Skip to main content

إقالة غالانت ورقة رابحة لنتنياهو.. ما هي أبرز المكتسبات التي حقّقها؟

الثلاثاء 12 نوفمبر 2024
بدأ التوتر يغلب على علاقة نتنياهو بوزير الأمن غالانت بعد أشهر قليلة على تشكيل حكومته السادسة في ديسمبر 2022- الأناضول

اعتبرت دراسة حديثة صادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حقّق إنجازًا مهمًا من خلال إقالته وزير الأمن يوآف غالانت وإحلال يسرائيل كاتس محلّه وتوسيعه الائتلاف الحكومي بضمّ حزب اليمين الرسمي المتطرف، بقيادة جدعون ساعر. 

ولفتت الدراسة إلى أن هذا الإنجاز يعزز إمكانية استمرار ائتلاف نتنياهو الحكومي حتى موعد إجراء انتخابات الكنيست في أكتوبر/ تشرين الأول 2026، ويجعله أكثر انسجامًا مع رؤيته وسياسته في مجمل القضايا؛ سواء أكان ذلك في ما يخص حرب الإبادة على قطاع غزة خصوصًا أو القضية الفلسطينية عمومًا، فضلًا عن القضايا الخلافية في المجتمع الإسرائيلي التي تشمل الأسرى الإسرائيليين في غزة، والانقلاب القضائي، والموقف من تشكيل لجنة تحقيق رسمية. 

وتتوقع الدراسة أن يستمر نتنياهو في سياساته، في حال تماسك ائتلافه اليميني المتطرف وضعف المعارضة الإسرائيلية وانقسامها وعدم امتلاكها برنامجًا بديلًا، وكذلك في حال تسامح المجتمع الدولي مع سياساته، لا سيما الولايات المتحدة والدول العربية، وعدم اتخاذ خطوات فعلية لإنهاء حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل ضد قطاع غزة.

تخلص من أبرز خصومه وعزز أغلبيته البرلمانية

وفي 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، أقال نتنياهو غالانت، مستغلًّا الانشغال الأميركي بالانتخابات الرئاسية، وذلك بعد فشل محاولات عديدة في التخلص منه، وضمَّ حزب "اليمين الرسمي" إلى حكومته ومنحَ زعيمه، جدعون ساعر، منصب وزير الخارجية، بدلًا من يسرائيل كاتس الذي حلّ محلّ غالانت في وزارة الأمن. 

وبهذا، يكون نتنياهو قد تخلّص من أبرز خصومه في الليكود وعزّز، في الوقت نفسه، أغلبيته البرلمانية التي ارتفعت بانضمام ساعر إليها من 64 عضوًا إلى 67 عضوًا (من دون غالانت)، بحسب الدراسة. 

وتقدم الورقة سردًا لتصاعد التوتر بين نتنياهو وغالانت. وتشير إلى أن التوتر بدأ يغلب على علاقة نتنياهو بوزير الأمن غالانت بعد مرور أشهر قليلة على تشكيل حكومته السادسة في ديسمبر/ كانون الأول 2022، وذلك على خلفية محاولات نتنياهو سَنّ قوانين تتيح إزالة جميع الكوابح والتوازنات القائمة في المنظومة القانونية الإسرائيلية، على نحو يسمح للحكومة بهامش أكبر من الحرية في ممارسة سلطاتها.

أقال بنيامين نتنياهو يوآف غالانت مستغلًّا الانشغال الأميركي بالانتخابات الرئاسية- الأناضول

لكن غالانت عارض "الإصلاحات" القضائية في ذلك الوقت، ودعا علنًا إلى إيقافها متسلحًا بالاحتجاجات الواسعة التي اندلعت ضدها، فأقاله نتنياهو، لكن ما لبث أن تراجع عن القرار بضغط من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، التي كانت تجد في غالانت شريكًا مقبولًا مقارنةً بمتطرفي حكومة نتنياهو الذين رفضت التعامل معهم؛ مثل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش.

وتشير الدراسة إلى أن عملية "طوفان الأقصى" وشَنّ إسرائيل حرب الإبادة على قطاع غزة، رفعت منسوب توتر علاقة نتنياهو بغالانت ووصلت إلى حدِّ القطيعة، بعدما صوّت غالانت مع المعارضة لرفض تمديد إعفاء طلاب المدارس الدينية من الخدمة العسكرية.

وقد تفاقمت خلافاتهما بشأن قضايا عديدة متعلقة بالحرب، اتخذ فيها غالانت مواقف تنسجم مع مواقف المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية وتتعارض مع مواقف نتنياهو. ولفتت الدراسة إلى أنه بات من الواضح منذ عدّة أشهر أن نتنياهو كان ينتظر فرصةً مناسبة لإقالة غالانت من منصب وزير الأمن.

مساعي نتنياهو لتوسيع ائتلافه الحكومي

وتعرض الدراسة تفاصيل المساعي التي قام بها نتنياهو بهدف تعزيز أغلبيته البرلمانية. فقد ضاعف رئيس الوزراء جهوده لتحقيق هذا الهدف منذ خروج حزب "المعسكر الرسمي" بزعامة بيني غانتس، في يونيو/ حزيران 2024، من حكومة الطوارئ، التي تشكّلت لقيادة إسرائيل بعد عملية طوفان الأقصى وبدء الحرب على غزة. 

وبدأ نتنياهو في سبتمبر/ أيلول مفاوضات لضمّ حزب اليمين الرسمي برئاسة ساعر، الذي يمتلك أربعة مقاعد في الكنيست، إلى الائتلاف الحكومي. لكن ساعر اشترط تعيينَه وزيرًا للأمن مقابل موافقته على دخول الائتلاف الحكومي، وهو ما وُوجِه بمعارضة شديدة من المؤسسة العسكرية والرأي العام الإسرائيلي، ومن داخل حزب الليكود نفسه، لا سيما أنه لا يمتلك خبرة عسكرية، وهو ما أدى إلى تنازله عن ذلك الشرط في مقابل دخوله الائتلاف الحكومي. 

وعاد ساعر ووافق على الانضمام إلى الحكومة من دون حقيبة وزارية في 29 سبتمبر / أيلول 2024، إثر شَنّ الجيش الإسرائيلي هجومه البري على جنوب لبنان، على أن يتمّ الاتفاق لاحقًا على شروط انضمام حزب اليمين الرسمي إلى الائتلاف الحكومي.

إقالة غالانت يوم الانتخابات الرئاسية الأميركية

وفي وقت كان فيه الرأي العام منشغلًا بالانتخابات الأميركية في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، أعلن نتنياهو إقالة وزير الأمن وتعيين وزير الخارجية كاتس خلفًا له، كما عيّن جدعون ساعر وزيرًا للخارجية.

انضم جدعون ساعر إلى الحكومة الإسرائيلية من دون حقيبة وزارية في 29 سبتمبر 2024- الأناضول

وتلفت الدراسة إلى أن هذا التعيين "جاء في سياق اتفاق لتوسيع الائتلاف الحكومي وحصل فيه حزب اليمين الرسمي على وزيرين في الحكومة؛ هما ساعر وزئيف إلكين اللذان سيشغلان أيضًا منصبين في الكابينت السياسي-الأمني". 

وتوضح الدراسة أنه "جرى الاتفاق على أن يشغل إلكين منصب وزير المالية، وأن يكون المسؤول عن إعادة إعمار منطقة شمال إسرائيل المحاذية للبنان ومنطقة غلاف قطاع غزة في جنوب إسرائيل".

كما جاء في اتفاق الائتلاف أيضًا أنه لا يجوز سنّ أيّ قانون أساس في الكنيست أو تعديله إلا باتفاق جميع رؤساء كتل الائتلاف الحكومي، وأن لحزب اليمين الرسمي حرية التصويت في القضايا المرتبطة بالمنظومة القضائية.

وفيما برّر نتنياهو إقالة غالانت بفقدان الثقة بينهما، وظهور خلافات بشأن الحرب على قطاع غزة، وإدلائه بتصريحات تتناقض مع قرارات الحكومة والكابينت السياسي، أكد غالانت أن إقالته جاءت بسبب خلافه مع نتنياهو في ثلاث قضايا أساسية، وهي معارضته سَنّ القانون الذي يتيح للحريديم التهرب من الخدمة العسكرية، وموقفه الملتزم بإعادة المحتجزين الإسرائيليين لدى حماس، وقناعته بإمكانية عَقد صفقة لتبادل الأسرى، وهو أمرٌ يستدعي إنهاء الحرب، بالإضافة إلى مطالبته بإقامة لجنة تحقيق رسمية للتحقيق في الفشل والتقصير اللذين حصلَا في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

نتنياهو يحقق مكاسب سياسية

كما اعتبرت الدراسة الصادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أنه مع إقالة غالانت، يكون نتنياهو قد حقّق مكاسب سياسية، عددّت أهمها.  

وبحسب الدراسة، فإن أول تلك المكاسب هو تعزيز ائتلافه الحكومي الذي بات يستند إلى 67 عضوًا من مجموع أعضاء الكنيست البالغ عددهم 120 عضوًا. وترى الدراسة أن هذا الائتلاف الحكومي يبدو متماسكًا أيديولوجيًّا وسياسيًّا إلى حدّ بعيد، حيث أن جميع مكوناته تنتمي إلى أحزاب اليمين المتطرف والفاشي. 

ورجحت أن يستمر هذا الائتلاف في الحكم إلى حين إجراء انتخابات الكنيست في أكتوبر/ تشرين الأول 2026.

وإذا اعتبرت أن مسألة تجنيد الحريديم هي المشكلة الأساسية التي تواجه هذا الائتلاف الحكومي، رجّحت أن يجد حزب الليكود والأحزاب الحريدية حلًّا لها لتفادي إسقاط الائتلاف الحكومي وإجراء انتخابات مبكرة ما قد يؤدي إلى خسارة الائتلاف الحاكم. 

ورأت الدراسة أنه بإقالة غالانت وتعيين كاتس خلفًا له في منصب وزير الأمن، لم يتخلص نتنياهو من خصم لَدود فحسب، بل إنه أحلّ محلّه كاتس المنسجم كليًّا مع رؤيته ومواقفه أيضًا؛ سواء أكان ذلك فيما يخص صراع نتنياهو مع المؤسسة العسكرية والأمنية أم في مجمل سياساته. ومن المتوقع أيضًا أن يعزز تعيين كاتس وزيرًا للأمن قوة نتنياهو في هذا الصراع. 

عيّن نتنياهو يسرائيل كاتس مكان يوآف غالانت وزيرًا للأمن- الأناضول

كما سيتمكن نتنياهو من إعادة بناء قيادة الجيش الإسرائيلي، من خلال الصلاحيات القانونية التي يتمتع بها كل من رئيس الحكومة ووزير الأمن في تعيين رئيس أركان الجيش الإسرائيلي وكبار قادة الجيش بأذرعه المختلفة.

ويشمل ذلك تعيين رئيس جديد لأركان الجيش الإسرائيلي، خلفًا لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي الحالي، هرتسي هليفي، الذي تنتهي مدة ولايته في يناير/ كانون الثاني 2026 (في إثر مرور ثلاث سنوات على تقلده منصبه)، ويحقّ حينئذ لوزير الأمن إنهاء خدمته وعدم تجديدها، كما تجري العادة، سنةً واحدةً. هذا إذا لم يستقل هليفي في الأشهر القادمة، وهو أمر محتملٌ جدًّا كما صرّح هليفي نفسُه بذلك أكثر من مرة، أو إذا لم يُقِله نتنياهو، بحسب الدراسة.

كذلك لم تستبعد الدراسة أن يستأنف الائتلاف الحكومي محاولاته سَنّ قوانين تسعى لإحداث انقلاب قضائي في إسرائيل، مستغلًا أغلبيته في الكنيست وتشجيع دونالد ترمب. ولكنه قد يُفاجأ بأن حجم المعارضة لها في المجتمع الإسرائيلي ما زال كبيرًا.

وترى الدراسة أنه بعيد إقالة غالانت وانضمام حزب اليمين الرسمي المتطرف إلى الائتلاف الحكومي، أصبحت حكومة نتنياهو أكثر انسجامًا مع الخط السياسي الذي يقوده، فيما يتعلق بحرب الإبادة على قطاع غزة، وخطط اليوم التالي للحرب، وقضية المحتجزين الإسرائيليين، والموقف من عقد صفقة تبادل أسرى بشأنهم.

فضيحة التسريبات

في المقابل، تشير الدراسة إلى أن المكاسب التي حقّقها نتنياهو تقابلها متاعب جديدة أخذت تبرز أمامه في الفترة الأخيرة، من أبرزها فضيحة التسريبات التي تورّط فيها مكتبه.

ففي الفترة الخيرة، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية النقاب عن وجود شبهات متعلقة بضلوع بعض موظفي مكتب رئيس الحكومة في قضايا جنائية من أجل مساعدة نتنياهو في صراعه مع المؤسسة العسكرية والأمنية. وتستعرض الدراسة هذه القضايا حيث تتعلق القضية الأولى بمحاولة تغيير وثائق محاضر اجتماعات القيادتين السياسية والعسكرية الإسرائيلية، التي عُقدت في بداية الحرب على غزة، لتتناسب مع رواية نتنياهو قبل أن تطّلع عليها أيّ لجنة من لجان التحقيق.

وتتعلق القضية الثانية بابتزاز موظفين في مكتب رئيس الحكومة لضابط الاتصال في الجيش الإسرائيلي، من أجل تحصيل وثائق عسكرية سرّية ذات حساسية لمصلحة مكتب رئيس الحكومة نتنياهو؛ بنيّة استعمالها في الصراع الدائر بين نتنياهو والمؤسسة العسكرية والأمنية.

أما القضية الثالثة، فتتعلق بتسريب ناطق سابق في مكتب رئيس الحكومة، يدعى إيلي فلدشتاين، معلومات استخبارية مرتبطة بأمن الدولة، وهي ذات حساسية أيضًا، إلى وسائل إعلام أجنبية بعد التلاعب بها، على نحو يعزز موقف نتنياهو ويبرّئه من إفشال صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس.

وقد اعتقلت المخابرات العامة الإسرائيلية فلدشتاين وضابطين يعملان في القسم المسؤول عن المعلومات في شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي بشبهة سرقة وثائق فيها معلومات ذات حساسية وتسليمها لفلدشتاين.

وأعطت المستشارة القضائية للحكومة غالي بهاراف ميارا تفويضًا للسلطات الإسرائيلية المختصة بالتحقيق مع رئيس الحكومة نتنياهو -إذا اقتضت الضرورة- في قضية تسريب معلومات من مكتب رئيس الحكومة إلى وسائل الإعلام.

وتعتبر الدراسة أن هذه الشبهات والتحقيقات في مكتب رئيس الحكومة تؤشر على عُمق الصراع واستمراريته بين نتنياهو من ناحية، والمؤسسة العسكرية والأمنية من ناحية أخرى.

المصادر:
المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
شارك القصة