يُعتبر تنظيم "مملكة الرايخ" يمينيًا متطرفًا لا يعترف بجمهورية ألمانيا الاتحادية، ويُتهم بتدبير محاولات انقلابية ويطمح لاستعادة الإمبراطورية الألمانية.
لاكتشاف خبايا وخفايا هذا التنظيم، بدأ "العربي" رحلة البحث عنه في فيتينبورغ في أقصى الشمال الألماني.
خبايا قصر مملكة الرايخ
عام 1945 انتهت الحرب العالمية الثانية، لكن المنتمين إلى هذا التنظيم يستعيدون تلك الحقبة ويدعون للعودة إلى الإمبراطورية الألمانية على حدود ما قبل عام 1937، والتي كانت تضم أجزاء من بولندا وفرنسا، ويعتبرون أن الجمهورية الألمانية التي تأسست بعد الحرب هي "خدعة أوروبية".
ففي قصر مغلق في بيليفيلد غربي ألمانيا، يُمنع أمام الغرباء الاقتراب من مملكة الرايخ.
وبعد اتصالات واسعة مع مواطني ومسؤولي المملكة، سُمح لكاميرا "عين المكان" الدخول لهذا القصر كأول وسيلة إعلامية عربية تدخل عالم مملكة الرايخ.
ويقول المسؤول في تنظيم المملكة ماركو غينزل: "نحن لسنا مجرد مجموعات منفصلة، إنه شيء مختلف تمامًا".
ويضيف: "في ألمانيا إذا كنت تريد شيطنة مجموعة من الناس وتحرقها أمام المجتمع، فأنت تضعها في الدرج المسمى اليمين المتطرف أو مواطني الرايخ أو ما يتم تداوله".
ويتابع: "لقد تم وضعنا لسنوات عديدة في هذا الدرج ظلمًا. نحن لسنا متطرفين يمينيين ولا نمثل أولئك الذين لديهم أي علاقة بالعنف، ولكن وضعونا في هذا التصنيف فقط لأن أشخاصًا يرون العنف وسيلة لتنفيذ أهداف سياسية معينة".
ويشدد على "أننا لسنا من مواطني الرايخ، ولا نريد العودة إلى زمن القيصر عام 1800".
ويتبع لهذه المملكة أكثر من 5000 مواطن، بمجمل أكثر من 25 ألف ينتمون إلى أفكار الرايخ، بحسب الاستخبارات الألمانية.
وتظهر صور حصرية بعدسة كاميرا "العربي" النشاطات داخل القصر، حيث يوفر كل شيء حتى الطعام والشراب. ويجلس الجميع للحديث عن تطوير أفكارهم ودعوة غيرهم للانضمام للمملكة.
أسس مملكة الرايخ
ويعبر أحد أعضاء تنظيم مملكة ألمانيا عن راحته لوجوده في هذا المكان، ويقول: "في الماضي كنت أعيش في ألمانيا الغربية. كان لدي عمل وكنت أتقاضى مرتبًا جيدًا، لكن السؤال هو ماذا يحدث بأموال الضرائب التي أدفعها؟".
ويضيف: "عندما فكرت في الحلول، وجدت أن مملكة ألمانيا هي الحل، فتعرفت عليها وتابعتها لعدة سنوات. فقررت أن أترك حياتي القديمة وعملي، وأن أضع طاقتي وجهدي ورؤيتي هنا من أجل المساهمة في التطوير".
ويشرح هذا العضو إلى "العربي" أن "إحدى أسس مملكة ألمانيا هي أيضًا الأشياء التي تحتاجها الدولة. فلدينا دستور أعلن عنه عام 2012 وضع عند تأسيس الجماعة، وأعلن عن 650 قانونًا حول أساس التعايش".
ويلفت إلى أن مواطني المملكة لديهم بطاقة هوية وجوازات سفر وقريبًا رخص القيادة.
وغير بعيد من مقر مملكة الرايخ، في غريما الألمانية، التقى فريق "العربي" بالنائبة في البرلمان المحلي كريستين كوديتز المهددة بالقتل من قبل التنظيم.
وقالت في حديث إلى "العربي": "أعتقد أنه يتعين علينا النظر إلى الوراء قليلًا على مدى سنوات وعقود عديدة، فإن السلطات قد استخفت بالحركة وسخرت منها، لكن تغيّر الوضع في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2016 عندما أطلق شخص وصف نفسه بأنه من مواطني الرايخ النار على ضابط شرطة".
وتعتبر النائبة كوديتز أن المشكلة تكمن في أنه طالما لم يحدث شيء، يضحك الناس على هذه الأخبار، "لكن هل يجب أن يحصل كما حدث في النرويج عندما قتل عدد كبير من الناس؟".
خطر على الديمقراطية
وقادت رحلة البحث عن خفايا تنظيم مملكة الرايخ فريق "العربي" إلى أوفنباخ حيث التقى مع مسؤولين من مكتب مدعي عام محكمة ألمانية.
ويشير الضابط في مكتب المدعي العام الألماني أوليفر غوتفالد إلى أن ليس كل شخص من مواطني الرايخ هو متطرف ويخطط لانقلاب، لكن مجرد نشر الأطروحات يمثل خطرًا على الديمقراطية.
ويؤكد غوتفالد أن أعداد مواطني الرايخ تتصاعد، "فلو نظرنا في التقارير الموجودة لدى جهاز حماية الدستور، فيوجد نحو 21 ألفًا على الصعيد الوطني".
ويقول: "هؤلاء الناس يعتبرون الأزمات أوقاتًا جيدة، خصوصًا مع انتشار الأساطير والقدرة على تفسير بعض الأمور المبهمة وفق الطريقة التي يريدونها لجذب انتباه الناس".
اعتقال مجموعة من تنظيم الرايخ
في 9 ديسمبر/ كانون الأول 2022، اعتقلت السلطات 25 شخصًا من تنظيم الرايخ بتهمة "تدبير محاولة انقلابية مسلحة وتشكيل ذراع عسكري للقضاء على دولة القانون في ألمانيا"، وفقًا للادعاء العام الألماني.
وضمت قائمة المعتقلين شخصيات أثارت علامات استفهام، ومن بينهم أحد مؤسسي قوات النخبة برتبة كولونيل وعضوة في البرلمان الألماني عملت قاضية في المحكمة الفدرالية.
وتواصل "العربي" مع مكتب حماية الدستور والاستخبارات الألمانية، لاكتشاف مستوى الخطر الذي لا زال مرتفعًا من مواطني الرايخ، رغم الاعتقالات التي شنت ضدهم.
في المقابل، ينفي المسؤول في تنظيم مملكة الرايخ ماركو غينزل أي علاقة تربط المملكة بظاهرة مواطني الرايخ.
ويقول: "الشيء الوحيد الذي قد يربطنا هو أنه عندما ينتمي أحد إلى المملكة، يصبح اسمه مواطنًا في المملكة، ويمكن أن يكون هنا تشابه في المصطلحات فقط".
ويضيف: "نحن لا نريد دستور عام 1800 ولا نريد العودة إلى الوراء، فنحن ندافع عن الحلول الحديثة بالنسبة للمشكلات ونريد التوجه نحو مستقبل إيجابي".
أيديولوجية يمينية
وتعتبر العضو في البرلمان الألماني كريستين كوديتز أن أيديولوجية حركة مواطني الرايخ "هي جزء من اليمين المتطرف، ويجب وضع برامج للمنشقين عن هذه الحركة ومراقبتها من قبل السلطات بشكل مكثف، مع ضرورة عدم التقليل من شأنها".
ويعتبر مواطنو الرايخ مؤسسات الدولة الحالية غير قانونية ولا يعترفون بوجودها ولا بمؤسساتها، وأنشأوا نظامًا بديلًا لها.
مجموعة دريسدن
وقبل نحو عامين استفاقت دريسدن، عاصمة ولاية زاكسونيا والتي تعتبر معقلًا لهؤلاء، على نبأ اعتقال العشرات من بين المنتمين لمملكة الرايخ وكانوا يخططون لاغتيال رئيس الولاية ووزير الصحة.
وقد تمكّن فريق "عين المكان" من الحصول على تسجيلات صوتية تعرض للمرة الأولى للتنسيق بين عدد من أعضاء التنظيم للانضمام إلى مملكة الرايخ بشكل رسمي.
يدير دانيال مجموعة دريسدن على منصة تلغرام، وهو أحد الأشخاص الذين قادوا اقتحام البرلمان.
وترى كوديتز أنه يجب تفسير الأمر إلى الناس وتوفير تفاصيل حول التحقيقات والعقوبات والمحاكمات إن جرت.
وتحذّر كوديتز من أنهم يحضرون أنفسهم ليوم ينفذون فيه انقلاب ويتدربون على إطلاق السلاح ويعدون العدة لتسلّم السلطة.