الإثنين 16 Sep / September 2024

إيلي كوهين.. حكاية الجاسوس رقم 88 ورحلته من الأرجنتين إلى سوريا

إيلي كوهين.. حكاية الجاسوس رقم 88 ورحلته من الأرجنتين إلى سوريا

شارك القصة

وثائفي من "العربي أخبار" حول قصة إيلي كوهين، أحد أشهر جواسيس الموساد (الصورة: غيتي)
أرسل الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين أول رسالة بعد وصوله إلى سوريا، في شيفرة من الرقمين 88، وكانت تعني: وجدت بيتًا لأسكن فيه في وسط دمشق.

تدلّى إيلي كوهين على حبل المشنقة في ساحة المرجة في دمشق، وشاهده السوريون في الثامن عشر من أيار/ مايو 1965 لساعات على هذا النحو، قبل أن يُنقل جثمانه إلى جهة مجهولة.

"باسم الشعب العربي في سوريا" صدر الحكم بحقه، من دون أن يُسدِل الستارة على قصة جاسوس إسرائيلي ما زال يثير الجدل بشأن طبيعة مهمته، التي اكتنفها الغموض وتناسلت من حولها الأسئلة.

اعتبارًا من الرابع والعشرين من يناير/ كانون الثاني، أي في مثل هذا اليوم من عام 1956 - وهو التاريخ المتداول لاعتقال كوهين - بالإمكان الحديث عن خطين زمنيين لكتابة قصته. الأول يتعلّق بسيرة أوصلته إلى التجنيد والعمل لصالح إسرائيل، والثاني قاده إلى حبل المشنقة.   

أنشطة سرية في مصر

وُلد إيلياهو كوهين في الإسكندرية عام 1924، ونشأ في كنف عائلة يهودية من أصول حلبية، عاشت في مصر قبل أن تهاجر إلى إسرائيل.

تورّط إيلياهو في أنشطة سرية لصالح الصهيونية، حيث كان مسؤولًا عن تهريب أسر مصرية يهودية إلى إسرائيل.

ومنتصف الخمسينيات ورد اسمه في تحقيقات السلطات المصرية ضمن قضية لافون، "الخلية اليهودية" التي سعت إلى تنفيذ تفجيرات في مؤسسات حكومية وأجنبية في مصر.

بعد اكتشاف أمر الخلية، ظهر اسم إيلياهو كوهين في لائحة المتورطين، غير أن الأخير خرج من القضية من دون أي إدانة، بسبب ضعف الأدلة.

إسرائيل.. الواقع المغاير

عام 1957 هاجر إيلياهو إلى إسرائيل، وهناك اصطدم بواقع أنها ليست أرض الميعاد المنشودة في خياله.

تزوج من ممرضة يهودية عراقية، وكان بلا عمل. ويُدرج في إطار سيناريوهات تجنيده أن الموساد عرض عليه في تلك الفترة المال والحصول على تدريب لستة أشهر.

إلا أن شقيقه ابراهام كوهين يشير إلى أن وثيقة سرية قدمها الموساد للعائلة تحدثت عن تطوعه لتولي مهمة استخباراتية بعد خمسة أيام من وصوله إلى إسرائيل. وبعد عامين تقرر إرساله في مهمة إلى سوريا.

في تلك الفترة كان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قد ضمّ سوريا إلى مصر، وقرّر العرب تحويل مجرى مياه نهر الأردن.

دقّ ناقوس الخطر في تل أبيب، التي انهمكت بمهمة تتبع الضباط النازيين المسؤولين عن إبادة اليهود خلال الحرب العالمية الثانية.. وعلى الأثر تقرّر إرسال جاسوس إلى دمشق ذي مواصفات خاصة لاختراق الجمهورية العربية المتحدة.

المهمة الشيفرة

بحسب المتداول، كان كوهين ضمن عداد المتقدمين المرفوضين للمهمة الاستخباراتية، غير أن عدم إيجاد الشخص المطلوب دفع المسؤولين إلى العودة للملفات التي تم إقصاؤها، فبدا كوهين الاحتمال الوحيد.

وتلفت تقارير إلى أن المهمة التي أُسندت إليه كانت ولا تزال شيفرة دون حل، فيما اعتبرت أخرى أنها عبارة عن مجموعة أهداف من بينها: اكتشاف الوضع السوري الداخلي زمن الوحدة، ورغبة إسرائيل بالحصول على معلومات أوفر عن تحويل مجرى مياه نهر الأردن.

وعقب إعدامه أشار تقرير إلى أن إحدى مهمات كوهين كانت رصد الضباط النازيين المختفين في سوريا.

ولادة كامل أمين ثابت

قدّم الموساد لإيلياهو كوهين هويّته الجديدة: كامل أمين ثابت لوالدين سوريين، الأم سعيدة إبراهيم، وله أخت وُلدت في بيروت بعدما غادرت الأسرة إلى لبنان، وقبل أن تهاجر إلى الأرجنتين عام 1947.

تقرر أن تبدأ العملية من بيونس أيرس، التي تقطنها جاليتان كبيرتان لبنانية وسورية. وفي تلك الأوساط بنى كوهين شبكة صداقات جيدة، بعدما قدم نفسه على أنه رجل أعمال مهاجر.

وفي 28 أيلول/ سبتمبر، كانت اللحظة المناسبة والثغرة التي تسلّل منها إلى سوريا، بعدما أُعلن الانفصال من الجانب السوري عن مصر، إثر انقلاب قاده العقيد عبدالكريم النحلاوي.

ثم حانت لحظة الصفر مطلع العام 1962. عرج أولًا على ميونيخ، ومن جنوى إلى بيروت. على متن السفينة انتظره ماجد شيخ الأرض من طرف الموساد، لتسهيل عبوره الحدود البرية إلى سوريا. فعبر بسهولة وبلغ دمشق خلال ساعات، بعد وصوله إلى شواطئ بيروت.

وجدت بيتًا في دمشق

اختار إيلي كوهين منزلًا فخمًا في حي أبو رمانة يطل على قصر الضيافة الرئاسي، وأرسل من وسط دمشق أول صوت هامس في شيفرة من رقمين: 88، وتعني وجدت بيتًا لأسكن فيه في دمشق. ثم بدأت المهمة.

عرفه بداية نجل أحد الشخصيات البارزة التي تعرف عليها في الأرجنتين إلى الضابط الشاب معدي زهر الدين، ابن شقيق رئيس أركان الجيش السوري عبد الكريم زهر الدين. فراح يرسل معلوماته سرًا في كل يوم إلى رؤسائه في تل أبيب.

ثم عرّفه ماجد شيخ الأرض إلى المذيع السوري جورج سيف، الذي كان مصدرًا مهمًا بالنسبة له بسبب علاقاته الصحافية مع دوائر النظام.

وبعد أشهر كانت سوريا على موعد مع انقلاب الثامن من آذار 1963 الذي حمل البعث إلى الحكم، وتشير تقارير إلى أنه كان مقربًا من حكام سوريا الجدد، الأمر الذي ينفيه البعثيون جملة وتفصيلًا.

أواخر عام 1963 استدعي كوهين إلى تل أبيب وأُعلم أن مهمته تغيرت، ربما بسبب التغييرات التي شهدتها سوريا، أو لأن القنوات الجديدة التي فتحها بدت أكثر أهمية من مطاردة الضابط النازي لويس برونر.

وبعدما لم يعد هناك هدف محدد بعينه لمهمته، عبرت عشرات الشيفرات دمشق ليل نهار، وبعضها لم يكن يرقى إلى المعلومة الاستخباراتية المطلوبة.

مطلع العام 1965 كانت قصة كوهين تقترب من نهايتها، بعدما أمضى فيها 3 سنوات متقطعة، وبات كشف هويته مسألة وقت.

بحسب مؤلف كتاب "إيلي كوهين الملف المفتوح" نوعام نحمان تافر، لفت الجاسوس الأنظار عقب لقاء جمعه وماجد شيخ الأرض مع ضابط نازي اسمه راديماخر، صديق لويس برونر الضابط الذي يلاحقه الموساد.

يشرح تافر أن المخابرات السورية عرفت بشأن اللقاء في حينه، وحيث إن اثنين من الحاضرين معروفان لديها، بينهما شيخ الأرض المحسوب على المخابرات الأميركية، طرحت الأسئلة حول وجود رجل أعمال وطني في مثل هذا اللقاء. وهكذا بدأت عملية التعقب والملاحقة.

ويردف: أعتقد أن هذا خطأ ارتكبه كوهين، فبعد شهر أدركوا أنه جاسوس صهيوني.

إعدام في ساحة المرجة

من ناحيتها، شكت السفارة الهندية وسط دمشق من تشويش مستمر يطال موجاتها. يومها تدخل السوفيات بمعدات متقدمة للبحث عن موجات التشويش، وعندما حصل الصمت اللاسلكي في دمشق كانت إشارة كامل أمين ثابت ترسل إلى إسرائيل.

وبعد الرصد والمتابعة اكتشفت عناصر المخابرات السورية الشقة فقُبض على إيلي كوهين متلبسًا.

على الأثر، اعتقل 69 شخصًا بينهم زهر الدين وسيف. أما ماجد شيخ الأرض فأنكر معرفته بأن ثابت جاسوس إسرائيلي.

قضى كوهين عدة أشهر في قبضة البعث، الذي رفض عشرات الوساطات التي طالبت بمبادلته، فيما استمر التحقيق أيامًا طويلة. 

وأخيرًا نُقلت المحاكمة إلى الجمهور عبر وسائل الإعلام، وحُكم على كل من جورج سيف ومعدي زهر الدين بالسجن خمس سنوات، وعلى ماجد شيخ الأرض بالسجن 10 سنوات، لكنه توفي بعد فترة قصيرة في ظروف غامضة. أما إلياهو كوهين فقد تقرر إعدامه شنقًا.

وفي الثامن عشر من مايو 1965 استُدعي كاهن يهودي يعيش في دمشق ليلتقي بكوهين لآخر مرة. وفي لحظاته الأخيرة سُمح له بكتابة رسالة إلى ذويه.

عُلِّقت المشنقة في ساحة المرجة عند الواحدة فجرًا، وتم إعدام الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين الذي كان الموساد قد تعهد له بإنقاذه حال إلقاء القبض عليه، ثم أُخذ إلى جهة بقيت مجهولة حتى اليوم.

اختراق طي الكتمان

ظلت دوائر الاختراق التي أحدثها إيلي كوهين داخل المنظومة السورية طي الكتمان. وبينما تحاول إسرائيل التباهي بما حققه، يقلّل السوريون منها ومن أهميتها إلى اليوم.

ومن علامات الاستفهام ما يرسم بشأن علاقته بأمين الحافظ الذي أصبح رئيسًا لسوريا، أو وصوله إلى حدود جبهات القتال عند الجولان، الأمر الذي عدّ مؤشرات على نشاط استخباراتي مكثف قام به الجاسوس الذي وُصف بالمتهور.

الموساد أيضًا اتهم بتنفيذ خطة متهورة وغير دقيقة، ووصفتها التقارير الأمنية بغير المجدية الأمر الذي عرّض كوهين لذاك الخطر.

العربي أخبار

بث مباشر على مدار الساعة

شاهد الآن

ففي  تقرير صدر عن الموساد بعد سنوات من إعدام كوهين، جاء أن زوجته قد اتهمت الموساد في سقوطه إذ كان في مهمة مشتتة. وقالت: إن كوهين حاول عدّة مرات أن ينهي مهمته في سوريا، غير أن الموساد رفض ذلك. 

وذكرت الزوجة أنها قالت لرئيس الموساد السابق تيمير باردو أن موظفًا مسؤولًا عن التوثيق في الموساد أخبرها أن زوجها جاسوس فاشل، وحمّله مسؤولية اكتشاف أمره بسبب إفراطه في إرسال تقارير من دمشق.

تابع القراءة
المصادر:
العربي
Close