عندما تروى سيرة عبد القادر الحسيني يحضر المشهد الفلسطيني قبل النكبة وما بعدها، إذ عكست محطات حياته وموقعة استشهاده وما تلاها، أطماع الاحتلال وجرائمه ومقاومة الفلسطينيين وما واجهوه من خذلان.
في الثامن من أبريل/ نيسان من كل عام يُطوى عام على استشهاد عبد القادر الحسيني. مرّت 75 عامًا، وما تزال ذكرى الرجل الذي عُد أحد أبرز القادة العسكريين والثوار الفلسطينيين وقت النكبة، تستعاد حيّة بكلياتها وجزئياتها، ومعها مآسي الفلسطينيين وسرقة أراضيهم المستمرة.
للرجل عبارته الشهيرة، تلك التي خاطب بها اللجنة العسكرية التابعة لجامعة الدول العربية، إن "التاريخ سيتهمكم بإضاعة فلسطين، وإنني سأموت في القسطل قبل أن أرى تقصيركم وتواطؤكم".
من هو عبد القادر الحسيني؟
وُلد عبد القادر موسى كاظم الحسيني في اسطنبول، وتختلف المصادر بشأن تاريخ مولده بين عامَي 1908 و1910.
نشأ في بيت عرف المقاومة والجهاد، حيث عُرف والده الذي شغل مناصب مهمة في الدولة العثمانية، ورأس بلدية القدس بـ"شيخ المجاهدين" في فلسطين. أما والدته فقد توفيت قبل أن يبلغ العامين.
درس عبد القادر القرآن الكريم، والتحق بعدة جامعات منها كلية الآداب والعلوم في الجامعة الأميركية في بيروت والتي طرد منها بسبب نشاطه الوطني، فانتقل إلى الجامعة الأميركية في القاهرة حيث درس في قسم الكيمياء.
بحسب وكالة "الأنباء والمعلومات الفلسطينية" (وفا)، راح الحسيني الذي عاد لاحقًا إلى القدس يعمل منذ العام 1936 على تدريب شبان فلسطينيين لينظموا وحدات مسلحة تدافع عن حقها وأرضها، إذا ما تعرّضت للهجوم من القوات البريطانية. وعُد الرجل أول من بدأ الثورة الفلسطينية الكبرى في العام نفسه.
فالحسيني، وفق المصدر ذاته، أطلق النيران على ثكنة عسكرية بريطانية في قرية بيت سوريك في محافظة القدس، ما أدى إلى تحرك خلايا الثورة الفلسطينية في كل مكان وانضمام رجال المقاومة إليها.
مطلع الأربعينيات، قاتل الحسيني إلى جانب العراقيين ضد الإنكليز، وفي النصف الثاني من العقد نفسه انتقل إلى مصر. وراح هناك ينظّم عمليات التدريب والتسليح للمقاومين.
وفي هذا الصدد، يشير المناضل في الثورة الفلسطينية عام 1936 بهجت أبو غريبة في مذكراته، إلى أن "القائد الشهيد عبد القادر الحسيني كان يقوم في القاهرة بنشاط واسع لإعادة تنظيم المقاتلين الثوريين في جيش الجهاد المقدس، التنظيم الذي سيحاول الدفاع عن القدس حتى اللحظة الأخيرة".
ويردف بأن الحسيني انطلق بعد ذلك بلجنة الدفاع المشتركة التابعة لجامعة الدول العربية في دمشق، مشيرًا إلى أنه "أراد الحصول على الإمداد العسكري، لكن خاب أمله وكتب رسالته الأخيرة الشهيرة: إني أحملكم المسؤولية بعد أن تركتم جنودي من دون عون أو سلاح".
ويورد مقال منشور على موقع "عرب 48" أن الحسيني عاد إلى قرية القسطل من دمشق بنصف كيس من الرصاص، وظل يقاتل حتى نفذت ذخيرته واستشهد.
استشهاد عبد القادر الحسيني
لدى عودة عبد القادر إلى فلسطين كانت قرية القسطل قد سقطت في إطار ما يُسمى بعملية "نحشون"، التي توضح "مؤسسة الدراسات الفلسطينية" أنها العملية الأولى من خطة التطهير العرقي للفلسطينيين التي وضعتها قيادة "الهاغاناه".
على الأثر، خيضت معركة القسطل الشهيرة بقيادة الحسيني ضد قوة صهيونية بقيادة إسحق ربين.
وفي صبيحة الثامن من أبريل، كان استشهاد عبد القادر الحسيني، الذي دفن بجانب ضريح والده في باب الحديد بمدينة القدس.
يقول أبو غريبة في مذكراته: "استشهد عبد القادر بعد أن عاد إلى القدس.. وبات طريق العصابات الصهيونية نحو دير ياسين دون عقبات".
وبالفعل، ارتكبت العصابات الصهيونية في التاسع من أبريل، أي في اليوم التالي لاستشهاد عبد القادر الحسيني، مذبحة دير ياسين الوحشية، حيث استشهد حوالي 100 إلى 102 من أصل 150 تقريبًا كانوا مجموع سكان البلدة، وكانت مآسي التهجير والترويع والقتل.