يعتقد الناس على نطاق واسع أن السعادة والرفاهية مكونان أساسيان لحياة ناجحة ومرضية، ففي عام 2012 أعلنت الأمم المتحدة يوم 20 مارس/ آذار، اليوم العالمي للسعادة اعترافًا منها بأهمية الرفاهية كهدف عالمي لجميع الناس.
وعليه، كانت السعادة والسعي وراءها محورًا مركزيًا في الدراسات النفسية لعقود عديدة كونها وسيلة لتحسين نوعية الحياة.
إلا أنه رغم هذه المعطيات، قد يشعر عدد كبير من الناس بالخوف من السعادة المفرطة، أما سبب ذلك فهو إدراك أن حالة السعادة هذه قد لا تدوم، وأنه سرعان ما سيواجه الفرد خيبة أمل في النهاية.
تشخيص "الشيروفوبيا"
فالأشخاص الذين لديهم نفور غير عقلاني من الشعور بالسعادة يصنفهم العلم على أنهم يعانون مما يسمى "بالشيروفوبيا"، أو رهاب السعادة وبالتالي قد يشعرون بالخوف من المشاركة في الأنشطة التي قد يصفها كثيرون بالممتعة أو المفرحة خوفًا من أن تعقبها كارثة.
ولا توجد حاليًا معايير تشخيصية لرهاب السعادة، لكن وفقًا لموقع "هيلث لاين"، يصنّف بعض الخبراء الطبيين هذه الحالة القائمة على الخوف عادة، بأنها اضطرابات قلق وفق الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية.
وعلى الرغم من أن التعرف على "الشيروفوبيا" سريريًا لم يتم بعد، إلا أن العديد من التقنيات القائمة على الأدلة مثل العلاج المعرفي السلوكي واليقظة، قد يساعد في تخفيف أعراض هذا الرهاب.
من يصاب برهاب السعادة؟
بدورها، توضح الاختصاصية في العلاج النفسي دانيه دبيبو درويش لـ"العربي" أن الأشخاص الأكثر عرضة لرهاب السعادة، هم الذين يرثون بعض المعتقدات القديمة في المجتمع والتي تقول إنه بعد السعادة والفرح الكبير تأتي مصيبة، وبأنه لا يجوز إظهار سمات الفرح بشكل واضح.
وتتابع درويش أنه في بعض الأحيان أيضًا، تأتي "الشيروفوبيا" نتيجة تجارب شخصية لو مهما كانت بسيطة، على سبيل المثال القيام بحادث سير بعد حضور حفلة أو سماع خبر سيئ مباشرة بعد القيام بنشاط ممتع، فيكوّن الشخص بعقله اعتقادًا مزمنًا وهو أنه بعد السعادة يأتي الألم.
كما تلفت الاختصاصية من بيروت، إلى أن الأفراد الذين يسعون دائمًا إلى الكمال قد يكوّنون أيضًا هذه الفرضية كون الفرح والمتعة لديهم بمثابة مضيعة للوقت، إذ إنهم دائمًا ما يسعون إلى الإنتاجية بطبيعتهم.
متى يجب زيارة مختص؟
في المقابل، تؤكد درويش أن الخوف من السعادة يأتي على درجات قبل أن يتحول إلى رهاب، مطمئنةً أن ليس الجميع تصل به الحال إلى الحد المرضي الشديد الذي يتطلب علاجًا نفسيًا.
وتردف درويش: "في بعض الحالات المرضية يتخطى الشيروفوبيا الشعور المؤقت ويصبح نظامًا حياتيًا لدرجة أن المصابين به يرفضون حتى حضور الأفراح والانخراط بأي نشاطات ترفيهية تجلب المرح ويصبحون متقوقعين في منازلهم".
ومن بعض ملامح "الشيروفوبيا" المرضية، التفكير المتشائم المسيطر، وقد يصل في بعض الأحيان إلى رفض ترقيات في العمل كون هذه الترقية تعني نجاحًا وسعادة وفورًا يربطها المصاب بأن أمرًا سيئًا سيلي ذلك، وفق الاختصاصية.
علاج "الشيروفوبيا"
أما عن سبل العلاج الحالية "للشيروفوبيا"، فتقول الاختصاصية في العلاج النفسي دانيه دبيبو درويش أن أفضل طريقة في الوقت الحالي هي معاملة المصاب به مثل أي رهاب آخر.
أي من يعانون مثلًا من رهاب القطط أو الأماكن المرتفعة، يخضعون للعلاج السلوكي المعرفي الذي يقوم بتحدي هذه الأفكار والسلوكيات التي تكوّن رهابهم.
وتردف درويش: "يمكن مثلًا مساعدة المصاب برهاب السعادة على اختبار مواقف سعيدة والتأكيد له أن لا مصيبة ستحل بعد ذلك، حيث يعمل العلم النفسي على تفكيك هذا الرابط السلبي في الذهن الذي جعل هذا الاعتقاد يسيطر على حياة المصاب بالشيروفوبيا".