في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، تشهد الولايات المتحدة انتخابات رئاسية محتدمة بين مرشّح الحزب الديمقراطي الرئيس الحالي جو بايدن والمرشّح المتوقّع للحزب الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب.
ومنذ منتصف القرن التاسع عشر، يُهيمن الحزبان الديمقراطي والجمهوري على السياسة في الولايات المتحدة. وتعود آخر مرة تمّ فيها انتخاب رئيس من حزب ثالث إلى عام 1848.
فلماذا يُواجه الناخبون الأميركيون عمومًا خيارات أقلّ في صناديق الاقتراع؟ وكيف أدت الخلافات الأساسية حول دور الحكومة الفيدرالية ونظام "الفائز يأخذ كل شيء" بالسياسة الأميركية نحو نظام الحزبين؟
الأحزاب السياسية المبكرة
ذكر موقع "history.com"، أنّه عند وضع إطار عمل حكومة الولايات المتحدة الجديدة عام 1789، لم يذكر الدستور الأحزاب السياسية. كما أنّ العديد من مؤسّسي البلاد لا يثقون في مثل هذه الجماعات الحزبية.
ووصف ألكسندر هاملتون الأحزاب بأنّها "المرض الأكثر فتكًا" للحكومات الشعبية، في حين حذّر جورج واشنطن في خطاب الوداع عام 1796 من أنّ الأحزاب السياسية من شأنها أن تؤدي إلى "استبداد مخيف".
وبحلول ذلك الوقت، كانت الفصائل قد بدأت تشكّل في الدولة الفتية. وخلال رئاسة واشنطن، انقسمت النخب السياسية نفسها إلى معسكرين متعارضين: الفيدراليون بقيادة هاملتون؛ والمناهضون للفيدراليين أو الجمهوريين الديمقراطيين برئاسة توماس جيفرسون.
وتشاجر هذان الفصيلان بمرارة حول مدى قوة الحكومة الفيدرالية الجديدة بالنسبة للولايات، وحول ما إذا كان ينبغي للولايات المتحدة أن تنحاز إلى بريطانيا العظمى أو فرنسا.
كيف نشأ الحزبان الديمقراطي والجمهوري؟
كانت انتخابات عام 1800 التي هزم فيها جيفرسون جون آدامز، بمثابة بداية النهاية للفيدرالية، التي اختفت فعليًا كحركة سياسية بحلول نهاية حرب عام 1812. وأُطلق على تلك الفترة، أثناء رئاسة جيمس مونرو، اسم "عصر المشاعر الطيبة" بسبب الانخفاض النسبي في الانقسامات الحزبية الوطنية.
لكنّ الحقيقة هي أنّ الخلافات لم تختف على الإطلاق، حيث ظهرت الخلافات حول دور الحكومة الفيدرالية وقوة الحكومة الفيدرالية في مواجهة الولايات، من جديد.
كانت انتخابات عام 1824 التي فاز فيها جون كوينسي آدامز بالرئاسة على الرغم من حصوله على عدد أقلّ من الأصوات في الانتخابات الشعبية مقارنة بأندرو جاكسون، لحظة محورية. وشكّل أنصار جاكسون بقيادة مارتن فان بورين، ائتلافًا جديدًا قائمًا على مُثُل جيفرسون والذي عُرف باسم الحزب الديمقراطي.
وفي عامي 1828 و1832، نجح الحزب في الاحتشاد خلف جاكسون في الانتخابات التي شهدت تجمعات انتخابية ومؤتمرات ترشيح، وهي الجوانب التي تُميّز سياسات الحزب في العصر الحديث.
وفي الوقت نفسه، اجتمع المعارضون لسياسات جاكسون لتشكيل حزب اليمين (Whig Party)، الذي اقترب أكثر من التقليد الفيدرالي لصالح حكومة مركزية أكثر قوة.
وانهار حزب اليمين بحلول خمسينيات القرن التاسع عشر، وظهر الحزب الجمهوري الجديد المناهض للعبودية ليصطدم بالديمقراطيين. وعلى الرغم من أن اصطفافاتهما ومواقفهما تغيّرت بشكل كبير على مرّ السنين، إلا أنّ الحزبين هيمنا على السياسة في الولايات المتحدة منذ ذلك الحين.
كيف يفضّل النظام الانتخابي الأميركي نموذج الحزبين؟
يعتمد نظام التمثيل الأميركي على من يفوز بأكبر عدد من الأصوات في كل منطقة، وليس بالضرورة أغلبية أصوات الناخبين.
بالإضافة إلى ذلك، يتمّ تمثيل كل منطقة متميّزة سواء كانت تابعة لانتخابات الكونغرس أو الولايات أو رءاسة البلاد من خلال عضو واحد، بدلًا من التمثيل النسبي بناءً على عدد الأصوات التي حصل عليها.
وفي بعض الأحيان، يتمّ تفسير الميل إلى مثل هذا النظام الذي يقوم على مبدأ "الفائز يأخذ كل شيء" لتعزيز منظمة الحزبين، من خلال مفهوم يُعرف باسم "قانون دوفرجيه"، تيمنًا باسم عالم السياسة الفرنسي موريس دوفرجيه.
ونتيجة لذلك، يميل الناس للتصويت لمرشّحهم المنتخب الأكثر تفضيلًا، والذي يكون إما جمهوريًا أو ديمقراطيًا.
وتقوم العملية التمهيدية في الولايات المتحدة على توجيه الصراع حول السياسة داخل كل حزب، مما يؤدي بشكل مثالي إلى إنتاج مرشحين للانتخابات العامة يمكنهم جذب أوسع تحالف ممكن من الناخبين.
وبسبب هذه السمات الهيكلية من بين أسباب أخرى، ظل نظام الحزبين متماسكًا طوال القرنين الماضيين من التاريخ الأميركي.