يعرف المنتخب الألماني أو "المانشافت"، بأنه قاهر البرازيل بهزيمة هي الأكبر في تاريخ مشاركاته في كأس العالم، والمرشح الدائم لحصد البطولة التي توج فيها 4 مرات في أعوام 1954 و1974 و1990 و2014.
ففي البطولة الأخيرة، سحق الألمان البرازيل في المربع الذهبي بعقر دارها بنتيجة تاريخية (7-1)، قبل أن يحصد الألمان البطولة على حساب الأرجنتين تحت قيادة أسطورتها ليونيل ميسي.
بذلك، عادت الكأس الذهبية إلى الخزائن الألمانية، بعد غياب استمر لأكثر من 24 عامًا. إلا أن "المعجزة الكروية" الألمانية لم يكن طريقها سهلًا بحيث شقت دربها بنفسها من الكهولة إلى سنوات المجد.
خطة "ثورية" بعد هزائم متتالية
في كأس أمم أوروبا عام 2000، خرجت ألمانيا من الدور الأول، من دون تحقيق أي انتصار ما شكل صدمة سبقتها هزيمة مذلّة في مونديال 1998 أمام كرواتيا بثلاثة أهداف بلا ردٍ في ربع النهائي.
ولم تكن الهزائم المتتالية العائق الوحيد أمام الألمان، بل متوسط أعمار لاعبي المنتخب حينها الذي بلغ 31.5 عامًا، الأمر الذي دفع مدربه بيرتي فوغتس (1990-1998) إلى المطالبة بضرورة ضخ دماء جديدة.
وعليه، أقر الاتحاد الألماني لكرة القدم حينها، خطة ثورية لتطوير منظومة اللعبة أشرف عيها المدرب ديتريش فايسه بمساعدة أستاذ العلوم الرياضية أولف شوت، وكان الهدف الرئيسي منها الإصلاح من الداخل لمواكبة التطورات التي تشهدها منتخبات البلاد الأخرى.
إستراتيجية جديدة.. و"موهبة القرن"
وقد تضمنت الإستراتيجية الجديدة في مرحلتها الأولى، إنشاء 121 مركزًا إقليميًا لتدريب الناشئين بميزانية تعادل نحو مليون و600 ألف دولار، فضلًا عن رصد مبالغ مالية هائلة لتطوير مهارات أكثر من 10 آلاف طفل تحت سن الـ12.
في هذا الخصوص، صرّح المدير السابق في برنامج اكتشاف المواهب الألمانية يورغ دانييل: "إذا ولدت موهبة القرن في قرية صغيرة خلف الجبال.. فسنجدها من الآن فصاعدًا".
تحسين البنى التحتية
ولم تقف النهضة الألمانية عند البحث عن المواهب فحسب، بل امتدت إلى تحسين البنى التحتية والأقسام الطبية داخلها.
وفي عام 2002، اشترط الاتحاد الألماني على الأندية التي تتقدم بطلب الحصول على رخصة مزاولة النشاط أمورًا عدّة، بينها إنشاء أكاديمية كرة للشباب وامتلاك 3 ملاعب عشب طبيعي، كما توفير مكان مغلق للتدريب في فصل الشتاء.
وفي النتيجة، أنفقت النوادي المحترفة في ألمانيا خلال 10 سنوات فقط نحو نصف مليار يورو على قطاع الناشئين بين عامي 2001 و2011، وفق تقرير رسمي صادر عن الاتحاد الألماني لكرة القدم.
وبحلول عام 2016، وصل عدد مراكز تطوير المواهب في ألمانيا إلى 366 مركزًا.
تطوير المدربين
فضلًا عن تطوير اللاعبين، سعت الخطة أيضًا إلى تطوير المدربين على حد سواء، فبحلول عام 2013 امتلكت ألمانيا 28400 مدرب برخصة B التي تسمح لحامليها بتدريب فرق الشباب حتى سن 16 عامًا.
كما سجل حينها 5500 مدرب برخصة A التي تسمح لحامليها بتدريب فرق الشباب حتى سن 18 عامًا، إلى جانب 1070 مدربًا برخصة "برو" وهي أعلى شهادة تدريب متاحة في أوروبا.
وتعد هذه الأرقام قياسية، مقارنة بما هو موجود في بلدان أخرى مثل إنكلترا وفرنسا.
فلسفة اللعب الألمانية
كذلك، ساهمت هذه الخطة الثورية في تحويل فلسفة اللعب الألمانية التي لطالما اعتمدت على القوة البدنية والطول الفارع، إلى أسلوب أكثر حداثة قائم على التمريرات القصيرة والبناء السريع المنظّم.
في السنوات التالية، عرف العالم صعود أسهم المدرسة الألمانية في الفنون التكتيكية التي تكون فيها أكاديمية "هانس ويسويلير" المختصة حجر الأساس في تعليم المدربين.
ويخضع هؤلاء خلال فترة دراستهم لأكثر من 800 ساعة من الدورات المكثفة والورش، ليكون الناتج النهائي قائمة من المدربين الألمان اللامعين على رأسهم يورغن كلوب، وتوخيل، وفليك، وناجلزمان.
كما صارت الفرق الأوروبية تتنافس على ضم الكفاءات الألمانية لصفوفها، ولهذا لم يكن غريبًا أن يحصد 3 مدربين ألمان لقب الدوري من أصل الدوريات الـ5 الكبرى في أوروبا موسم 2019-2020.
التكتيك الألماني لمونديال قطر
ليس هذا فحسب، بل إن نهائي دوري أبطال أوروبا في العام نفسه جمع فريقين يقودهما مدربان ألمانيان وهما توخيل وفليك، حيث تمكن هذا الأخير من قيادة بايرن ميونخ لحصد البطولة ويعين بعدها مديرًا فنيًا للمنتخب الألماني الباحث عن تكرار مجده في قطر بعد الخروج المبكر عام 2018.
وسيعول المدير الفني الألماني على مزيد من عناصر الخبرة مثل نوير، وكروس، وروديجر، ومولر، وأخرى شابة يتقدمها ساني، وموسيالا، وجنابري، وكيميتش.
في هذا الإطار، يعتبر العديد من الخبراء المنتخب الألماني مرشحًا بقوة لحصد لقب مونديال قطر 2022، رغم سلسلة النتائج السلبية الأخيرة التي شهدها الفريق خلال تحضيراته.
لكن لا أحد يأمن مكر الألمان، ولا هوايتهم المفضلة في صناعة المعجزات والمفاجآت.