في اليوم التالي للاجتياح السوري لمناطق سيطرة قائد الجيش اللبناني العماد ميشال عون الذي وقع في 13 أكتوبر/ تشرين الأول 1990، ضجّ لبنان بنبأ اختفاء الأبوين ألبير شرفان وسليمان أبي خليل من الرهبانية المارونية الأنطونية.
في تلك اللحظة اختفى أيّ أثر للكاهنين، فلم يعثر عليهما حيَّين أو مقتولَين، وبقي مصيرهما مجهولاً، فيما رجّحت معظم التحليلات والمعلومات خطفهما على يد القوات السورية في دير القلعة في جبل لبنان حيث دارت معركة ضارية بين الجيشَين اللبناني والسوري.
فما الذي حلّ بالأبوين شرفان وأبي خليل؟ كيف اختفى أثرهما؟ هل قُتِلا أم نُقلا إلى السجون السورية؟ ولماذا فشلت كلّ الجهود في كشف النقاب عن مصيرهما، حتى بعد انتخاب عون نفسه رئيسًا للجمهورية، وزيارته لسوريا؟
الأبوان ألبير شرفان وسليمان أبي خليل
وُلِد الأب ألبير شرفان في بيروت في 22 ديسمبر/ كانون الأول 1935. رسم كاهنًا في 8 أبريل/ نيسان 1962 في روما، وعُيّن رئيسًا لعدّة أديرة منها ديري مار جرجس _عوكر، ومار يوحنّا _ عجلتون.
درّس الموسيقى والتعليم المسيحيّ . أسّس جوقات في أديار الرهبنة ومدارسها وفي أديار الراهبات الأنطونيّات وفي رعايا مختلفة.
فُقِد الأب البير شرفان بعد الهجوم على دير مار يوحنّا القلعة في بيت مري مع قيّم الدير الاب سليمان أبي خليل في 14 أكتوبر/ تشرين الأوّل من العام 1990.
أما الأب سليمان أبي خليل، فوُلِد في بعبدا في 22 أغسطس/ آب 1936. رسم كاهنًا في 27 مارس/ آذار من العام 1966.
كان قيّمًا ووكيلاً لعدة أديرة منها أديرة مار جرجس، وعجلتون، ومار أنطونيوس، ومار يوحنا القلعة-بيت مري. كما كان رئيسًا لدير سيدة النجاة.
فُقِد الاب سليمان أبي خليل بعد الهجوم على دير مار يوحنّا القلعة في بيت مري مع الاب البير شرفان في 14 أكتوبر/ تشرين الأوّل من العام 1990.
13 أكتوبر.. الاجتياح السوري للبنان
صباح الثالث عشر من أكتوبر عام 1990، كان الكاهنان المسيحيان ألبير شرفان وسليمان أبي خليل يقيمان في دير للرهبان الأنطونيين في منطقة عين سعادة في جبل لبنان، حين انطلقت عملية اجتياح واسعة لقوات النظام السوري ضد مناطق سيطرة قائد الجيش العماد ميشال عون.
في ذلك اليوم، تواجه الجيشان اللبناني والسوري في أكثر من منطقة، وأكثر من نقطة، وانتهت المعارك خلال ساعات. بنتيجتها، سيطر الجيش السوري على تلك المناطق، وسقط خلال المعارك عدد كبير من عناصر العسكريين.
أما المدنيون فبعضهم أعدم في الميدان، وبعضهم الآخر تمّ اقتياده إلى السجون السورية.
وفي استعادة للاجتياح السوري للبنان، يتحدّث قائد اللواء الثامن في الجيش اللبناني (1984-1990) سليم كلّاس عن "ضوء أخضر دولي وإقليمي وصل إلى الرئيس حافظ الأسد لإنهاء تمرّد العماد عون والدخول إلى المنطقة".
من جهته، يستعيد النائب في البرلمان اللبناني آلان عون ظروف الحرب التي كانت سائدة وقتها "بين شرعية لبنانية يمثلها العماد عون كرئيس حكومة انتقالية والجيش السوري"، مشيرًا إلى أنّ "عملية 13 تشرين جاءت في هذا السياق بعدما تكوّن لها الجو اللازم داخليًا وخارجيًا".
ويوضح أنّ سلسلة متغيّرات سمحت بما كان ممنوعًا قبل ذلك التاريخ، أي أن يدخل الجيش السوري إلى ما كان يُعرَف بالمناطق الشرقية في ذلك الوقت والتي بقيت خارجة عن سيطرته طيلة فترة الحرب.
غياب بلا أثر.. مصير الأبوين المجهول
منذ اليوم الثاني للعملية وسيطرة القوات السورية على جميع المناطق المسيحية، اختفى الأبوان ألبير شرفان وسليمان أبي خليل، ودخلا في مصير مجهول.
كان الأبوان المذكوران يقيمان في الدير، لكن رغم شدّة المعارك التي شهدها، يؤكد الجيران أنّهما كانا سليمين معافيين ولم يتعرّضا لأيّ إصابة في عملية الاجتياح.
هذه المعلومة تؤكدها ابنة شقيق الراهب ألبير شرفان، تيريز شرفان، التي تنقل رواية تقول إنّه عند تعطل إحدى الشاحنات الشاحنات في قرنايل تم رؤية الأب ألبير مما يؤكد انهم بقوا على قيد الحياة بعد 13 تشرين الأول.
من جهته، يكشف رئيس دير القلعة الأب بطرس عازار للمرة الأولى أن الرهبانية الأنطونية كشفت على البئر التي تقول إحدى الروايات أن الابوين قتلا ورميت جثتاهما فيه، فلم تجد أي شيء عنهما.
هل أعدِم الأبوان أم خُطِفا على يد السوريين؟
هكذا، وبعد يوم من دخول الجيش السوري إلى محيط دير القلعة واشتباكه العنيف مع وحدة من الجيش اللبناني التي كانت تتمركز هناك، فُقِد أي أثر للأبوين شرفان وأبي خليل.
هنا، يكشف قائد اللواء الثامن في الجيش اللبناني (1984-1990) سليم كلّاس لـ"العربي" أنّ مديرية المخابرات كانت على علم أنّ هناك وحدة مختصة من الجيش السوري كانت مجهّزة للدخول الى دير القلعة.
ويشير إلى أنه كان نقطة استراتيجية مشرفة على العديد من المناطق من الشويفات إلى سوق الغرب إلى صنين إلى جونية، وكان فيه عتاد متطور، وكانت مهمّة القوة تقضي بتفكيك العتاد في المركز، ونقله إلى القيادة السورية.
لكنّ أحد القادة العسكريين السابقين في الجيش اللبناني يؤكد حصول عملية إعدام للجنود في تلك النقطة قرب الدير، ما يطرح السؤال: هل أعدِم الأبوان أم خطفا على يد الجيش السوري؟
إلى سجن تدمر في سوريا
في حين يصف النائب آلان عون استهدافهما بـ"الانتقامي"، تشير معظم الفرضيات والتحليلات إلى أنّ الأبوين نقلا من الدير إلى سجن تدمر في سوريا.
ورغم الإفراج عن بعض المعتقلين من السجون السورية في سنوات لاحقة، إلا أنّ مصير الأبوين بقي مجهولاً، وهو ما يؤكده ريشار قيومجيان رئيس الشؤون الخارجية في القوات اللبنانية الذي يلفت إلى أنّ مجموع المعلومات من قبل المفرج عنهم يؤكد وجود الأبوين في السجون السورية.
من جهته، يجزم رئيس لجنة المعتقلين في السجون السورية أنه سمع من سجناء لبنانيين بوجود الابوين في سجون سوريا، قائلاً: "هذا مؤكد ولا لبس فيه".
لكن، في آخر المعلومات التي ظهرت بعد ثورة عام 2011 في سوريا، كشف ضابط سوري في مقابلة لتلفزيون orient tv معلومات تفيد بأن الأبوين قتلا في عملية إعدام نفذها الجيش السوري بعد عملية الاجتياح.
وقال هذا الضابط في شهادته: "عندنا وصلوا إلى هذا الدير كان هناك الرهبان ومن كانوا في هذا الدير، فقاموا بقتلهم جميعًا"، وعندما سئل عن الأسباب، أجاب: "نفذوا هذا العمل على أساس كل من في المنطقة الشرقية يتبع لميشال عون وهؤلاء معارضون للسياسة السورية، فقاموا بقتلهم وتصفيتهم".
وسمّى الضابط 4 ضباط قال إنّهم متورطون بهذه العملية، هم العميد محسن سلوم، محي الدين حوراني، العقيد رشيد العطار، وصبحي منصور. هؤلاء الضباط كانوا كلهم من رتب عالية ما بني عميد وعقيد، وينتمون إلى القوات الخاصة.