أعلنت أيرلندا وإسبانيا والنرويج بشكل متزامن، يوم 28 من الشهر الحالي موعدًا لاعترافها الرسمي بالدولة الفلسطينية، وذلك بعد 12 يومًا من اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 143 صوتًا، قرارًا يدعم طلب فلسطين الحصول على عضوية كاملة بالمنظمة الدولية.
وتعترف 146 دولة بالدولة الفلسطينية من أصل 193 دولة عضوًا في الأمم المتحدة.
ولاقى قرار الدول الثلاث ترحيبًا فلسطينيًا وعربيًا واسعًا، لكن رفضته واشنطن بحجة أنّ إقامة الدولة ينبغي أن تتمّ عبر المفاوضات، في حين آثرت دول مثل فرنسا وألمانيا عدم الترحيب به لأنّ الوقت غير مناسب بعد للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وفق تعبيرها.
وقد أثارت الخطوة غضب إسرائيل، التي اعتبرتها مكافأة لهجمات 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. كما استدعت سفراء إسبانيا وأيرلندا والنرويج للاحتجاج، واتخذت إجراءات انتقامية ضد الفلسطينيين.
وتمثّلت أبرز هذه الإجراءات في إلغاء قانون فكّ الارتبط شمالي الضفة الغربية، وهو ما يعني توسيع الاستيطان، فضلًا عن التهديد بمنع تحويل أموال المقاصة للسلطة الفلسطينية، وفرض عقوبات على مسؤولين كبار فيها.
وخطوة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، رغم عدم تأثيرها على الواقع السياسي للشعب الفلسطيني، رمزية وتحمل دلالات ومعاني عدة.
فهي من جهة، تمثّل تتويجًا لنضال الشعب الفلسطيني منذ عقود، وتعكس إيمانًا دوليًا متزايدًا بشأن وجوب حصوله على حقوقه الكاملة بالحرية والاستقلال والسيادة.
كما أنّها تُشير بشكل لا لبس فيه إلى غضب المجتمع الدولي المتزايد ويأسه حيال الاحتلال وممارساته، خصوصًا في خضم العدوان الحالي على غزة، الذي دفع باتجاه إعادة زخم القضية الفلسطينية على الساحة الدولية.
فما هي دلالات اعتراف الدول الأوروبية الثلاث بدولة فلسطين وأهمية هذه الخطوة من حيث التوقيت، والزخم الدولي حيال القضية الفلسطينية في ظل الغضب والرفض الإسرائيلي للخطوة؟
"خطوة للمساءلة"
وأوضح ريتشارد بويد باريت، عضو البرلمان الأيرلندي، أنّ "خطوة الدول الأوروبية الثلاث هي نتيجة سخط الرأي العالم العالمي تجاه الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل في حربها على قطاع غزة المستمرة منذ 8 أشهر".
وقال باريت في حديث إلى "العربي" من دبلن: إنّ الرأي العام أرغم الحكومات على القيام بأمور مجدية للشعب الفلسطيني، مضيفًا أنّه لو كانت حكومات الدول الغربية نزيهة في تعاملها مع القضية الفلسطينية لما شهدنا مثل هذا التطهير العرقي في غزة.
وأكد أن الرأي العام الأيرلندي يريد أن تكون هذه الخطوة أكثر من رمزية، بل مصحوبة بتحركات دبلوماسية وعقوبات تجارية واقتصادية على إسرائيل ومساءلة ما وصفها بـ"الدولة المارقة" التي ارتكبت الفظائع في غزة.
وأوضح أنّ إيقاف العلاقات التجارية مع إسرائيل، ووقف شحنات الأسلحة إلى تل أبيب، يُمكن أن يردع سلطات الاحتلال.
"يؤكد صحة إستراتيجية الفلسطينيين"
من جهته، رأى الدكتور مصطفى البرغوثي، الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، أنّه لولا صمود وبطولة الشعب الفلسطيني ونضاله ومقاومته لما كانت هذه الاعترافات.
وقال البرغوثي في حديث إلى "العربي" من رام الله، إنّ هذا الاعتراف يؤكد صحة الإستراتيجية التي اعتمدها الفلسطينيون بضرورة الجمع بين الصمود على الأرض والنضال والمقاومة والكفاح من أجل الحقوق الوطنية ضد الاحتلال، واستنهاض حركة تضامن دولي واسعة وتصعيد حركة المقاطعة وفرض العقوبات على نظام الأبرتهايد الإسرائيلي.
وشرح أن تداعيات مثل هذه الخطوة تتمثّل في ثلاثة اتجاهات؛ الأول أنّ أرض فلسطين هي أرض دولة تحت الاحتلال وبالتالي هذا يُلغي أي قيمة لإجراءات فرض الأمر الواقع التي تقوم بها إسرائيل سواء لناحية ضمّ القدس أو عمليات التهويد والاستيطان أو القرار الأخير بفك الارتباط.
ورأى أنّ الاتجاه الثاني يتمثّل في الضغط على دول أوروبية أخرى للاعتراف بدولة فلسطين، والضغط على الولايات المتحدة إذ إنّ هذه الدول هي دول حليفة لواشنطن وأعضاء في الناتو.
وشدّد على أنّ الاتجاه الثالث والأهم يتمثّل في كون الاعتراف هو الضربة الثانية التي تتلقاها إسرائيل خلال يومين؛ مع إعلان الجنائية الدولية قرار ملاحقة القادة الإسرائيليين، ما سيؤدي بدوره إلى تصعيد حركة المقاطعة وفرض العقوبات على إسرائيل وما سيكون له من تداعيات مهمّة على الميدان.
"إسرائيل تواجه انهيارًا دبلوماسيًا"
بدوره، أشار الدكتور إمطانس شحادة، الباحث في مركز مدى الكرمل، إلى أنّ إسرائيل تواجه حالة من الانهيار الدبلوماسي والعلاقات الخارجية منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بالإضافة إلى تفتّت قدرة الردع العسكرية.
وقال شحادة في حديث إلى "العربي" من حيفا، إنّ إسرائيل واجهت ضربات عديدة على الساحة الدولية منذ 7 أكتوبر، على غرار محاكمة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية والاحتجاجات الطلابية وقرار المحكمة الجنائية الدولية.
وأضاف أنّ "هذه الضربات تمثّل تراكم تحوّلات في المشهد الدولي مقلقة لإسرائيل، لا سيما وأن العالم أدرك أن حلّ القضية الفلسطينية يكون فقط عبر الحل السلمي وإقامة دولة فلسطينية".