الأحد 17 نوفمبر / November 2024

المختطفون في اليمن.. انتهاكات وحملات تعذيب نفسي وجسدي "موثقة"

المختطفون في اليمن.. انتهاكات وحملات تعذيب نفسي وجسدي "موثقة"

شارك القصة

تؤكد المعلومات وجود آلاف المدنيين في سجون غير رسمية بمناطق سيطرة جماعة الحوثي، فيما قامت قوات مدعومة من دولة الإمارات في مدينة عدن بإنشاء سجون سرية.

يظلّ ملف المختطفين والمخفيّين قسرًا في اليمن شائكًا ومعقّدًا في ظلّ تورط كل أطراف الصراع في اليمن مع استمرار وتيرة الحرب وغياب الدور الرسمي للحكومة الشرعية والدور الرقابي للمنظمات الدولية.

وإذا كان المواطن اليمني هو الذي يدفع ثمن كلّ ذلك من أمنه وأمانه من دون حلّ واضح على المدى القريب، فإنّ حالات الاختطاف والإخفاء القسري الموثّقة التي تطال المدنيين أصبحت كثيرة، حيث تُمارَس ضدّهم أنواع من التعذيب الجسدي والنفسي.

وتؤكد المعلومات والتقارير الحقوقية وجود آلاف المدنيين في سجون غير رسمية بمناطق سيطرة جماعة الحوثي، فيما قامت قوات مدعومة من دولة الإمارات في مدينة عدن جنوبي اليمن بإنشاء سجون غير قانونية، ويقبع آخرون في سجون قوات الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا.

تعذيب نفسي وجسدي في سجون الحوثي

يتعرّض المدنيون لانتهاكات متعدّدة وحملات من التعذيب النفسي والجسدي في سجون جماعة الحوثي.

من هؤلاء مثلًا الشاب العشريني محمد خالد الذي اعتقلته جماعة الحوثي من مقرّ عمله شرق مدينة تعز مطلع العام 2018. أصيب الرجل بإعاقة دائمة نتيجة التعذيب الذي تعرض له داخل سجون جماعة الحوثي طيلة عامين.

وتثبت ذلك التقارير الطبية التي حصلنا عليها خلال بحثنا، والتي يؤكده خالد نفسه لـ"العربي"، مستذكرًا مرحلة اعتقاله في 5 مارس/ آذار 2018، وأساليب التعذيب المتنوّعة التي استُخدِمت ضدّه.

وخلال إعدادنا للتحقيق أيضًا، دلّنا أحد المارة على أسرة أنور الركن الذي تمّ اختطافه من قبل جماعة الحوثي غربي مدينة تعز، وهو في طريق عودته من محافظة صنعاء، وتمّ اقتياده على مكان مجهول، ولمدّة عشرة أشهر قبل أن يُفرَج عنه بجسد هزيل وحالة صحية متدهورة ليفارق الحياة بعد ذلك بأيام قليلة.

يقوله شقيقه عبد السلام الركن لـ"العربي": "نحن لم نعرف عن اعتقاله نهائيًا. انقطع لأشهر من دون أن نعرف أين هو إلى أن وجدناه وقد أصبح بمثابة هيكل عظمي".

أوضاع مزرية وأشكال تعذيب

عن أشكال التعذيب في سجون جماعة الحوثي، تتحدّث رئيسة رابطة أمهات المختطفين أسماء الراعي لـ"العربي"، حيث تكشف أنّ بينها حبس المختطفين في شقة في سجن الصالح تسمى بشقة المشائخ (أي المجانين). وتضيف: "من وسائل التعذيب أن يُحبَس الشخص السليم مع هؤلاء المجانين في غرفة ضيّقة، كما أنّ هناك الكثير ممن صعقوا بالكهرباء وغيرها ما أدى ببعضهم لفقدان بعض أطرافهم".

من جهته، يشير المسؤول في منظمة سام الحقوقية ياسر المليكي إلى أنّ "أوضاع السجون مزرية وهو ما تؤكده الشهادات التي استمعنا إليها لضحايا تمكنوا من الخروج أو افرج عنهم من هذه السجون في كل المحافظات اليمنية".

ابتزاز مالي وأكثر

ويكشف المليكي في حديث لـ"العربي" عن شكل آخر لاختطاف المدنيين في اليمن يتّخذ صفة الابتزاز المالي، موضحًا أنّ الكثير من المفرج عنهم تحدثوا عن أنهم لم يطلقوا من سجون جماعة الحوثي إلا بعد دفهم فدى مالية.

من جهته، يؤكد وكيل وزارة الثقافة في الحكومة اليمنية عبد الهادي العزعزي لـ"العربي" أنّ الحوثي منذ دخل صنعاء كان يختطف مواطنين بهدف ابتزاز أهلهم وذويهم، "وهذه المسألة تحولت إلى مؤسسة إيراد مالي للحوثي لتعزيز تماسك الجماعة عبر ابتزاز الناس وعائلاتهم".

وتلفت رئيسة رابطة أمهات المختطفين أسماء الراعي بدورها، إلى أنّ "شهية الحوثي في ظل التبادل والمقايضة بالمال تتسع بين الفترة والأخرى لتطال الكثير من المختطفين وما تزال وتيرة الاختطافات مستمرة".

سجون غير رسمية للإمارات

وجهتنا الثانية كانت صوب العاصمة المؤقتة عدن جنوب اليمن، حيث تنتشر فيها جماعات مسلحة وأحزمة أمنية مدعومة من دولة الإمارات تدار بأدوات محلية.

وقد اتهمت تقارير حقوقية المجلس الانتقالي بإنشاء سجون سرية تشرف عليها دولة الإمارات بشكل مباشر.

آخر تلك التقارير حمل عنوان "الغيبة الطويلة" صدر منتصف العام 2021 وأطلقته من مقرها في جنيف منظمة يمنية حقوقية تدعى "سام للحقوق والحريات".

ووفقًا لتقرير بعنوان "في العتمة" أصدرته منظمة "مواطنة لحقوق الإنسان في اليمن" عام 2020، اتهمت دولة الإمارات باستحداث سجون غير رسمية جنوبي اليمن تخفي فيها قسرًا المناوئين لها

كما حمّل التقرير أيضًا الإمارات مسؤولية إنشاء جماعات مسلحة جنوبي اليمن تدين لها بالولاء تحت مسميات مختلفة كالحزام الأمني والنخبة الحضرمية والنخبة الشبوانية، حيث ساهمت هذه المكوّنات في إدارة تلك السجون.

مهمة محفوفة بالمخاطر

بدت مهمّتنا معقدة ومحفوفة بالمخاطر مع مخاوف المواطنين من أساليب الاختطاف القسري والتعذيب الذي يطالهم في تلك السجون.

حاولنا التواصل مع الكثير من ضحايا الاختطاف لكنهم لم يدلوا بشهاداتهم خوفًا على ذويهم المختطفين في سجون قوات الحزام الأمني

بعد عدة محاولات استطعنا التواصل مع الشقيق الأكبر لضياء وفؤاد اللذين تمّ اختطافهما عام 2016 من مقر عملهما في دار سعد وإخفاؤهما حتى اللحظة.

يقول شقيق ضياء وفؤاد، قاسم حمود: "تم التحقيق معهم وتعذيبهم في البداية. طالبنا بها فإذا بهم يتمّ إخفاؤهم تمامًا ولا نعلم إلى أين ذهبوا منذ خمس سنوات".

تمكّنا كذلك من الاتصال ومقابلة شاب كان مختطفًا في منطقة بئر أحمد. كان لقاؤنا معه بطريقة سرية. كما أنه طلب منّا عدم إظهار صورته وتغيير نبرات صوته خوفًا على حياته.

روى لنا الكثير عن أساليب التعذيب التي تعرّض لها بعد اعتقاله وإيداعه في زنازين "ضيقة جدًا"، كاشفًا أنّ ضباطًا وجنودًا إماراتيين كانوا يقومون بالتعذيب في تلك السجون، قائلًا إنه "ليس لديهم رحمة".

حالات الاختطاف القسري بالأرقام

ووفقًا لتقرير منظمة "سام" احتلّت جماعة الحوثي المرتبة الأولى من بين أطراف الصراع في حجم جرائم الإخفاء القسري بواقع 904 حالات احتجاز تعسفي و353 حالة إخفاء قسري و138 حالة تعذيب منها 27 واقعة وفاة في مكان الاحتجاز.

وبحسب التقرير أيضًا، احتل المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيًا المرتبة الثانية بواقع 419 حالة احتجاز تعسفي و327 حالة إخفاء قسري و141 حالة تعذيب منها 25 واقعة وفاة في مكان الاحتجاز.

كما حمّل التقرير الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا المسؤولية عن 282 حالة من احتجاز تعسفي أو مسيء و90 حالة إخفاء قسري و65 حالة تعذيب منها 14 واقعة وفاة في مكان الاحتجاز.

أي دور للمنظمات الإنسانية الدولية؟

باختصار، تشير كل الشواهد إلى أن كل أطراف الصراع في اليمن متورطة في قضية المختطفين والمخفيين في سجونها.

يدفع ذلك إلى التساؤل عن دور المنظمات الإنسانية الدولية. وفي هذا السياق، يوضح الناطق الرسمي باسم منظمة الصليب الأحمر الدولي في اليمن بشير عمر أن الحرب في هذا البلد كبيرة ومتشعبة وهناك الكثير من الأطراف التي تلعب دورًا حاسمًا في النزاع المسلح.

ويشير في حديث إلى "العربي"، إلى أن هذا الأمر يحتاج لكثير من التنسيق وبناء الثقة مع هؤلاء الأطراف بحيث يسمحون لنا بالوصول إلى أماكن الاحتجاز.

ويؤكد أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر ليس لديها لا قدرة عسكرية ولا قدرة سياسية لإقناع الأطراف بالإفراج عن جميع الأشخاص سواء كانوا معتقلين أو أسرى أو محتجزين.

يذكر أنّ "العربي" تواصل مع شخصيات من جماعة الحوثي والمجلس الانتقالي كونهم متورطين حسب التقارير والشهادات الحية لضحايا الاختطاف التي حصلنا عليها في هذا التحقيق لكننا لم نتلقّ أي رد.

تابع القراءة
المصادر:
العربي
تغطية خاصة
Close