تهدد ظاهرة التغيير المناخي البشرية، فهي تعبث ببيئة كوكب الأرض وظروف الحياة على سطحه. يفقد الإنسان السيطرة على الكوكب الشاسع يومًا بعد يوم، فنيران الخطر تشتعل هنا وهناك، من خلال حرائق وفيضانات وظواهر بيئة لم يعهدها البشر من قبل.
يدفع هذا الواقع بالحكومات إلى إعادة النظر في النماذج التي بنت عليها الحضارة الحديثة تقدمها ورخاءها، وإلى البحث عن الحلول التي تدفع بخطر التغيّر المناخي بعيدًا.
فقد أعلن الاتحاد الأوروبي من بروكسل مجموعة من الاقتراحات التي تسمح للتكتل بتحقيق أهدافه بشأن المناخ في غضون عشرين عامًا بينها فرض ضرائب على وقود الطائرات وحظر السيارات التي تعمل بالوقود، ومنع دخول أي صناعة إلى الاتحاد غير قادرة على دفع الرسوم مقابل انبعاثاتها من الكربون.
ما يقوله الأوروبيون هو الحاجة لتغيير الثقافة السائدة ودعوة لتبني نموذج جديد في الصناعة وبنية مستحدثة في الاقتصاد، في طموح يبدو "كبيرًا" في الميزان البيئي وثقيل في ميزان الاقتصاد.
لكن رغبات القضاء على التلوث "تتلوّث" في حسابات السياسة، رغم اتفاق جميع من التقوا في قمة المناخ عبر الشاشة فقط، على أن التعاون لحل أزمة المناخ لا مفر منه، لكن الاختلاف يكمن في التفاصيل. فأزمة المناخ هي حاضنة للاستثمار السياسي في نظر الصينيين والأميركيين، حيث تحاول واشنطن قيادة الجهد العالمي لحماية المناخ وتنافسها بكين.
في غضون ذلك، يحمّل الأميركيون الصينيون مسؤولية الواقع المناخي المتردي، فيما يعتبر الصينيون أن ذلك مناكفة لكبح قوتهم الصناعية الصاعدة. وعلى أرض الواقع، يدفع الثمن من لم يقطف ثمار تلك الصناعات.
ركيزتان لمواجهة تغير المناخ
يقيّم مستشار الأمم المتحدة للكوارث الطبيعية، بدوي رهبان، المقترحات التي صدرت عن الاتحاد الأوروبي، واصفًا إياها بالمهمّة جدًا.
ويقول في حديث إلى "العربي" من باريس: "هي تصب في المسار الصحيح، فمسألة مواجهة تغير المناخ تتطلب ركيزتين، الأولى هي تخفيض الانبعاثات الدفيئة أي الغازات التي تتسبب بالاحتباس الحراري، والثانية هي مساعدة الدول للتكيّف مع آثار تغيّر المناخ من عوامل مناخية متطرفة مثل العواصف والفيضانات وموجات الحر والجفاف وغيرها".
ويعتبر رهبان أن المفوضية الأوروبية توجهت نحو حل الركيزة الأولى عبر وضع هدف تخفيض الانبعاثات بنسبة 55% بحلول العام 2030. كما يلحظ أهمية المواءمة بين الأهداف وآلية التنفيذ التي تطال جميع ميادين الحياة. ويقول: "سيواجه التطبيق مشاكل، لكن المرحلة الانتقالية تتطلب تضحيات".
الحاجة لهدف أكثر طموحًا
من جهته، يفضّل مدير سياسات منظمة "غرينبيس" في المملكة المتحدة، دوغ بار، لو أن الاتحاد الأوروبي قدّم هدفًا أكثر طموحًا.
ويقول في حديث إلى "العربي" من لندن: "نعتبر أن تخفيض الانبعاثات بنسبة 65% يلبي احتياجات الكوكب ليبقى عند مستوى ارتفاع حراري بمعدل درجة ونصف في المئة".
ويلفت إلى درجات الحرارة المرتفعة التي تسجلها باكستان وكندا في الأيام القليلة الماضية. كما يشير إلى أن المملكة المتحدة في وضع سيء لأنه يجب وضع السياسات ورصد الأموال أولًا للتمكن من تحقيق الأهداف البيئية فيما بعد.
ويتحدث بار عن فجوات كبيرة على مستوى الصناعات والبناء لناحية تلبية متطلبات مواجهة التغير المناخي. ويعبّر عن قلق "غرينبيس" من الجهود التي تقودها بعض الشركات في أميركا لإبطاء تشريعات تتعلق بتخفيض الانبعاثات. ويقول: "نحن نعلم أن الشركات تتحرك للدفاع عن مصالحها".
حسابات الصين وأميركا الخاصة
وحول رؤية الصين وأميركا الخاصة بملف المناخ، يشير رئيس اتحاد الجمعيات البيئية في الأردن، عمر الشوشان، إلى أن لهذين البلدين حسابات أخرى.
ويقول في حديث إلى "العربي" من عمان: "عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، الذي لم يلتزم باتفاقيات باريس للمناخ، فتح المجال للكثير من الدول للتساهل وعدم الالتزام". ويعتبر أن الصين والولايات المتحدة هما القطبان الأساسيين في وضع الحلول الجذرية لأزمة التغير المناخ، ويضاف إليهما كل من روسيا والاتحاد الأوروبي.
ويرى الشوشان أن مسألة المناخ وصلت إلى الأطر السياسية المعقدّة والمتشابكة. ويقول: "سيكون الحل صعبًا في المرحلة القادمة في ظل غياب اتفاق بين الدول الصناعية الكبرى على وضع خارطة طريق واضحة المعالم أسوة بتلك التي أعلنها الاتحاد الأوروبي". ويشير الشوشان إلى أهمية قمة غلاسكو في اسكتلندا في تاريخ المناخ العالمي.
كما يشير إلى أهمية وصعوبة مساندة الدول الصناعية للدول النامية التي تتلقف آثار التغير المناخي. ويؤكد على ضرورة الالتزام الجدي بالتدابير التي من شأنها الحد من التغيّر المناخي، محذرًا من كلفة باهظة لتبعات هذا التغيير.