شهدت الجزائر، أمس الأحد، استحقاقًا انتخابيًا استثنائيًا، تمثّل بانتخابات برلمانية مبكرة، هي الأولى منذ الإطاحة بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، بنظام انتخابي جديد وتحت إشراف سلطة وطنية للانتخابات بعيدًا عن مؤسسات الدولة.
وتندرج هذه الانتخابات، التي جاءت وسط انقسامات سياسية وحزبية حول جدواها، ضمن إصلاحات وعد بها الرئيس الحاليّ عبد المجيد تبون بعد انتخابه في ديسمبر/كانون الأول من العام 2019 في مسعى لإنهاء الحراك الشعبي المطالب برحيل النخبة الحاكمة كلها.
إزاء ذلك، تُطرَح تساؤلات عن رهانات الانتخابات التشريعية في الجزائر، ما إذا كانت البلاد دخلت مرحلة ما بعد الحراك الشعبي، وإلى أيّ مدى يمكن القول إنّ الإصلاحات ستساهم في عودة الاستقرار المؤسساتي لمواجهة التحديات الإقليمية.
"مناورة جديدة" ضدّ الحراك الشعبي
تقول السلطة في الجزائر إنّ هذه الانتخابات تأتي لاستكمال بناء المؤسسات الدستورية في البلاد، في حين يراها المتمسكون بالحراك الشعبي مناورة جديدة تُحاك ضدّ مطالبهم بالتغيير الجذري.
ويراهن الرئيس الجزائري على البرلمان الجديد لتنفيذ خارطة طريق عنوانها الأبرز الجزائر الجديدة، ويصرّح بسعيه إلى تحويل الحراك من الشارع إلى أروقة البرلمان والعمل السياسي المؤطّر دستوريًا.
لكنّ هذا الخطاب الرسميّ قد تناقضه ممارسات قمعية للمظاهرات وحملات اعتقال لناشطين في الحراك الشعبي ولصحفيين وحقوقيين تعدى عددهم المئتين بحسب المنظمات الحقوقية، كما أنّ أيّ إصلاحات سياسية في الجزائر الجديدة لا تأتي منفصلة.
ويرى البعض أنّ استيعاب الحراك الشعبي مرتبط أيضًا بحل الملفات الاقتصادية، فعلى عاتق الحكومة المقبلة مسؤولية ترتيب أولويات برنامجها لا سيما إيجاد حلول لتفاقم الوضع المعيشي الذي زاد من تدهوره الإغلاق العام وتداعيات جائحة كورونا.
إصلاحات متعلقة بالنظام الانتخابي في الجزائر
يرى أستاذ العلوم السياسي في جامعة قطر يوسف بوعندل أنّ الانتخابات التشريعية بنظر السلطة هي جزء مهم جدًا من استكمال البناء المؤسساتي.
ويلفت بوعندل، في حديث إلى "العربي"، من الدوحة، إلى بعض الإصلاحات المتعلقة بالنظام الانتخابي سبقت هذه الانتخابات، حيث انتقلنا من نظام القائمة المغلقة إلى نظام القائمة المفتوحة، وهو ما يصفه بأنه إيجابي جدًا، لأنّ النظام القديم كان يشجّع على الفساد وكانت الانتخابات بموجبه بمثابة تزكية لقوائم أعِدّت سلفًا.
إلا أنّ بوعندل يشدّد على أنّ العملية الانتخابية هي نتيجة حتمية لمسار إصلاحي معيّن، وهذا ما لا يعكس واقع الانتخابات الجزائرية اليوم، حيث ذهبت السلطة إلى الانتخابات بوصفها آلية للخروج من عنق الزجاجة ولبناء مؤسسة معينة التي هي السلطة التشريعية بغياب الخطوات السابقة لهذه العملية الانتخابات.
الانتخابات تُفرَغ من محتواها وتُعزَل عن إطارها
من جهته، يعتبر أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة الجزائر ناصر جابي أنّ اللجوء إلى الانتخابات بهذا الشكل هو جزء من الثقافة السياسية الرسمية في الجزائر، حيث عادةً ما تلجأ السلطة إلى الانتخابات بوصفها آلية بعد إفراغها من محتواها وعزلها عن إطارها السياسي.
ويذكّر جابي، في حديث إلى "العربي"، من الجزائر، انّ هذا الأمر حدث أكثر من مرّة سابقًا، وهذه المرّة كذلك يتمّ الذهاب إلى انتخابات من دون أن تكون جزءًا من عملية سياسية توافقية أكبر كما يطالب المواطنون وكما طالب الحراك ومعه الكثير من الأحزاب.
ويسأل: "من يضمن للجزائريين أن هذه الانتخابات ستكون مختلفة وكيف نسترجع ثقة المواطن في العملية الانتخابية لا سيما وأنها تجري في جو متشنّج سياسيًا في ظلّ الاعتقالات والقمع والتخويف؟".
ويلفت إلى أنّ الجزائريين في مجملهم يقاطعون الانتخابات لأنّهم جرّبوها مرارًا، وقد تبين لهم أنهم خُدِعوا، مشدّدًا على أنّ الوضع حتى يتغيّر لا بدّ من توفير شروط ومنها تأمين الحريات وفتح المجال السمعي البصري والكفّ عن الاعتقالات وإطلاق سراح المساجين.
من يشوّش على العملية الانتخابية؟
في المقابل، يتحدّث أستاذ الإعلام في المدرسة الوطنية للصحافة وعلوم الإعلام محمد هدير عن بعض الإيجابيات المرتبطة بالانتخابات، حيث يلفت إلى أنّها المرّة الأولى التي تجري فيها الانتخابات بهذه الطريقة وبهذه الشفافية.
ويشير هدير، في حديث إلى "العربي"، من الجزائر، إلى أنّ هذه الإيجابيات تشمل وجود سلطة مستقلة تتكون من أساتذة وأكاديميين وقضاة ومحامين وصحافيين، وكذلك القائمة المفتوحة للشباب، كما يلفت إلى أنّ الدولة دعمت الشباب بمبالغ مالية حتى يتمكنوا من خوض السباق الانتخابي.
وإذ ينتقد الذين يشوشون على العملية الانتخابية، يلاحظ أنّ 85% من المرشحين كانوا من الشباب من مناطق معزولة، معتبرًا أنّ الكرة في مرمى الشعب.
لكنّه يعزو المقاطعة التي حصلت إلى الوعود الكاذبة التي اعتاد عليها الشعب الجزائري، إضافة إلى التسويق السياسي الذي لا يقنع الناخب الجزائري.
ويوضح أنّ الشعب الجزائري يريد التحسين إلى الأفضل، في حين تأتي السلطة بشخصيات لا تتماشى مع طموحات الشعب الذي أظهر سلميته وثقافته.