يبدو أن معركة الشعب السوداني ضد الأمراض والأوبئة هي الأصعب والأخطر من بين المعارك التي فُرضت عليه جراء النزاع المستمر منذ أكثر من 5 أشهر بين الجيش وقوات الدعم السريع، وذلك وفق ما أشارت إليه الأرقام والإحصائيات الصادرة عن المنظمات والهيئات الصحية المحلية والدولية.
وكانت آخر المعطيات الواردة بهذا الشأن تحذيرات أطلقها مسعفون من تفشي الإصابة بحمى الضنك والكوليرا بسبب بدء هطول الأمطار الموسمية.
وفيات بالكوليرا في السودان
وفي هذا السياق، أكّدت السلطات الصحية في البلاد وفاة 18 شخصًا بالكوليرا في ولاية القضارف وإصابة 265 آخرين بالمرض.
وفضلًا عن ذلك، سجّلت رابطة الأطباء في السودان نحو 3400 إصابة بحمى الضنك في ولاية القضارف والبحر الأحمر وشمال كردفان والعاصمة الخرطوم في الفترة الممتدة من منتصف أبريل/ نيسان الماضي وحتى منتصف الشهر الحالي.
وذكرت الرابطة أيضًا أن هذا العدد لا يشكل إلّا قمة جبل الجليد وهو أقل بكثير من حالات الاشتباه بالإصابة في المنازل ومن دُفنوا دون تسجيل.
حصبة وسوء تغذية
من جانبها، قالت الأمم المتحدة إن أكثر من 1200 طفل توفوا بسبب إصابات محتملة بالحصبة وسوء التغذية في مخيمات النازحين بولاية النيل الأبيض.
وحذرت المنظمة الأممية وغيرها من المنظمات من أن أمراض الكوليرا وحمّى الضنك والملاريا والإسهال باتت تشكل خطرًا داهمًا في كلّ أنحاء البلاد.
وتتمثل أبرز أسباب تفشي الأوبئة في الانهيار المتواصل للقطاع الطبي والنقص الحاد في الكوادر والمعدات الطبية واللقاحات والأدوية، فضلًا عن عوامل أخرى أهمّها تلوث مياه الشرب وانعدام تصريف مياه الصرف الصحي وانتشار الجثث غير المدفونة في بعض مناطق النزاع.
غياب الدعم المالي
في هذا السياق، يشرح مدير العمليات في جمعيات الهلال الأحمر والصليب الأحمر الدوليين ممدوح الحديد أن القطاع الصحي يتدهور في السودان في ظل نقص الكوادر الطبية والأدوية والعقاقير، إضافة إلى عدم توفر الدعم المالي الدولي.
وفي حديث إلى "العربي" من بورتسودان، يلفت الحديد إلى أهمية توفير الدعم لتأمين الحاجات الإنسانية للسكان، الأمر الذي يؤثر على استجابة المنظمات الإنسانية، ولا سيما الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر.
ويؤكد الحديد أن المطلوب أيضًا تدريب الطواقم الطبية للعمل في السودان في ظل نزوح عدد كبير من العاملين في المجال الصحي.
تعنت جانبي الصراع
من جهته، يعتبر القيادي في الحرية والتغيير المجلس المركزي الطيب عثمان يوسف أن السودان يقبع بين تعنت طرفي الصراع، وانتقائية المنظمات الأممية الإنسانية.
ويشرح في حديث إلى "العربي" من القاهرة أن هذا يعمّق أزمة الشعب السوداني بالإضافة إلى الحرب التي يعيشها في ظل انعدام الخدمات الحكومية بأكملها وليس الطبية فحسب، لعدم وجود حكومة.
ويؤكد يوسف أن السودان يعيش انهيارًا طبيًا كاملًا، مشيرًا إلى عدم التزام طرفي الصراع باتفاق جدة وعدم اكتراثهما بالمواطن السوداني.
واقع كارثي يستدعي وقف الحرب
بدوره، يصف الناطق باسم اللجنة التمهيدية لأطباء السودان سيد عبد الله الوضع الصحي الراهن بـ"الكارثي".
ويقول في حديث إلى "العربي" من أوتاوا: "إن الأوبئة تنتشر كالنار في الهشيم"، لافتًا إلى أن نقابة أطباء السودان حذّرت من هذا الخطر مع بداية الحرب ولا سيما مع بدء موسم الأمطار.
وتشهد مناطق شرق وغرب السودان تفشيًا كبيرًا للأمراض التي أودت بحياة عدد من العاملين في القطاع الصحي، بحسب عبد الله، الذي يؤكد أن أعداد المصابين بالأمراض في السودان تفوق الأرقام المعلنة في التقارير الأممية بأضعاف.
ويعتبر أن هذا الواقع يستدعي توقفًا فوريًا للحرب وصب الاهتمام على الإنسان السوداني.
كما يلفت إلى أن العاملين في القطاع الصحي لم يتقاضوا رواتبهم طيلة 5 أشهر في ظل غياب ميزانية لدعم القطاع.