يلجأ دعاة الحفاظ على البيئة بشكل متزايد إلى الذكاء الاصطناعي باعتباره حلًا تقنيًا مبتكرًا لمعالجة أزمة التنوع البيولوجي والتخفيف من تغير المناخ.
ووجد تقرير حديث صادر عن Wildlabs.net أن الذكاء الاصطناعي كان أحد أفضل ثلاث تقنيات ناشئة في مجال الحفاظ على التنوع البيولوجي في جميع أنحاء العالم.
ولفت التقرير إلى أنّه "يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتعلم كيفية التعرف على الصور من بين الآلاف التي تحتوي على أنواع نادرة. أو تحديد نداء حيواني بعد ساعات من التسجيلات الميدانية ما يعني الحد بشكل كبير من العمل اليدوي المطلوب لجمع بيانات الحفظ الحيوية".
ويساعد الذكاء الاصطناعي في حماية أنواع متنوعة مثل الحيتان الحدباء والكوالا ونمور الثلج، ويدعم عمل العلماء والباحثين والحراس في المهام الحيوية، من دوريات مكافحة الصيد الجائر إلى مراقبة الأنواع.
ومع أنظمة الكمبيوتر للتعلم الآلي التي تستخدم الخوارزميات والنماذج للتعلم والفهم والتكيف، غالبًا ما يكون الذكاء الاصطناعي قادرًا على القيام بعمل مئات الأشخاص، والحصول على نتائج أسرع وأقل كلفة وأكثر فعالية.
وقد ساهم الذكاء الاصطناعي في خمسة مشاريع في إطار الحفاظ على التنوع البيولوجي في عدد من المناطق حول العالم، بحسب صحيفة "الغارديان".
وقف الصيد الجائر
يمثل وقف الصيد الجائر تحديًا لوجستيًا في حديقة كافو الوطنية في زامبيا التي تعد موطنًا لأكثر من 6600 فيل إفريقي من السافانا وتغطي مساحة 22400 كيلومتر مربع. ويُعد الصيد غير القانوني في بحيرة إيتزي-تيجي على حدود المنتزه مشكلة أيضًا.
لذلك تستخدم مبادرة الحفظ المتصلة، من "غايم رانجيرز إنترناشونال" وإدارة الحدائق الوطنية والحياة البرية في زامبيا وشركاء آخرين الذكاء الاصطناعي لتعزيز الجهود التقليدية لمكافحة الصيد الجائر، وإنشاء سياج افتراضي بطول 19 كلم عبر بحيرة "إيتزي-تيجي". وتسجل الكاميرات الحرارية التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء عبور أي قارب إلى داخل أو خارج المنتزه ليلًا ونهارًا.
ويسمح الذكاء الاصطناعي لنظام المراقبة برصد القوارب التي تدخل الحديقة تلقائيًا وإشعار الحراس، مما يزيد من الفعالية ويقلل من الحاجة إلى المراقبة اليدوية المستمرة.
تتبع نقص الماء
خسرت البرازيل أكثر من 15% من مياهها السطحية في الثلاثين عامًا الماضية، وهي أزمة ظهرت فقط بمساعدة الذكاء الاصطناعي. وقد واجهت الأنهار والبحيرات والأراضي الرطبة في البلاد ضغوطًا متزايدة من تزايد عدد السكان والتنمية الاقتصادية وإزالة الغابات والآثار المتفاقمة لأزمة المناخ.
لكن لم يعرف أحد حجم المشكلة حتى أغسطس/ آب الماضي، عندما أصدر مشروع "ماب بايوماس" المائي نتائجه باستخدام التعلّم الآلي، بعد معالجة أكثر من 150 ألف صورة التقتطتها أقمار ناسا لاندسات 5 و7 و8 بين عامي 1985 و2020 في مساحة تبلغ 8.5 ملايين كيلومتر مربع من الأراضي البرازيلية.
وبدون الذكاء الاصطناعي، لا يمكن للباحثين تحليل تغيرات المياه في جميع أنحاء البلاد على نطاق ومستوى التفاصيل المطلوبة. كذلك يمكن للذكاء الاصطناعي التمييز بين المسطحات المائية الطبيعية وتلك التي صنعها الإنسان.
وفقد نهر نيغرو، أحد الروافد الرئيسية لغابات الأمازون وواحد من أكبر 10 أنهار في العالم من حيث الحجم، 22% من مياهه السطحية. كما فقد الجزء البرازيلي من البانتانال، أكبر الأراضي الرطبة الاستوائية في العالم 74% من مياهه السطحية. وتعد هذه الخسائر مدمرة للبشر والطبيعة والحياة البرية حيث يعيش 4000 نوع من النباتات والحيوانات في البانتانال، بما في ذلك الجاغوار والتابير والأناكوندا.
العثور على الحيتان
إن معرفة مكان وجود الحيتان هي الخطوة الأولى نحو اتخاذ تدابير مثل تحديد المناطق البحرية المحمية لحمايتها. ومن الصعب تحديد مواقع الحدباء بصريًا عبر المحيطات الشاسعة، لكن صوتها المميز يمكن أن يسافر مئات الأميال تحت الماء.
لذلك تُستخدم مسجلات الصوت لمراقبة تجمعات الثدييات البحرية في الجزر النائية، التي يصعب الوصول إليها، في مصائد الأسماك التابعة للجمعية الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي.
وقالت آن ألين، عالمة المحيطات البحثية في الجمعية: "خلال 14 عامًا، جمعنا حوالي 190.000 ساعة من التسجيلات الصوتية. سيستغرق الأمر وقتًا طويلاً للغاية حتى يتمكن الفرد من التعرف يدويًا على أصوات الحيتان".
وعام 2018، دخلت الجمعية في شراكة مع فريق الصوتيات الحيوية في غوغل لإنشاء نموذج تعلّم آلي يمكنه التعرف على أغنية الحوت الأحدب.
وقالت ألين: "لقد نجحنا كثيرًا في تحديد أغنية الأحدب من خلال مجموعة البيانات الكاملة، وإنشاء أنماط لوجودها في جزر هاواي وجزر ماريانا"، مؤكدة أن التحليل الشامل للبيانات لم يكن ممكنًا بدون الذكاء الاصطناعي.
حماية الكوالا
وتشهد أعداد الكوالا الأسترالية انخفاضًا خطيرًا بسبب تدمير الموائل وهجمات الكلاب المنزلية وحوادث الطرق وحرائق الغابات. ويعد إنقاذها أمرًا صعبًا بدون معرفة أعدادها وأماكن تواجدها.
وقد أدرجت أستراليا في فبراير/ شباط الحالي حيوان الكوالا على أنه من الأنواع المهددة بالانقراض في بعض أجزاء البلاد بعد انخفاض كبير في أعدادها.
وأنشأ غرانت هاميلتون، الأستاذ المشارك في علم البيئة في جامعة كوينزلاند للتكنولوجيا مركزًا للذكاء الاصطناعي للحفظ بتمويل من الحكومة الفيدرالية وجمعية "لاندكير أستراليا" لإحصاء حيوانات الكوالا وغيرها من الحيوانات المهددة بالانقراض.
وباستخدام الطائرات بدون طيار والتصوير بالأشعة تحت الحمراء، تحلل خوارزمية الذكاء الاصطناعي بسرعة لقطات الأشعة تحت الحمراء وتحدد ما إذا كان التوقيع الحراري هو حيوان كوالا أو حيوان آخر. استخدم هاملتون هذا النظام بعد حرائق الغابات المدمرة في أستراليا في عامي 2019 و2020 لرصد مجموعات الكوالا الباقية، لا سيما في جزيرة كانغارو.
وقد جهد متطوعون لإنقاذ الكوالا من أدغال أستراليا بعد الحرائق. واعتمد بعضهم طرق البحث التقليدية بمساعدة الكلاب للاستدلال على وجودها عبر تتبع مخلفات برازها أو مراقبة أثرها على أشجار الكافور والكينا التي تمثل غذاءها، لإيجاد مكان اختبائها. كما استعان البعض الآخر بطائرة بدون طيار بتقنية الأشعة تحت الحمراء.
تعداد الحيوانات المهددة بالانقراض
ويعد إنقاذ الأنواع التي على وشك الانقراض في حوض الكونغو، ثاني أكبر غابة مطيرة في العالم، مهمة ضخمة. فعام 2020، تعاونت شركة علوم البيانات "أبسيلون" مع جامعة ستيرلنغ في اسكتلندا ووكالة المنتزهات الوطنية في الغابون لتطوير خوارزمية لمراقبة التنوع البيولوجي على نطاق واسع في منتزهات "لوبي" و"واكا" الوطنية في الغابون.
وكان دعاة الحفاظ على البيئة يستخدمون الكاميرات الآلية لالتقاط الأنواع، بما في ذلك فيلة الغابات الإفريقية والغوريلا والشمبانزي والبانغولين، والتي كان يتعين بعد ذلك تحديدها يدويًا. وقد يستغرق تصنيف ملايين الصور شهورًا أو سنوات. ويعتبر عامل الوقت مهما في بلد يفقد حوالي 150 فيلًا كل شهر بسبب الصيد الجائر.