بعد هدوء نسبي امتد بضعة أشهر، عادت جبهة الشرق السوري إلى واجهة الأحداث من جديد، فقد استمرت اشتباكات لليوم السابع على التوالي بين قوات سوريا الديمقراطية "قسد" المدعومة من واشنطن من جهة، ومجلس دير الزور العسكري في ريف المحافظة الشرقي من جهة أخرى.
وتفيد آخر المستجدات بأن "قسد" دفعت بتعزيزات عسكرية من ريف محافظة الحسكة باتجاه ريف دير الزور الشرقي، لاستعادة البلدات التي خسرتها خلال الأيام الماضية، وسط مخاوف إقليمية من توسع القتال نحو مناطق أخرى بينها منبج التي شهدت هجمات في الساعات الأخيرة، شنها موالون للمجلس العسكري على مواقع لقسد.
فالرواية الأكثر تداولًا لأسباب اندلاع المواجهات هي عزل قسد للمدعو أحمد أبو خولة من قيادة مجلس دير الزور العسكري، ذلك المجلس الذي كان خاضعًا لإشرافها قبل أن يحمل السلاح في مواجهتها، إلا أن قيادات في الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا قالت إن النظام السوري هو من أجج الاشتباكات بهدف خلق فتنة أهلية بين سكان المناطق والمكون الكردي الذي يشرف على الإدارة المدنية، ويشكل غالبية أعضائه قسد.
غير أن اللافت للانتباه هو فتور موقف التحالف الدولي بقيادة واشنطن التي لم تحرك ساكنًا، رغم وجود قواعدها العسكرية في مناطق قريبة من الاشتباكات شرق الفرات.
فما تشهده مناطق الشرق السوري له ما بعده خصوصًا في ظل تعقد المشهد الإقليمي هناك، ذلك أن محافظة دير الزور التي تشكل مساحتها نحو 18% من إجمالي مساحة سوريا خاضعة لسيطرة جهات محلية وإقليمية ودولية.
فالنظام السوري وحلفاؤه الروس والإيرانيون موجودون في بعض مناطق المحافظة، بينما تخضع أجزاء منها لسيطرة التحالف الدولي بقيادة واشنطن، فضلًا عن قسد التي اشتبكت مع الجيش التركي المتمركز في شمالي غربي سوريا.
ما أسباب تدهور العلاقات بين "قسد" ومجلس دير الزور؟
وبشأن تدهور العلاقة بين "قسد" ومجلس الدير الزور الذي كان يوصف بأحد أبرز أذرعها العسكرية، يشدد القيادي في قوات سوريا الديمقراطية والناطق الرسمي باسم وحدات حماية الشعب نوري محمود أن المجلس إلى حد الآن يعد جزءًا أساسيًا من "قسد".
ويضيف في حديث لـ"العربي" من القامشلي، أن ما يحدث الآن من تدهور في العلاقات بين قسد ومجلس دير الزور العسكري هو فتنة من خارج المنطقة، خاصة من خلال التسلل الذي يحدث من طرف النظام السوري إلى تلك المنطقة عن طريق إرسال أسلحة ومجموعات من مناطق النظام، مشيرًا إلى أن هذا الأمر سينتهي في غضون أيام.
ويتابع نوري محمود أن قسد ومجلس دير الزور هما قوات من أبناء جميع مكونات سوريا، نافيًا أن يكون القتال ضد المجلس.
وبشأن موقف واشنطن حيال المعارك، يوضح أن ما يحصل ليس بمستوى أن يتدخل التحالف الدولي أو واشنطن، لأن ما يحدث هو أمر داخلي، وبإمكان قوات سوريا الديمقراطية حل هذا الأمر.
من يقاتل المجلس العسكري في دير الزور؟
من جهته، يشير المنسق العام للمجلس الأعلى للعشائر السورية الشيخ مضر الأسعد إلى أن حزب العمال الكردستاني "بي كي كي" هو من يقاتل حاليًا المجلس العسكري والعشائر العربية في المنطقة، ويتهمها بأنها مرتبطة بنظام الأسد، علمًا أن هذا الأخير مع روسيا وإيران هم الذين تصدوا للعناصر العربية التي هجمت على المواقع العسكرية التابعة لتنظيم جيش سوريا الديمقراطية في منبج وعين العرب.
ويضيف في حديث لـ"العربي" أورفا، أن هذا يعني أن هناك عملية تكاملية بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام السوري وحزب الله وروسيا وإيران، مشيرًا إلى أن هناك غرفة عمليات موحدة تقع في تل رفعت.
ويتابع الأسعد: "قوات سوريا الديمقراطية وضعت على رأس المجلس العسكري في دير الزور مجموعات فاسدة ارتكبت مجازر مروعة بحق أبناء القبائل العربية، ولكن عندما انتهى دورها قامت قيادة قسد بإلقاء القبض عليهم عندما تم استقدامهم للاجتماع معهم في مدينة الحسكة".
ويردف أن مجلس دير الزور هو حامي المنطقة، أي أن العناصر الموجودة هي التي تقوم بحماية وادي الفرات بشكل كامل ضد نظام الأسد والميلشيات الإيرانية.
ما أهداف "قسد"؟
ويبين الأسعد أن قوات سوريا الديمقراطية تريد احتلال هذه المنطقة ولا تريد أن يكون هناك أي وجه عربي يقود هذه المنطقة، كما أنها تسعى للسيطرة على المجالس العسكرية والأمنية والسياسية والإدارية والتنظيمية، وتريد أيضًا الاستحواذ على آبار النفط والغاز، بالإضافة إلى أن يكون لها تواصل من خلال المعابر النهرية مع نظام الأسد والميليشيات الإيرانية.
ويقول: إن "قوات سوريا الديمقراطية كانت قد رفضت طلب التحالف الدولي بمحاربة إيران وطرد النظام السوري من باقي محافظات دير الزور".
ويؤكد أن العشائر طالبت بعزل قيادات المجلس العسكري لدير الزور منذ سنوات طويلة، بسبب ما تم ارتكابه من مجازر مروعة، بالاتفاق وبالتعاون وبدعم من تنظيم "البي كي كي"، عندما أقدموا على اغتيال الكثير من القيادات العشائرية والسياسية والاجتماعية.
اشتباكات عنيفة بين قوات #سوريا الديمقراطية وعسكريي مجلس دير الزور .. ماذا يجري في المنطقة؟#العربي_اليوم pic.twitter.com/30vBzxMiAh
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) August 30, 2023
وفيما يشير إلى أن العناصر العربية تشكل أكثر من 70% من قوات سوريا الديمقراطية، يلفت الأسعد إلى أنه لا يوجد أي عربي يحتل أي مركز متقدم.
ويوضح أن الاشتباكات لم تحدث بسبب أبو خولة، بل بسبب أن قوات سوريا الديمقراطية تريد فرض هيمنتها العسكرية والأمنية على العشائر العربية وعلى منطقة الجزيرة والفرات بشكل كامل للالتقاء مع نظام الأسد ومع إيران في الجهة المقابلة لنهر الفرات.
"ضاقوا ذرعًا"
من ناحيته، يوضح الخبير العسكري السوري ورئيس مركز رصد للدراسات الإستراتيجية من اسطنبول عبد الله الأسعد، أن ما يجري الآن هو عبارة عن تراكمات ظهرت نتيجة تجاوزات تقوم بها قسد في ظل التجنيد الإجباري وتشكيل خلايا وقتل الشبان والهجوم على القرى واقتحامها.
وفي حديث لـ"العربي" من اسطنبول يضيف عبد الله الأسعد، أن العشائر ضاقوا ذرعًا بهذا الحزب الدموي الذي يأخذ تعليماته من "بي كي كي"، لافتًا إلى أن الشعب الكردي أكثر تضررًا من قسد مقارنة بالعشائر العربية.
ويرجح أن الميزان العسكري في هذا الصراع الحاصل، لصالح العشائر على الرغم من أن لدى قسد مخزونًا كبيرًا من الذخائر، في ظل صمت واشنطن بعد رفض قسد محاربة إيران وروسيا.
وحول موقف روسيا وإيران بعد هذه الاشتباكات، يرى أن القوات التابعة لهما ستقف إلى جانب قسد، مشيرًا إلى أن هذه المعارك ستؤثر على عمل التحالف ضد تنظيم الدول، حسب تصريحات واشنطن.