يعود مخيم جنين إلى واجهة المقاومة الفلسطينية التي لم تخفت جذوتها، بالرغم مما تعرّض له عبر سنوات من الحصار والهدم الواسع لأبنيته، والملاحقة المحمومة لأبنائه.
ويختمر منذ سنوات في مخيم جنين جيل جديد من المقاومين الذين يعيدون سيرة جيل سبق من الفدائيين الذين أربكوا الجيش الإسرائيلي في أكثر من موقعة. ولعلّ حادثة اقتحام المخيم في أبريل/ نيسان من العام 2002 لا تزال حاضرة في الأذهان.
حاضنة المقاومة
فجيل المقاومة الصاعد في جنين وعامة مدن الضفة الغربية ليس سوى نتاج خيبات الأمل المتراكمة في ظل ممارسات الاحتلال الإسرائيلي ومساعيه لإنهاء وجود المقاومة الفلسطينية.
فـ"كتائب جنين" هو الاسم الذي يطلق على المجموعات المسلحة داخل المخيم، وهي تتكون من أبناء المخيم العابرين للفصائل. كانت قوات الجيش الإسرائيلي قد استهدفتها في الأعوام السابقة في خطوة استباقية لكسر الموجة الجديدة من المقاومين الفلسطينيين.
ولطالما كان المخيم ملاذًا آمنًا بحاضنة اجتماعية تزيد من فعالية المقاومة على الأرض وتجبر القوات الإسرائيلية على تجنب الاحتكاك المباشر ما أمكن لها ذلك.
فقد أصيبت الآليات والمركبات العسكرية الإسرائيلية بإصابات مباشرة خلال عمليات الاقتحام السابقة، وهو ما دفع الاحتلال الإسرائيلي إلى إدخال القوات الجوية لدعم القوات البرية.
فهذا الأمر لم يحدث في الضفة الغربية منذ نحو عشرين عامًا ما يشي بفعالية كبيرة للتكتيكات العسكرية التي يعتمدها المقاومون الفلسطينيون، ولا سيما العبوات الناسفة والمفخخات المزروعة في شوارع المخيم وأزقته.
سبق هذا الاقتحام محاولات عديدة لتقليم أظافر المقاومة الفلسطينية في عموم الضفة الغربية عبر غارات متكررة، رد عليها الفلسطينيون بعمليات ضد المستوطنين الذين باتوا يهددون القرى والمدن الفلسطينية عبر شن هجمات منظمة بتواطؤ من جيش الاحتلال وشرطته.
تحريض إسرائيلي
ولا تنفصل الأحداث الجارية في الضفة الغربية عن تفاعلات الداخل الإسرائيلي والأزمات التي تعيشها حكومة اليمين المتطرف برئاسة بنيامين نتنياهو حتى بات الهروب إلى الأمام عنوانًا رئيسًا لأداء الحكومة عبر تصدير مشاكلها إلى الخارج.
هذا فضلًا عما يصفه متابعون للشأن الإسرائيلي بالمزايدات الحزبية في قمع الفلسطينيين، عبر الرد بالقوة القصوى على أي مقاومة.
" دمار لن ينساه الفلسطينيون" .. أهالي #مخيم_جنين يعودون إلى منازلهم وأملاكهم لتفقد الأضرار التي خلفها العدوان الإسرائيلي 👇#فلسطين تقرير: فادي العصا pic.twitter.com/FeSRB0lVd0
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) July 6, 2023
ووصل الأمر في هذا الجانب حد تهديد عدة وزراء يمينيين في أكثر من مناسبة بالانسحاب من الائتلاف الحكومي إن لم تشن الحملات العسكرية الواسعة ضد الفلسطينيين.
وفي ظل هذا التعسف الإسرائيلي لن يكون أمام الفلسطينيين سوى اللجوء إلى رد العدوان الإسرائيلي المتكرر خاصة مع بروز جيل جديد من المقاومين يسعى إلى تكرار إنجازات أسلافهم من الفدائيين في مخيم جنين وسائر المخيمات والمدن الفلسطينية المقاومة.
أيّ رمزية لمخيم جنين؟
وفي هذا السياق، يؤكد الأكاديمي والمؤرخ الفلسطيني جمال عمرو أن مخيم جنين يستحق الرمزية الكبيرة واحتلال الصدارة، ويصبح أسطورة باعتباره يختزل القضية الفلسطينية برمتها، مشيرًا إلى أن جل سكان المخيم من الثوار، وأنهم جميعًا أسرة واحدة.
وفي حديث لـ"العربي" من القدس يضيف عمرو أن المخيم قاتل ليس بحجم مخيم بل بحجم وطن، وبحجم القدس وبحجم كل فلسطين ومشاعر الأمتين العربية الإسلامية ومشاعر كل أحرار العالم، وليس مستغربًا أن يقال إنه مخيم أسطوري قهر المحتلين وأعادهم خائبين.
ويتابع أن الجيل الجديد الذي ولد على أزيز الرصاص والطائرات والقتال والذبح والسلخ في مخيم جنين عام 2002، هو الذي يواجه اليوم جنود الاحتلال الإسرائيلي.
ويوضح عمر أن الحالة الوطنية الفلسطينية التي تمخضت في مخيم جنين، جاءت بعد توحد سكان المخيم الذين تربوا في أحضان الثورة، مشيرًا إلى أن أهالي جنين يسكنون في مساحة ضيقة جنبًا إلى جنب كأنهم أسرة واحدة، حيث توحدت الفصائل، وتنازلت عن الرؤية الضيقة جدًا للفصائلية.
ويرى أن نموذج جنين تم تعميمه في الضفة الغربية، وأصبح في كل بيت في فلسطين، مشددًا على وجوب أن يعلم الاحتلال أن أهالي المخيم مشتاقون جدا للكرملين والجليل، الأعلى والأوسط والأدنى، ولكل سهل مرج ابن عامر ولكل القرى المجاورة لجنين التي جاء منها أهل مخيم جنين.