Skip to main content

"الزيارة المنسيّة".. حين حطّ الرئيس الفرنسي شارل ديغول في إيران

الثلاثاء 24 يناير 2023
الرئيس الفرنسي شارل ديغول خلال وجوده في القصر الملكي بإيران - غيتي

يتصاعد التوتر بين إيران وفرنسا منذ فترة لاعتبارات وأسباب كثيرة، عمّقها ما يمكن وصفه بـ"صاعق تفجير" جديد في الأيام الأخيرة، زاد من تدهور الروابط بين البلدين.

وتمثّل هذا الصاعق في إعلان صحيفة "شارلي إيبدو" عن مسابقة لأفضل رسم كاريكاتوري، يسخر من المرشد علي خامنئي، صاحب الموقع الأعلى في النظام الإيراني، وما تبعه من رسائل دبلوماسية شديدة اللهجة بين الطرفين.

ولطالما تذبذبت العلاقات بين باريس وطهران في السنوات الماضية، بدءًا من احتضان الأولى لأبرز حزب معارض للنظام وهو مجاهدي خلق، مرورًا باعتقال السلطات الإيرانية لعدد من الفرنسيين، وليس انتهاء بمجريات المفاوضات النووية الأخيرة، والتي فشلت فيها الدول الغربية وطهران بإعادة إحياء ما يُعرف بالخطة العامة الشاملة المشتركة لعام 2015.

ولم تكن هذه العلاقات المتأرجحة كذلك قبل الثورة الإسلامية التي أطاحت بالشاه محمد رضا بهلوي، والتي أوصلت مؤسس الجمهورية الإسلامية روح الله الخميني إلى سدة الحكم.

ولعل أبرز صورة لحجم التواصل المتين بين الطرفين، كانت تلك الزيارة المنسية التي قام بها أحد رموز السياسة الفرنسية التاريخيين الجنرال شارل ديغول إلى طهران.

حصلت هذه الزيارة بين 16 و20 أكتوبر/ تشرين الأول 1963، إلا أنها دُفنت منذ ذلك الحين، حيث كانت ثورة الخميني السبب الأبرز لذلك، حتى أنها لم تُذكر في السيرة الذاتية لدي غول والتي كتبها المؤرخ جان لاكوتور.

زار شارل ديغول إيران بين 16 و20 أكتوبر 1963 - غيتي

ظروف زيارة ديغول إلى إيران

حطّت طائرة ديغول في إيران، في ظروف مضطربة كان يعيشها نظام الحكم بزمن الشاه محمد رضا بهلوي. ففي ذلك العام، شهدت عدة مدن إيرانية مواجهات بين الأجهزة الأمنية ومتظاهرين من حزب توده المعارض، وأدت إلى مقتل وإصابة العشرات.

وكان الشاه المدعوم من أميركا في تلك الفترة، يعيش خللًا في حكمه، خصوصًا بعد ثورة رئيس الوزراء محمد مصدق عام 1953.

ورغم انفتاح الشاه الاقتصادي على العالم، إلا أن ذلك لم يمنع من تردي الأوضاع المعيشية في البلاد، خصوصًا بعد خصخصة قطاع النفط لشركات أجنبية، ما حرم المواطنين من الحصول على عوائد مهمة.

على المقلب الآخر، أتت الزيارة الفرنسية عقب انتهاء ثورة التحرير الجزائرية عام 1962، والتي قرر ديغول من بعدها الانفتاح أكثر على العالم الإسلامي.

من هنا، كانت إيران، البلد الشرق أوسطي غير العربي، فكرة للرئيس الفرنسي آنذاك بأن تكون منطلقًا لإعادة تحسين صورته أمام العالم الإسلامي بشكل عام، بعد المجازر التي ارتكبتها قواته في الجزائر، والعداء الذي شهره العديد من المسلمين حول العالم لباريس.

وقبل هذه الزيارة، استثمرت شركات النفط الفرنسية مبلغ نصف مليون دولار في البنى التحتية الإيرانية، ولحقها عدد من المشاريع الأخرى، لتصبح إيران ثالث شريك اقتصادي بالنسبة لفرنسا في الشرق الأوسط، بعد سوريا ومصر.

من هنا، أتت الزيارة لتكون مخرجًا للشاه الغارق في أزماته الداخلية، وديغول الذي يريد الخروج من أزماته في الجزائر.

"أول زيارة لرئيس فرنسي للإمبراطورية الإيرانية"، هكذا عنونت صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية يوم 16 أكتوبر، مشيرة يومها إلى أن الاستقبال الذي حُضّر لديغول هو الأعظم في تاريخ إيران لرئيس أجنبي.

برنامج الزيارة

وصل الرئيس الفرنسي في الموعد المحدد إلى طهران، وكان في استقباله الشاه، وتوجها وسط حضور إعلامي فرنسي كثيف، إلى المجمع الملكي في سعد آباد.

وعلى طول الطريق من المطار وحتى مكان الإقامة في طهران، قدّرت السلطات الإيرانية آنذاك بأن ما يُقارب الـ700 ألف شخص كانوا في انتظار الرئيس الفرنسي، إضافة لانتشار أكثر من 5 ألف رجل أمن.

هذه الحفاوة في الاستقبال، إضافة لفخامة القصر الملكي المرصّع بالذهب، أذهلت الصحف الفرنسية وديغول نفسه، ليصف إيران حينها بالقول إنها "مفترق طرق عالمي".

في اليوم التالي، توجه ديغول إلى البرلمان الإيراني، حيث ألقى خطابًا شرح فيه تطلعاته للعلاقة بين البلدين، وبين طهران والدول الأوروبية بشكل عام.

حظي ديغول بحفاوة استقبال خلال زيارته إلى إيران في أكتوبر 1963 - غيتي

خيبة أمل إيرانية

وقال الرئيس الفرنسي في نهاية خطابه: "نحن جميعًا أكثر رغبة في المساهمة بشكل فعال في تنمية هذه البلاد، ونحن على يقين من أننا نمتلك في النهاية الأدوات لهذا الهدف".

لكنّ هذا الخطاب شكّل خيبة للسياسيين الإيرانيين، الذين انتظروا مفاجآت من هذه الزيارة، ليُفاجأوا بخطاب بشعارات رنانة وكلمات عاطفية فقط.

ووصف حينها الصحافي الفرنسي إريك رولو ما شاهده من "خيبة أمل" إيرانية، وقال: "كان الإيرانيون ينتظرون مساعدات كبيرة من ديغول، لكن هذا الخطاب أحبطهم".

في اليوم التالي، توجه الرئيس الفرنسي إلى شيراز وأصفهان، للاطلاع على الغنى التراثي والثقافي في الحضارة الفارسية. ولا زالت الغرفة التي قضى فيها ديغول ليلته بأصفهان، وتحديدًا في فندق عباس التراثي، مصدر جذب سياحي إلى اليوم.

وفي 20 أكتوبر، غادر ديغول طهران، إلا أن حفاوة الاستقبال، قابلها فتور في الوداع، بعد أن خاب ظن الإيرانيين بأن يقدّم أول رئيس فرنسي يزور بلادهم المساعدات اللازمة وسط أزمة اقتصادية صعبة.

المصادر:
العربي
شارك القصة