن كاتس حاول، إضافة إلى استرضاء المستوطنين الغاضبين، تكريس لغة المقايضة مع الولايات المتحدة والأوروبيين، وكأن ما يحدث في الضفة الغربية، وخاصة في مخيمي جنين وطولكرم، أمر طبيعي. كما لو كان التصعيد الإسرائيلي في هذا السياق طبيعيًا، ويمكن كبحه مقابل مقايضات أو مواقف وخطوات معينة من الولايات المتحدة وأوروبا.
وأضاف مناصرة أن كاتس يسعى أيضًا إلى شرعنة ما يحدث في مناطق الضفة الغربية. وأشار إلى أن المراسلين العسكريين نقلوا حرفيًا عن قادة عسكريين إسرائيليين أنهم ينفذون الاقتحامات الواسعة في الضفة الغربية بالطريقة نفسها التي تُستخدم في عمق قطاع غزة، من حيث استخدام الطائرات المسيرة في الهجمات والاغتيالات، وتوفير غطاء للقوات المقتحمة برًا في المناطق الشمالية من الضفة.
وتابع أن تصريحات كاتس جاءت وكأنه يتحدث نيابة عن حكومة اليمين المتطرف، محاولًا ترهيب الفلسطينيين في المناطق الأخرى حتى لا تنتقل حالة جنين إليهم.
كما أشار إلى أن قادة عسكريين في جيش الاحتلال أعربوا عن مخاوفهم من احتمال تصعيد في المناطق المجاورة، مثل العيسوية وبعض مناطق القدس.
وأضاف مناصرة أن المقاومين في مخيم جنين يعتمدون على تصعيد وسائل المواجهة للاقتحامات الإسرائيلية، مثل صناعة العبوات الناسفة، إلى جانب مزاعم إسرائيلية بوجود محاولات لصناعة صواريخ.
وأوضح أن كتيبة جنين تعتمد على تقنية البناء الهرمي في توزيع الأدوار، وتجنب عقد اجتماعات كبيرة في مكان واحد.
وأردف مناصرة أن أعضاء الكتيبة يعتمدون على عمليات الرصد من خلال توزيع أدوار غير مكشوفة معلوماتيًا.