أوقفت روسيا إمدادات الغاز عبر خط أنابيب رئيسي إلى أوروبا اليوم الأربعاء، مما يزيد حدة المعركة الاقتصادية بين موسكو وبروكسل، ويرفع احتمالات الركود وتقنين الطاقة في بعض من أغنى دول المنطقة.
فقد أعلنت مجموعة غازبروم الروسية وشبكة "إنتسوغ" الأوروبية لنقل الغاز تعليق إمدادات الغاز مجددًا الأربعاء، عبر خط أنابيب "نورد ستريم" الذي يصل حقول سيبيريا بألمانيا، بسبب أشغال صيانة يتوقع أن تستمر ثلاثة أيام.
وأوضحت مجموعة غازبروم العملاقة أنها أوقفت "بالكامل" إمدادات الغاز عبر خط نورد ستريم بسبب "بدء أشغال مقررة في محطة لضغط الغاز" تابعة لنورد ستريم، بحسب ما ذكرت في بيان على تطبيق تلغرام.
وأشارت بيانات نشرتها شبكة إنتسوغ إلى توقف تدفق الغاز بالكامل منذ الساعات الأولى من صباح الأربعاء في خط الأنابيب الذي يربط مباشرة حقول الغاز في سيبيريا بشمال ألمانيا من حيث يتم بعدها تصدير الغاز إلى دول أوروبية أخرى.
وأظهرت البيانات الواردة من الموقع الإلكتروني للجهة المشغلة لخط الأنابيب انخفاض التدفقات إلى الصفر بين 02:00 و03:00 بتوقيت غرينتش اليوم الأربعاء.
وتخشى الحكومات الأوروبية أن تمدد موسكو الانقطاع ردًا على العقوبات الغربية المفروضة عليها بسبب الهجوم على أوكرانيا، واتهمت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستخدام إمدادات الطاقة "سلاح حرب". وتنفي موسكو ذلك.
ومن شأن زيادة القيود على إمدادات الغاز الأوروبية أن تفاقم أزمة الطاقة التي أدت بالفعل إلى ارتفاع أسعار بيع الغاز بالجملة أكثر من 400% منذ أغسطس العام الماضي، مما تسبب في أزمة مؤلمة بتكلفة المعيشة للمستهلكين وزيادة التكاليف على الشركات وأجبر الحكومات على إنفاق المليارات لتخفيف العبء.
وعلى عكس صيانة استمرت عشرة أيام لخط الأنابيب الشهر الماضي، تم الإعلان عن الصيانة الجديدة قبل أقل من أسبوعين فقط.
وخفضت موسكو بالفعل الإمدادات عبر نورد ستريم 1 إلى 40% من قدرته الاستيعابية في يونيو/ حزيران وإلى 20% في يوليو/ تموز، وتلقي باللوم على مشاكل الصيانة والعقوبات التي تقول إنها تمنع إعادة معدات وتركيبها.
وقالت "غازبروم": إن الإغلاق الجديد ضروري لإجراء صيانة للضاغط الوحيد المتبقي لخط الأنابيب.
وقطعت روسيا الإمدادات عن بلغاريا والدنمارك وفنلندا وهولندا وبولندا تمامًا، وقلصت التدفقات عبر خطوط أنابيب أخرى منذ إطلاق ما تسميه موسكو "عملية عسكرية خاصة" في أوكرانيا.
غازبروم تعلق "بالكامل" شحناتها من الغاز لفرنسا
وكانت مجموعة "غازبروم" الروسية أعلنت الثلاثاء أنها ستعلق بالكامل شحناتها من الغاز لمجموعة "إنجي الفرنسية" اعتبارًا من الخميس، كون الأخيرة لم تسدد كامل ثمن شحنات الغاز التي تسلمتها في يوليو.
وقالت المجموعة الروسية في بيان نشرته مساء الثلاثاء على حسابها على تلغرام: إن "غازبروم إكسبورت أبلغت إنجي بتعليق كامل شحناتها من الغاز اعتبارا من 1 سبتمبر/ أيلول 2022 إلى أن تتلقى كامل المبالغ المالية المستحقة مقابل الشحنات".
وبموجب مرسوم وقعه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نهاية مارس/ آذار، أوضحت غازبروم أنه "يمنع تسليم كميات إضافية من الغاز الطبيعي لشارٍ أجنبي إذا لم يسدد هذا الشاري الثمن كاملًا ضمن المهلة المحددة في العقد".
وأكدت غازبروم أنها لم تتلق حتى مساء الثلاثاء كامل المبالغ المستحقة لشحنات يوليو.
وصباح الثلاثاء، أعلنت إنجي أنها تبلغت من غازبروم بتقليص إضافي وفوري لشحناتها من الغاز "بسبب خلاف بين الأطراف حول تنفيذ العقود".
وذكّرت المجموعة بأنها سبق أن اتخذت إجراءات للتمكن من تزويد زبائنها حتى في حال توقف شحنات غازبروم.
وتراجعت شحنات الغاز الروسي للمجموعة الفرنسية في شكل ملحوظ منذ اندلاع النزاع في أوكرانيا.
من جهته، قال المستشار الألماني أولاف شولتس الثلاثاء: إن "الإجراءات الحكومية لضمان إمدادات الغاز خلال الشتاء جعلت ألمانيا مستعدة للتعامل مع خفض جديد للشحنات الروسية".
وأضاف شولتس في بيان أن الاستعدادات تعني أن ألمانيا "في وضع أفضل بكثير من حيث أمن الإمدادات مما كان متوقعًا قبل شهرين، وأنه يمكننا التعامل بشكل جيد مع التهديدات التي نواجهها من روسيا التي تستخدم الغاز باعتباره جزءًا من إستراتيجيتها في الحرب ضد أوكرانيا".
وتعتمد ألمانيا بشكل كبير على الغاز الروسي وشهدت انخفاضًا حادًا في إمداداتها منذ بدء الحرب في أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط.
في مواجهة مخاطر النقص في الغاز، حددت برلين سلسلة من الأهداف في يوليو لكي تصل مخزونات الغاز إلى 95% بحلول الأول من نوفمبر/تشرين الثاني، قبل بداية الشتاء.
وفي هذا الصدد، تبنت الحكومة سلسلة من تدابير الاقتصاد في الموارد، بما في ذلك زيادة استخدام الفحم وتقليل استهلاك المباني العامة وحوافز للشركات. كما خصصت برلين بصورة استثنائية 1,5 مليار يورو لشراء الغاز الطبيعي المسال من قطر والولايات المتحدة خصوصًا.
#ألمانيا.. أقوى اقتصاد في أوروبا يدق ناقوس الخطر بسبب نقص إمدادات الغاز الروسي#العربي_اليوم تقرير: مكسيم العيسى pic.twitter.com/NsmURhuDKj
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) June 25, 2022
الغاز سلاح موسكو
وفي هذا الإطار، يرى الكاتب الصحفي يفغيني سيدروف أن الخطوط الحمراء لموسكو في الضغط على أوروبا هي إما بتوقف فرض المزيد من العقوبات أو التخفيف من بعضها، والعودة إلى المباحثات حول العقوبات، بعد أن يبدي الاتحاد الأوروبي موقفًا بناء إزاء الطلب الروسي، والذي تعتبره موسكو شرعيًا تمامًا.
ويوضح في حديث لـ"العربي" من موسكو، أن هناك أسبابًا واضحة لاستخدام روسيا غازها ورقة ضغط في الحرب الروسية، بعد تطور الأوضاع في الحرب، بالإضافة لمسألة التوربينات التي تم إصلاحها في كندا وتسليمها إلى ألمانيا، لأن روسيا تخشى من أن تطال العقوبات هذه التوربينات، لافتًا إلى ضمانات الاتحاد الأوروبي لم تكن كافية لإقناع روسيا.
ويستبعد أن تقوم موسكو بمزيد من التصعيد، مبينًا أنه في حال خفضت الدول الغربية أو أعادت النظر في العقوبات فسيكون من الممكن إجراء مباحثات حول عودة الأمور إلى مجراها الطبيعي.
كيف ستتصرف دول الاتحاد الأوروبي؟
من جهته، يوضح الكاتب الصحافي مصطفى طوسة أن فرنسا تستعد للمرور بفترة عصيبة استثنائية جراء قطع إمدادات الغاز الروسي، وهي كباقي البلدان الأوروبية تحاول البحث عن بديل للغاز الروسي.
وفي حديث لـ"العربي" من العاصمة الفرنسية باريس، يقول طوسة: إن دول الاتحاد الأوروبي تظهر وكأنها غير قادرة على أخذ قرار يكون منفصلًا ومستقلًا عن مقاربة الإدارة الأميركية، موضحًا أنه عندما تقرر الإدارة الأميركية دخولها في محادثات مع بوتين وترفع عنه العقوبات سيكون ذلك مؤاتيًا للدول الأوروبية.
ويلفت إلى أن ألمانيا حتى الآن غير قادرة على إيجاد بديل للغاز الروسي، وتحاول أن تبقي على الحوار والتواصل مع القيادة الروسية أملًا منها في ألا تقوم موسكو بقطع الإمدادات، في ظل مساعي برلين البحث عن بديل للغاز الروسي.
ويبين أن الوقت يلعب ضد الاتحاد الأوروبي مع قدوم فصل الشتاء، وأن هناك عملية شد حبال قوية بين موسكو والدول الأوروبية حول هذه القضية.