يشكل اللقاء بين منتخب الأرجنتين والبرازيل "سوبر كلاسيكو المنتخبات" الذي تربع على عرش كرة القدم ليخفي في ظلاله تاريخًا من الصراعات بين البلدين، في ظل صراع تاريخي انتقل من عوالم الحرب والسياسة والثقافة إلى ملاعب كرة القدم.
أصل الصراع
في بدايات القرن الـ16 تصاعدت الأطماع الاستعمارية لكل من إسبانيا والبرتغال في أميركا الجنوبية، فاستخدم البلدان الشعوب المحلية وقودًا لبسط نفوذهما واحتلال أكبر قدر من الأراضي، ونجح الإسبان في السيطرة على الأرجنتين، بينما خضعت البرازيل للاستعمار البرتغالي الأمر الذي خلق فجوة ثقافية هائلة، واختلافات في الهوية بين البلدين المتجاورين جغرافيًا.
دار الزمن دورته، ونال البلدان استقلالهما في القرن 19 ليدخل "الإخوة الأعداء" فصلا ًجديدًا من الصراع، لتحديد هوية المهيمن على السياسات الكبرى في القارة، وهو صراع خاضا فيه سلسلة من الحروب العسكرية كان أبرزها حرب البلاتين بين عامي 1851 و1852، حيث تنازع البلدان للسيطرة على الأورغواي.
من الحرب إلى الكرة
وبعد صمت البنادق، انتقلت المنافسة لاحقًا إلى المستطيل الأخضر، بعد أن أصبحت كرة القدم، اللعبة الأكثر شعبية فيهما.
ومنذ بداية تاريخ المواجهات بينهما عام 1914 كان واضحًا تأثر اللاعبين والجماهير بالصراعات السياسة السابقة.
ففي عام 1920 اندلعت أزمة قبل مباراة ودية بين المنتخبين، حين وصفت صحيفة أرجنتينية البرازيليين بـ "القرود الصغيرة"، وهو وصف رفض على إثره 4 من لاعبي "منتنخب السامبا" النزول إلى أرضية الملعب، لتضطر الأرجنتين إلى مواجهة غريمتها بـ8 لاعبين فقط.
وتكررت حوادث العنصرية في لقاءات الفريقين، فخلال نهائي كوبا أميركا سنة 1937 عمدت الجماهير الأرجنتينية مرة أخرى إلى تقليد أصوات القردة، الأمر الذي دفع لاعبي "السيلساو" إلى الانسحاب من المباراة قبيل نهايتها، كما وصفت الصحافة البرازيلية ما حدث بـ"العار".
تواجه عملاقا أميركا الجنوبية في أعقاب ذلك في مباريات عدة وصلت حصيلتها إلى 108 لقاءات رسمية، ففاز البرازيليون في 43 مباراة، بينما انتصر لاعبو منتخب التانغو في 40 منها.
"المياه المقدسة"
مباريات الفريقين كانت مليئة بالاستفزازات والندية والإثارة لعل أهمها تلك التي عُرفت بمباراة "المياه المقدسة"، وجمعت بينهما خلال نهائيات كأس العالم عام 1990، حيث شهدت تلك المباراة جدلا ًواسعًا بعد أن اتهم البرازيليون الطاقم الطبي الأرجنتيني بتسميم أحد لاعبيهم الذي كان مكلفًا بمراقبة مارادونا قبل مساهمة الأخير بعد ذلك من خلال لمسة ساحرة في فوز بلاده بهدف وحيد حمل توقيع المهاجم كانيجيا.
وتحولت تلك المباراة التي أدت إلى إقصاء البرازيل، لاحقًا إلى أحد أشهر أغاني وشعارات الأرجنتنين، فحملت تلك الكلمات: "برازيل أخبريني ما شعورك الآن؟ وسيدكم قد جاء إلى أرضكم؟ نقسم رغم مرور السنين أننا لن ننسى أبدًا، كيف راوغكم دييغو، وها أنتِ تبكين منذ إيطاليا إلى اليوم وكيف سجلها كانيجيا، ومارادونا أفضل من بيليه".
بيليه أم مارادونا؟
أما المقارنة بين مارادونا وبيليه، فهي وجه آخر من السجال المستعر بين جماهير التانغو والسامبا، وربما عشاق المستديرة في أنحاء العالم، إذ يؤكد الأرجنتينيون أحقية أسطورتهم بلقب الأفضل عبر التاريخ بينما يدافع البرازيليون بشدة عن "جوهرتهم السوداء".
هذا الجدال انتقل إلى أروقة الاتحاد الدولي لكرة القدم الذي قرر إجراء استطلاع جماهيري للرأي حول أفضل لاعب في القرن العشرين، وهو استفتاء حصل خلاله مارادونا على 53% من مجموع الأصوات فيما حصل بيليه على 18% فقط، لتضيف الفيفا جائزة ثانية منحت من خلالها بيليه لقب "الأفضل في القرن العشرين".
في عالم كرة القدم، تعرف البرازيل ببلد ينشر سحره عبر الملاعب بكرة القدم، في المقابل تشتهر الأرجنتين بالروح والشغف والمثابرة.
وتحولت المنافسة بينهما إلى صراع لترسيخ الثقافة الكروية بل أحيانًا إلى حروب إعلامية وتبادل للتصريحات.
ففي عام 2006 ظهر مارادونا في إعلان تلفزيوني اعتبره كثيرون مهينًا للبرازيليين بعدما ارتدى قميص السامبا إلى جانب نجوم كبار مثل رونالدو وكاكا ليستيقظ في نهايته، ويتبين أنه مجرد كابوس.
وفي العام الماضي هاجم نيمار الاحتفالات التي تلت فوز الأرجنتين بكوبا أميركا على الأراضي البرازيلية، فسأل ساخرًا:" هل فازوا بكأس العالم؟
وفي خزائن الفريقين في تاريخ المونديال 5 ألقاب للبرازيليين و2 فقط للأرجنتين. وبعد 92 عامًا من تاريخ المونديال لم يلتق الطرفان في النهائي أبدًا حتى تحول الأمر إلى حلم ظل يراود عشاق المستديرة ويراه كثيرون أنه سيكون الحدث الكروي الأعظم على الإطلاق.
حلم اللقاء كان قريبًا من التحقق منذ سنوات لولا هزيمة البرازيل آنذاك في مونديال 2014 خلال نصف النهائي أمام ألمانيا في مباراة "الفضيحة" التي انتهت لصالح الأوروبيين 7-1.
وستتطلع قطر الآن، لأن تكون مسرحًا للقاء الأحلام، فهل تشهد على أراضيها نهائيًا سيظل خالدًا في الأذهان؟