وجّهت قاضية فرنسية تهمًا تتعلق بالفساد المالي إلى مساعدة حاكم مصرف لبنان السابقة مريان الحويك، وذلك في ختام جلسة استماع عُقدت في باريس أمس الجمعة في إطار التحقيقات الجارية بشأن مصادر أموال رياض سلامة في أوروبا.
وقال مصدر قضائي: "إن قاضية التحقيق وجّهت إلى الحويك تهمتي تشكيل عصابة أشرار إجرامية وتبييض أموال في إطار عصابة منظمة".
وأضاف أن قاضية التحقيق أمرت بوضع الحويك تحت مراقبة قضائية ومنعها من التواصل مع مصرف لبنان المركزي أو العمل فيه وبإلزامها دفع ضمان مالي بقيمة مليون ونصف المليون يورو.
وتحقّق دول أوروبية عدّة بينها فرنسا في ثروة سلامة. ويشتبه المحقّقون في أنّ حاكم المصرف المركزي اللبناني راكم أصولًا عقارية ومصرفية عبر مخطّط مالي معقّد، فضلاً عن إساءته استخدام أموال عامة لبنانية على نطاق واسع خلال تولّيه حاكمية مصرف لبنان منذ أكثر من ثلاثة عقود.
ويشتبه القضاء الفرنسي بأنّ الحويك أدت دورًا بارزًا في هذا المخطّط المفترض.
حويك تنفي الاتهامات الموجهة إليها
وعلّق وكيل الدفاع عن الحويّك المحامي ماريو ستاسي على قرار قاضية التحققي مصرحًا لوكالة "فرانس برس" بأنّ موكّلته "تنفي الاتّهامات وستقدّم الأدلّة التي تؤكّد أنّ الأموال المجمّعة أتت بشكل أساسي من هبة منحها إياها حين كان على قيد الحياة والدها، وهو رجل أعمال ثري توفي منذ ذلك الحين".
وكانت الحويك وصلت الساعة التاسعة والربع صباحاً إلى المحكمة في باريس للمثول أمام قاضية التحقيق. واستمعت القاضية إليها طوال النهار، واستجوبتها بشأن دورها المفترض في تحويلات مالية مشبوهة بين مصرف لبنان وحسابات مصرفية أوروبية.
إفادة الحويك أمام القضاء اللبناني
وكانت الحويّك قالت في مايو/ أيار خلال جلسة استجواب أمام قاض لبناني "لم أعمل بتاتًا في إدارة الشؤون اليومية لحاكم مصرف لبنان".
وأوضحت يومها أنّها تقاضت خلال ستّ سنوات، إضافة إلى راتبها، مبلغًا "يناهز 800 ألف دولار أميركي" في إطار عملها ضمن مشروع للاقتصاد الرقمي نفّذه مصرف لبنان. وهذا المبلغ الذي حوّل إلى حساب في سويسرا جَمَّدتهُ السلطات السويسرية.
وقالت الحويّك إنّها لم تشعر "بالقلق لأن هذا المبلغ دفع من الحساب الشخصي للمحافظ".
وفي إطار التحقيق نفسه، كان القضاء الفرنسي قد وجّه نهاية مارس/ آذار، الاتّهام رسميًا إلى الوزير السابق ورئيس مجلس إدارة "بنك الموارد"، مروان خير الدين، وهو مصرف لبناني خاص.
كذلك وجّه القضاء الفرنسي في يونيو/ حزيران 2022 اتّهامات إلى الأوكرانية آنا ك القريبة من سلامة.
حملة "تشويه"
وتشكّل ثروة سلامة، أحد أطول حكّام المصارف المركزية عهدًا في العالم، محور تحقيقات في لبنان وخارجه، حيث تلاحقه شبهات عدّة بينها اختلاس أموال وغسلها وتحويلها إلى حسابات في الخارج.
لكنّ سلامة البالغ 72 عامًا والذي تنتهي ولايته في نهاية يوليو/ تمّوز الحالي ينفي الاتّهامات الموجّهة إليه، ويعتبر أنّ ملاحقته تأتي في سياق حملة سياسية وإعلامية "لتشويه" صورته.
وقد تغيّب سلامة عن جلسة استجواب في باريس في 16 مايو/ أيار، فعمدت إثرها القاضية أود بوريزي التي تقود التحقيقات إلى إصدار مذكرة توقيف في حقّه.
وقرّر القضاء اللبناني منع سلامة من السفر وصادر جوازي سفره اللبناني والفرنسي بعدما تسلّم نشرة حمراء من الإنتربول بناء على مذكرة التوقيف الفرنسية. ولا يُسلّم لبنان مواطنيه إلى دول أجنبية لمحاكمتهم.
تحقيقات أوروبية في لبنان
وخلال العام الحالي، زار محقّقون أوروبيون بيروت ثلاث مرات واستمعوا إلى مديري مصارف وموظفين حاليين وسابقين في مصرف لبنان، واستجوبوا سلامة في مارس/ آذار.
وفي مارس/ آذار 2022، جمّدت فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ أصولاً لبنانية بقيمة 120 مليون يورو للاشتباه بأنّ مالكها هو سلامة.
واتّخذ هذا الإجراء في إطار التحقيق يطال سلامة وأربعة من القريبين منه، بينهم الحويك وشقيقه رجا، بتهم غسل أموال و"اختلاس أموال عامة في لبنان بقيمة أكثر من 330 مليون دولار و5 ملايين يورو على التوالي، بين 2002 و2021".
وانطلقت التحقيقات الفرنسية بعد شكويين تقدّمت بهما منظمة "شيربا" غير الحكومية لمكافحة الجريمة المالية و"تجمّع ضحايا الممارسات الاحتيالية والإجرامية في لبنان" التي أسّسها مودعون في المصارف اللبنانية تضرّروا من تبعات الأزمة المالية التي يشهدها لبنان منذ 2019.
وفتحت النيابة المالية الوطنية في فرنسا في 2 يوليو/ تمّوز 2021، تحقيقًا ضدّ مجهول في قضية "تبييض أموال في إطار عصابة منظمة".
وتُصدر محكمة الاستئناف في باريس الثلاثاء المقبل حُكمها في مدى قانونية إجراءات الحجز المنفّذة على أصول عقارية وأموال لسلامة في أوروبا، بعدما طعن وكلاء الدفاع عنه بهذه الإجراءات.