قد يغير ابتكار جديد في عالم الأدوية، حياة الكثير من مرضى السرطان، حتى في الحالات المتقدمة من المرض.
فقد أعلن العلماء في مركز "سيتي أوف هوب" (CITY OF HOPE)، المتخصص بأبحاث السرطان بالولايات المتحدة عن تطوير عقار جديد يسمى إيه. أو. إتش. 1996 (AOH 1996) على شكل كبسولة قادرة على مهاجمة الخلايا المصابة، من دون أن تتأذى أنسجة الجسم الأخرى.
والجديد في هذا العقار أنه يطور من مفهوم العلاجات التي يلجأ إليها أطباء السرطان، وتحديدًا العلاجات الدوائية التي لطالما ارتبطت بأعراض جانبية كبيرة تزيد من معاناة المرضى.
وكانت العلاجات الدوائية واحدة من سلسلة خيارات يضعها الطبيب أمام المريض تتراوح بين العمل الجراحي والعلاج التلطيفي الذي يخفف الأعراض لكل خيار وما ينطوي عليه من مخاطر.
علاجات مرض السرطان
فتبعًا لحالة المريض ومستوى المرض وانتشاره في الجسم، قد يذهب الأطباء إلى الجراحة كخيار لإزالة الورم أو أكبر قدر منه، خصوصًا في الأورام الصلبة، مع ما يحمله ذلك من إمكانية الإضرار بالعضو المصاب أو وظائفه.
وأحد الخيارات التي طورها الطب على مدى عقود هو استخدام العلاج الإشعاعي الذي يستخدم حزمًا عالية من الطاقة مثل البروتونات أو الأشعة السينية لقتل الخلايا السرطانية، سواء عبر تسليطها على المنطقة المصابة، أو من خارج الجسم عبر إدخال المادة.
ويعتبر العلاج بالخلايا الجذعية من الخيارات الواعدة التي يمكن أن يطرحها الطبيب أمام المريض في حالة سرطان الدم، إذ يتم اللجوء إلى زراعة الخلايا الجذعية بعد علاج كيماوي أو إشعاعي مكثف.
كما طور العلماء علاجات هرمونية تستهدف السرطانات تتغذى على هرمونات الجسم كسم سرطانات الثدي أو البروستات، وذلك من خلال وقف إنتاج هذه الهرمونات ومنع الخلايا السرطانية من النمو.
وهناك أيضًا العلاج المناعي الذي يعرف بالعلاج البيولوجي، وهو يعتمد بشكل أساس على تحفيز الجهاز المناعي الذاتي للجسم للتعرف على الخلايا السرطانية ومهاجمتها، كاللقاح الذي ابتكرته شركة موديرنا قبل فترة قصيرة لعلاج السرطان والأمراض المناعية.
لكن من بين هذه العلاجات جميعًا، ركز العلماء في السنوات القليلة الماضية على ما يسمى العلاج الاستهدافي الذي يركز على البنية الجينية للخلايا السرطانية.
ولعل الدواء الجديد الذي يطوره مركز "سيتي أوف هوك"، يندرج ضمن هذه الفئة والذي يستهدف الميكانيزم الذي يولد الخلايا السرطانية من جذورها.
ولهذا يعد من العلاجات الثورية الجديدة التي قد تنقذ مرضى السرطان حتى في مراحل المرض المتقدمة.
كبسولة قاتلة للسرطان
وبحسب علماء وأطباء اطلعوا على تجارب العلاج الجديد، فإن إيه. أو. إتش. 1996 قادر على قتل الخلايا السرطانية، ومنعها من التكاثر على حساب الأنسجة الطبيعية، ولا سيما الأورام التي تعرف بالأورام الصلبة، كتلك التي تصيب أنسجة الدماغ والرئة والجلد.
ويأتي العقار الجديد على شكل كبسولة تهاجم الخلية السرطانية بشكل مركز عبر استهداف تركيبة جينية تسمى "بي سي إن إيه" في الخلايا، وهي التركيبة المسؤولة عن أخطاء نسخ الحمض النووي في الخلايا السرطانية.
وتوجد هذه التركيبة الجينية في الخلايا الطبيعية، إلا أنها تتخذ شكلًا وسلوكًا مميزًا في الخلايا السرطانية، لذلك كان التحدي في كيفية التحكم في سلوكها، وتثبيط عملية النسخ الخاطئة التي تكون البؤرة السرطانية.
وبحسب المركز، تركز معظم العلاجات الخاصة بالسرطان على مسارات محددة غالبًا ما تكون أحادية المسار، مما يمكن الخلايا السرطانية من التحور ومقاومة العلاج.
وهنا كان لا بد من استهداف الجين الخاص بهذا التحور والمتمثل بتركيبة "بي سي إن إيه"، وقد وجد العلماء في "مركز سيتي أوف هوب" لأبحاث السرطان، أن التجارب أظهرت قدرة عقار إيه. أو. إتش. 1996 الجديد على استهداف هذا الجين في الخلية المصابة.
ويعني هذا وقف عمليات النسخ للحمض النووي المعيب وعدم نقله وتكراره في الخلايا السليمة وانحسار الورم في المنطقة المصابة.
اكتشاف ثوري قد يجعل العالم خاليًا من السرطان👇#التلفزيون_العربي pic.twitter.com/zil9FsPEKM
— أنا العربي - Ana Alaraby (@AnaAlarabytv) January 22, 2020
بدورها، شبهت أستاذة العلاجات التجريبية في "سيتي أوف هوب"، وإحدى المشرفات على تطوير العقار ليندا ماكس، التركيبة الجينية بي سي إن إيه بالمطار متعدد البوابات، إذ تغلق الكبسولة البوابات مانعة دخول وخروج الرحلات التي تحمل الخلايا السرطانية، مضيفة "أنها بمثابة عاصفة ثلجية تشل حركة المطار".
وحتى الآن، أثمرت التجارب الأولية عن نتائج واعدة في منع انتشار الأورام السرطانية، ونموها من دون أن تتسبب بأي ضرر للخلايا السليمة.
وقد تبين بحسب أطباء وعلماء أن العقار الجديد قادر على قتل الخلايا السرطانية بشكل انتقائي، كما استطاع تعطيل التكرار الجيني المعيب المسبب للسرطان وحماية التكرار الجيني للخلايا السليمة.
ومع أن الاختبارات لا تزال في مراحلها الأولى، إلا أنها تعد بتطور العلاجات الدوائية، التي لطالما ارتبطت بالمراحل الأخيرة من المرض المميت، لتكون كبسولة "سيتي أوف هوب" هذه المرة بداية أمل جديد للانتصار على السرطان.
"إنجاز كبير وتقدم علمي مهم"
وفي هذا الإطار، يشرح الاستشاري في علاج الأورام السرطانية الدكتور إياد سلطان، أن هذا العقار يعد إنجازًا كبيرًا وتقدمًا علميًا مهمًا جدًا، وسط حديث عن علاج كيماوي موجه، موضحًا أن علاج السرطان أخذ حوالي 20 عامًا من العلاج الموجه المبني على دراسة الخلايا السرطانية، وتصنيع مواد وأدوية خاصة ببعض المستقبلات للخلايا والإنزيمات المعقدة التي تعمل على دعم الخلية السرطانية.
لكنه يشير خلال حديثه لـ"العربي" من العاصمة عمان، إلى أن هذا العقار الجديد هو أقرب للعلاج الكيماوي، لكن صمم بطريقة يستهدف بروتينا يستخدم الخلية السرطانية بكثرة لعملية نسخ الحمض النووي أو الجينوم بهدف التكاثر.
ويضيف سلطان أن "بي سي إن إيه" هو بروتين هام جدًا ومعقد ويعمل على تماسك الجينوم خلال عملية الانقسام، وبالتالي فإن استهدافه أمر مهم جدًا، إذ تبين أن الخلايا السرطانية تعتمد على نوع خاص من هذا البروتين، موضحًا أن استهدافه لا يؤذي الخلايا الطبيعية.
وفيما نجحت تجارب هذا العقار على الفئران في المختبر، يلفت سلطان إلى أن هناك دراسات في المرحلة الأولى ستبدأ قريبًا على استخدام هذا الدواء، موضحًا أن الدواء مشتق من اسم مريضة تدعى أنا أوليفيا هيلي التي ولدت عام 1996 وتوفيت عام 2006، من سرطان الجذع العصبي، مشيرًا إلى أن أهل المريضة تبرعوا بنصف مليون دولار لإقامة المشاريع في المراكز البحثية لاكتشاف دواء يعالج السرطانات الصلبة على وجه الخصوص.