لم يمرّ قرار "كفّ يد" المحقق العدلي القاضي فادي صوان عن التحقيقات في قضية انفجار مرفأ بيروت المروع بسلام، إذ أثارت الخطوة جدلًا واسعًا في لبنان، لا سيّما أنّ ستّة أشهر مرّت على المأساة، من دون أن تخرج التحقيقات بأيّ نتيجة مُعلَنة بعد.
وبُلّغَ القاضي صوان، صباح اليوم الجمعة، لدى وصوله إلى مكتبه بقرار محكمة التمييز الجزائية بكفّ يده عن النظر بدعوى انفجار المرفأ، بعدما أحال المحامي العام التمييزي القاضي غسان الخوري القرار على وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم والقاضي صوان، بحسب ما نقلت "الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية".
وانتقدت منظمات حقوقية الخطوة، باعتبار أنّها تأتي نتيجة "ضغوط سياسية"، علمًا أنّ عزل صوان اليوم يهدّد بإعادة التحقيقات إلى المربّع الأول، فيما تتعرّض السلطات لضغوط متزايدة للكشف عن نتائج التحقيق في الانفجار الذي أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة 6500 آخرين.
عائلات ضحايا انفجار #مرفأ_بيروت بحتجون على إقالة القاضي المكلف بالتحقيق في الحادثة pic.twitter.com/cpmADfWOGL
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) February 19, 2021
مسؤولون على دراية
منذ تعيينه في 13 أغسطس/آب، يحقّق صوان في الانفجار الذي عزته السلطات إلى تخزين كميات هائلة من نيترات الأمونيوم لسنوات في أحد عنابر المرفأ من دون إجراءات وقاية. وتبين أن مسؤولين على مستويات عدة سياسية وأمنية وقضائية كانوا على دراية بمخاطر تخزينها من دون أن يحركوا ساكناً.
وادعى صوان في العاشر من ديسمبر/كانون الأول على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين، هم وزير المالية السابق علي حسن خليل ووزيرا الأشغال السابقان غازي زعيتر ويوسف فنيانوس، إلا أن أحدًا منهم لم يمثل أمامه في جلسات حدّدها لاستجوابهم بصفتهم "مدعىً عليهم".
وأثار الادعاء على المسؤولين الأربعة اعتراض جهات سياسية بينها رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري و"حزب الله".
وتقدّم كل من زعيتر وخليل المقربين من رئيس البرلمان نبيه بري، إثر ذلك، بمذكرة أمام النيابة العامة التمييزية طلبا فيها نقل الدعوى إلى قاض آخر، بعدما اتهما صوان بخرق الدستور بادعائه على وزيرين سابقين ونائبين في البرلمان، بينما يتمتع هؤلاء بحصانة دستورية ويفترض أن تمرّ ملاحقتهم بمجلس النواب، وفق معارضي قرار الادعاء.
"أمر خطير للغاية"
ورغم ملاحظاتها على أداء صوان ومطالبتها إياه مرارًا، بالكشف عن نتائج تحقيقاته، رأت منظمات حقوقية في عزله "خطوة سلبية".
وشدّدت الباحثة في منظمة "هيومن رايتس ووتش" في بيروت آية مجذوب على أن إبعاد صوان بسبب مذكرة تقدّم بها وزيران سابقان ادعى عليهما؛ "استهزاء بالعدالة وإهانة لضحايا الانفجار والشعب اللبناني".
واعتبرت أن "المحاكم رسمت الخطوط الحمراء: لا يخضع السياسيون لسيادة القانون"، مضيفة "بعد أكثر من ستة أشهر، عدنا إلى نقطة الصفر".
"تحقيق دولي"
وقالت مجذوب: "يجب أن تنتهي هذه المسرحية. نحتاج إلى إجابات أظهر لبنان أنه غير قادر على توفيرها"، مجددة المطالبة بـ"تحقيق دولي مستقل في أقرب فرصة ممكنة".
ورفض لبنان إجراء تحقيق دولي في الانفجار، إلا أن فريق محققين فرنسيين ومن مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي شارك فيه. ولا يزال لبنان ينتظر تسلم التقرير الفرنسي حول أسباب الانفجار.
ويركّز التحقيق المحلي على ملاحقة المسؤولين عن الإهمال لتغاضيهم عن ترك كميات نيترات الأمونيوم في المرفأ، في وقت أجّج الانفجار غضب الشارع الذي بات يحمل الطبقة السياسية أيضاً مسؤولية الكارثة.
وقفة احتجاجية
في غضون ذلك، أثار قرار تنحية القاضي صوان اعتراضات بالجملة في الأوساط الشعبية في لبنان، حيث نفّذ العشرات من أهالي ضحايا الانفجار وقفة احتجاجية أمام قصر العدل مساء الخميس بعد تنحية صوان، وحملوا لافتات جاء في بعضها "نفد صبرنا، نريد الحقيقة".
وصرخت سيدة قتل شقيقها بانفعال، وفق ما نقل بث تلفزيوني مباشر: "لا ثقة لنا بأي منكم.. أنتم تتلاعبون بنا. ولن ننتظر 15 عاماً لنأخذ حقنا".
وقال والد فقد ابنه الشاب: "لقد خسرنا الغالي، وعندما أراد القاضي صوان وضع يده على الجرح نقلوا الملف منه".
"سلطة وقحة مجرمة"
وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، ساد غضبٌ أيضًا، حيث وصف البعض السلطة بـ"الوقحة المجرمة"، واعتبروا أنّها تحاول أن "تحمي نفسها".
المجرمون اقالوا #القاضي_صوان وعينوا قاضي ثاني تيحاكمهم، انشاالله بجاه رب الكون تتمنوا الموت وما تلاقوه #انفجار_مرفأ_بيروت #لبنان
— carine salameh (@SalamehCarine) February 18, 2021
'' إذا دَعتْكَ قُدْرتك على ظلمِ الناس فتذَّكر قدرة الله عليك.''#انفجار_مرفأ_بيروت
— Nadia Bsat🇱🇧 (@NadiaBsat) February 18, 2021
لا تريد هذه السلطة الوقحة والمجرمة الوصول الى أي نتيجة في #انفجار_مرفأ_بيروت من أجل حماية أزلامها من وزراء ومدراء ومسؤولين عن إهمال بالحد الادنى وحماية نفسها بعد ثبوت علمها بتخزين النترات وحماية النظام السوري، بعدما تبيّن تورطه بشحنة النترات من خلال الصحافة الاستقصائية
— NicoleHajal (@NicoleHajal) February 18, 2021
وفيما شدّد آخرون على وجوب كشف الحقيقة كاملًا، اعتبر البعض ما حصل نتيجة طبيعية لهيمنة طبقة سياسية على الحكم في البلاد، معظم أركانها من "زعماء الحرب" أصلاً.
ليش مستغربين يلي صار مع القاضي صوان ب #انفجار_مرفا_بيروت ! ما الغالبية قِبلت أمراء الحرب ومجرميها يحكمونا بالسلم من ٣٠ سنة لليوم...أمراء الاجرام!#الله_يرحم_الشهداء pic.twitter.com/twjZ9AiW4P
— 🇱🇧 Rachel Karam 🇱🇧 (@KaramRachel) February 18, 2021
حكي حكي حكي ... المطلوب واحد: مين فوّت النيترات ؟ مين حفظ النيترات ؟ ومين فجّر النيترات .... الباقي كذب كذب كذب #انفجار_مرفا_بيروت
— Mansour Fadel (@MansourFadel4) February 18, 2021
١٥٠ ألف بين قتيل ومفقود بالحرب الأهلية اللبنانية، بتعرفوا شو عملوا بالمجرمين؟ عملوهم زعماء، رؤساء، وزراء ونواب... بعتذر عالواقعية، بس ما تتوقعوا ينهزّوا كرمال #انفجار_مرفأ_بيروت
— Falafel 🧆 🇱🇧 (@FalafelOfficial) February 18, 2021
وتتعرض الطبقة السياسية بأكملها في لبنان لاتهامات بالفساد واستغلال النفوذ. وقامت في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 تحركات احتجاجية طالبت بمحاسبة وتنحي كل الطبقة السياسية استمرت أشهرًا ونجحت في إسقاط حكومة آنذاك برئاسة سعد الحريري، لكن لم يتغير شيء في الأداء السياسي.
ولم تسفر التحقيقات في الانفجار عن أي نتيجة معلنة حتى الآن رغم توقيف 25 شخصًا على الأقل، بينهم مسؤولون عن إدارة المرفأ وأمنه. وقالت "هيومن رايتس ووتش" إن هؤلاء ما زالوا "رهن الاحتجاز دون توجيه اتهامات واضحة، في ظروف تنتهك حقوقهم في الإجراءات القانونية الواجبة".