لم تستطع الأم الفلسطينية من قطاع غزة فداء صالحة (37 عامًا) العثور على سرير دافئ مريح للنوم، بعد إنجابها طفلها خلال الحرب على غزة، على النقيض ممّا تجده أمهات أخريات في الظروف الطبيعية.
فداء تلك الأم التي واجهت ظروفًا صعبة جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المتواصل منذ 7 أشهر وجدت نفسها بلا رعاية صحية ولا غذاء كاف، وعانت من سوء التغذية ومضاعفاتها، ونقص الإمكانيات الضرورية لتأمين الوجبات اللازمة.
وشهريًا، تلد آلاف الفلسطينيات بدون إجراءات طبية سليمة ويتعرضن لمضاعفات صحية؛ بسبب انهيار القطاع الطبي جراء تدمير قوات الاحتلال الإسرائيلي للمستشفيات ومنع دخول الوقود وانقطاع الكهرباء، حسب بيانات فلسطينية.
ألم فقدان الزوج
وعانت تلك الأم من عدم وجود ملاذ آمن لها ولأطفالها، حيث نزحت من بلدة بيت لاهيا في شمال قطاع غزة إلى مدرسة "هارون الرشيد" بمدينة خانيونس جنوب القطاع.
وأثناء وجودها هي وزوجها وأطفالها الثلاثة في تلك المدرسة، تعرضت العائلة للقصف الإسرائيلي، مما أسفر عن استشهاد زوجها وفقدان معيل الأسرة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
ووفقًا لبيانات الأمم المتحدة، تم تهجير ما يقرب من مليون امرأة وفتاة، بينما فقدت أكثر من 3 آلاف امرأة أزواجهن واضطررن إلى تحمل مسؤولية أسرهن خلال الحرب على غزة.
وبعد هذا الهجوم الإسرائيلي، نزحت الأم التي وضعت جنينها قبل أيام إلى مدينة رفح جنوب القطاع فورًا، دون معرفة وجهتها ومكان نزوحها الجديد.
ويعاني الآلاف من السكان من فقدان منازلهم بسبب تدميرها خلال الحرب الإسرائيلية على القطاع، ما دفعهم للنزوح إلى المناطق الجنوبية وإقامة خيام بدائية كمأوى مؤقت، في ظل ظروف إنسانية ومأساوية صعبة.
الحرب على غزة وويلات النزوح
وعند وصولها إلى منطقة المواصي غير السكنية غرب مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، اضطرت الأم التي تعاني آلام الولادة إلى النوم على الأرض دون فراش، ولا غطاء في انتظار أن يُعد لها أقاربها خيمة مؤقتة من النايلون والخشب.
وادعى الجيش الإسرائيلي أن منطقة المواصي "منطقة آمنة"، وهي منطقة كثبان رملية وزراعية، تفتقر إلى شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي والمستشفيات والمخابز.
وتعرضت الفلسطينية لضغوط كبيرة، حيث عانت من آلام الجروح بعد الولادة في ظل نقص الأدوية والفيتامينات والأغطية، مما زاد من صعوبة الوضع وتعقيد الظروف التي تواجهها في ظل استشهاد زوجها.
وبين النازحين في غزة، وهم مليونا فلسطيني من أصل 2.3 مليون، توجد أكثر من مليون امرأة وفتاة في القطاع، الذي تحاصره إسرائيل للعام الـ18، وفق مؤسسات فلسطينية معنية.
خيمة بدائية بلا ماء ودواء
وتقيم الأم وأطفالها الثلاثة في خيمة صغيرة، أقيمت على أرض رملية، تفتقر لوجود النظافة والأدوات الصحية والفراش النظيف الذي تحتاجه كل أم أنجبت حديثًا.
وتواجه "صالحة" صعوبات كبيرة في توفير الطعام لأطفالها، وتضطر لقطع مسافات طويلة في ظل وضعها الصحي السيئ لإحضار المياه لأسرتها.
ويواجه الفلسطينيون في قطاع غزة شحًّا في مياه الشرب والطعام، ونقصًا في الأدوية والمستلزمات الطبية جراء الحرب الحصار الإسرائيلي.
وتزداد أزمة المياه في قطاع غزة عمقًا يومًا بعد يوم في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية المدمرة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ويواجه نحو مليوني فلسطيني في القطاع الساحلي أزمة عطش نظرًا لعدم توفر مياه الشرب جراء قرار اتخذته إسرائيل بداية الحرب بقطع إمدادات الكهرباء والمياه والوقود.
وتعاني بلديات قطاع غزة تحديات كبيرة لضخ المياه من الآبار الجوفية إلى منازل الفلسطينيين، بسبب نفاد الوقود واستهداف إسرائيل لمرافق المياه، وفق منسق اتحاد بلديات قطاع غزة حسني مهنا.
وتقول صالحة: "زوجي استشهد خلال الحرب، وأعيل ثلاثة أطفال، أحدهم وُلد حديثًا، وأعاني ظروفًا إنسانية صعبة".
وتضيف: "نزحت من بلدة بيت لاهيا شمال القطاع وتوجهت إلى خانيونس، ثم لمدينة رفح حيث أقمت في خيمة لا تصلح للسكن".
وتابعت: "عندما نزحت من خانيونس بعد استشهاد زوجي، توجهت لمدينة رفح، حيث لم أكن أعرف وجهتي، فمكثت عند وصولي لمدة 3 ساعات على الأرض، وكنت حديثة الولادة، مما سبب لي التهابات في الجراح ومشاكل صحية".
وأوضحت أنها "تعاني من ظروف اقتصادية صعبة، وتعتمد على المساعدات لسد جزء من احتياجاتها"، مشيرة إلى أن تلك المساعدات لا تكفي، وتحتاج كل يوم إلى حليب وحفاظات لأطفالها وعلاج وفيتامينات.
وذكرت أنها تعاني من نقص المياه، وتضطر لقطع مسافات طويلة لإحضارها، رغم وضعها الصحي الذي يحرمها من الراحة.
ويشير مقررو الأمم المتحدة أن النساء الحوامل تزداد بينهن حالات الإجهاض، وأنهن يضطررن إلى الولادة بعمليات قيصرية دون مسكنات أو تخدير، وأن الأمهات لا يستطعن إرضاع أطفالهن بسبب الجوع والعطش.