رغم التحذيرات الأميركية والدعوات الأوروبية للعدول عن الخطوة، تبدو الحكومة الإسرائيلية عازمة على المضيّ قدمًا في مخطط إقامة أكثر من ثلاثة آلاف مستوطنة على أراضي الضفة الغربية المحتلة.
ومع أنّ هذا المخطط الإسرائيلي ليس الأول من نوعه في الضفة، حيث شهد العقد الماضي تسارعًا في وتيرة البناء الاستيطاني، إلا أنّه الأول في ظلّ إدارة أميركية جديدة يفترض أنّ موقفها واضح لا لبس فيه حيال هذا الأمر.
وبالفعل قابلت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن التوسع الاستيطاني الجديد بالاستنكار، حيث حذر وزير خارجيتها من عواقب خطوة أحادية كهذه، في حين أدانت السلطة الفلسطينية المخطط، قائلة إنّه يوجّه ضربة إلى الجهود الأميركية لاستئناف مسار الحل السياسي.
إزاء ذلك، تُطرَح العديد من علامات الاستفهام، حول المدى الذي ستذهب إليه الإدارة الأميركية في معارضتها القرار، وكيف يُقرَأ ما قد يحدثه القرار من خلافات داخل الحكومة الإسرائيلية.
خطوة "لا تؤمَن عواقبها"
هكذا، تغيّر الجغرافيا ملامحها في قلب الضفة الغربية المحتلة كلما بدت الفرصة سانحة، لتشكّل طوق احتلال آخر.
بهذه الطريقة، يمكن قراءة مخطط إقامة أكثر من ثلاثة آلاف مستوطنة على أراضي الضفة المحتلة، وإن كان في إسرائيل، بمثابة خطوة سياسية متوافَق عليها ولا تؤمَن عواقبها في آن.
لكنّ هذا المخطط يبدو في واشنطن مرادفًا لإصرار تل أبيب على معاندة إدارة ديمقراطي يحرجها واقع الاستيطان على أرض محتلة.
كان ذلك موضوع الرسالة التي أبلغها بلينكن للإسرائيليين، وهي رسالة يرجح أن يكون بايدن نفسه قد ردّدها على مسامع رئيس الوزراء الإسرائيلي قبل أسابيع معدودة خلال زيارته إلى واشنطن.
رغم ذلك، ما زال الأميركيون والإسرائيليون حتى قبل أيام قليلة فقط يجالسون بعضهم البعض بحثًا عن المنتصف الذي تلتقي عنده إدارة عادت للحديث عن حل الدولتين وحكومة ملتزمة بنهج اليمين الإسرائيلي.
وإذا كان التنديد مرحَّبًا به بصورة عامة، لكنه للسلطة الفلسطينية الآملة أن يدفع الأوروبيون والأميركيون بمسار الحل السياسي، لا يعني الكثير.
فعلى الأرض، ما زال الإسرائيليون يخطّون مسارًا آخر، لا ينتهي بالضرورة بحل سياسي، بل بالمزيد من التوسع الاستيطاني.
بينيت "يرضي" جمهوره اليميني
يرى مدير عام مركز مدى الكرمل للأبحاث في حيفا مهند مصطفى أنّ هناك عدّة تفسيرات لإصرار الحكومة الإسرائيلية على المضيّ في مخططها الاستيطاني رغم التنديد الأميركي.
ويوضح مصطفي في حديث إلى "العربي"، من أم الفحم، أنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت هو شخص جاء من اليمين الأيديولوجي واليمين الاستيطاني وحتى من اليمين المتطرف الذي يؤمن بالبناء الاستيطاني.
ويشير إلى أنّه لا يستطيع أن يكون رئيس حكومة لمدة عامين ونصف دون أن يبني مستوطنات أو وحدات سكنية استيطانية في الضفة الغربية، فهذا يقضي على مصداقيته الأيديولوجية أمام جمهور اليمين.
ويتحدّث في هذا السياق عن ضغط من جمهور اليمين على الحكومة من أجل إقرار وحدات استيطانية لأنّ هنالك في الحكومة أيضًا مركّبات غير يمينية تضغط لمنع البناء الاستيطاني أو تكثيف البناء الاستيطاني.
ويقول: "لا يستطيع بينيت في ظل هذه المعادلات الداخلية أن يقف مكتوف الأيدي ولا يقوم بإرضاء جمهوره اليميني".
ويلفت إلى أن التجربة مع الولايات المتحدة تدفع إسرائيل أيضًا نحو المضيّ في مخططاتها، مضيفًا: "سيكون هناك ضغط أميركي لكنه لن يصل إلى تدفيع إسرائيل أي ثمن سياسي أو اقتصادي بشكل يمكن أن يؤلم إسرائيل".
ويشدّد على أنّه "يمكن حل هذه الخلافات من خلال العمل الدبلوماسي والعلاقات بين الطرفين".
واشنطن "لن تتخذ" أي إجراءات ضد تل أبيب
من جهته، يلفت أستاذ الأمن الدولي والسياسة الخارجية ستيفن زونس في حديث إلى "العربي"، من سان دييغو إلى أنّ أيّ حكومة أميركية، منذ حكومة جورج بوش الأب، لم تتخذ أي إجراءات ملموسة من شأنها أن تدفع إسرائيل إلى تعديل سياساتها إزاء الاستيطان.
ويلفت إلى أنّ إدارة بايدن رفضت أن تضع شروطًا على تقديم الدعم العسكري الأميركي لإسرائيل، مشيرًا إلى أنّ الولايات المتحدة لم تفعل شيئًا لتثني إسرائيل عن قراراتها بشأن بناء المستوطنات.
وإذ يجزم أنّ عددًا من هذه المستوطنات يتعارض مع الحقوق المدنية الدولية، يؤكد أنّ الإدارة الأميركية أوضحت رغم ذلك، بصورة لا تقبل اللبس، أنّها لن تتخذ أي إجراءات من أجل منع المضيّ في هذه الخطط في الضفة الغربية المحتلة.
هل تفرض ألمانيا عقوبات على إسرائيل؟
وعلى المستوى الأوروبي أيضًا، يؤكد الباحث السياسي إيفالد كوينغ أنّ الموقف مشابه على مستوى حكومات الاتحاد الأوروبي.
ويلفت كوينغ، في حديث إلى "العربي"، من برلين، إلى أنّ المفوض الأعلى للسياسة الخارجية جوزيب بوريل انتقد قبل أيام بشكل حازم الإعلان عن سياسة الاستيطان.
ويلفت إلى أنّ 12 وزير خارجية أوروبي كانوا حازمين أيضًا في توجيه النقد لإسرائيل، إلا أنّه يرى أنّ السؤال يتعلق بما هو الأثر الملموس لهذا الانتقاد.
ويعرب عن اعتقاده بأنّ إسرائيل تعلم تمامًا أنّ أوروبا تعارض هذه الخطط تمامًا وتعارض أيضًا مناقصات البدء ببناء المستوطنات، "لكن ما الذي بوسع أوروبا أن تفعله".
وفيما يتحدّث عن علاقات خاصة ووطيدة بين إسرائيل وألمانيا، يشير إلى أنّه ليس بوسع ألمانيا أن تفرض عقوبات جسيمة على إسرائيل.