الخميس 12 Sep / September 2024

المشهد السياسي في ليبيا.. صوت الرصاص يعلو على تفاهمات السلطة

المشهد السياسي في ليبيا.. صوت الرصاص يعلو على تفاهمات السلطة

شارك القصة

بلغ عدد قطع السلاح المنتشرة في ليبيا 29 مليون قطعة، وهو عدد لم يسجَّل في أي بلد آخر خلال السنوات الأربعين الماضية، وتتوزع بين قرابة 1600 كتيبة مسلحة.

بعد أقلّ من أسبوعين على توصل الفرقاء في ليبيا إلى تفاهمات حول تقاسم السلطة، علا صوت الرصاص مجدّدًا في سماء العاصمة الليبية، مع اعتراض مجموعة مسلحة موكب وزير الداخلية في حكومة الوفاق الوطني فتحي باشاغا، في عملية قيل إنها محاولة اغتيال.

وأعاد استهداف باشاغا إلى الواجهة التوترات المسلحة التي تظهر بين الفينة والأخرى مع كل تحوّل للمشهد السياسي في البلاد، كما أثار المخاوف من عودة دوامة العنف إلى المشهد الليبي، بما يشوّش على مرحلة انتقالية يدعمها اللاعبون الإقليميون والدوليون.

وبهذا المعنى، قد تربك هذه الحادثة حسابات السلطة التنفيذية الجديدة التي تستعدّ لتنفيذ مخرجات ملتقى الحوار السياسي وتشكيل حكومة وحدة وطنية ومجلس رئاسي، في مرحلة انتقالية تقود البلاد نحو انتخابات في شهر ديسمبر/ كانون الأول المقبل.

وسط ذلك، تُطرَح تساؤلات حول دلالات الحادثة التي طالت وزير الداخلية فتحي باشاغا من حيث التوقيت، وكيف تؤثر التوترات بين القيادات والأحزاب على التفاهمات السياسية، فضلًا عن مدى انعكاس التوافقات الإقليمية والمستجدات الدولية على الداخل الليبي، بعد مرور عقد على اندلاع ثورة 17 فبراير.

انتشار الأسلحة في ليبيا

وأعادت الحادثة التي استهدفت باشاغا، الحديث عن انتشار الأسلحة في ليبيا، في ظاهرة تفاقمت بعد سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، وهو ما أسهم في زعزعة استقرار البلاد، ولا سيَّما بعد العام 2014.

وبحسب تقديرات أممية لعام 2019، فإنّ عدد قطع السلاح المنتشرة في ليبيا بلغ 29 مليون قطعة، بين خفيفة ومتوسطة وثقيلة، وهو عدد لم يسجَّل في أي بلد آخر خلال السنوات الأربعين الماضية.

وتتوزع هذه الأسلحة بين قرابة 1600 كتيبة مسلحة، وتدعم قوة حماية طرابلس حكومة الوفاق الوطني، وتنضوي تحتها عدة قوات، أبرزها قوات الردع الخاصة، وكتيبة ثوار طرابلس، وكتيبة الأمن المركزي والتدخل السريع.

أما حكومة الوفاق فتؤيد كتائب في مصراتة أهمها قوات البنيان المرصوص، وكتائب لواء المحجوب ولواء الحلبوص.

وفي الشرق، تسيطر القوات التابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر، وأهمها كتيبة القوات الخاصة (الصاعقة)، وكتيبة 106 في بنغازي، إضافة إلى غرفة عمليات عمر المختار التي تسيطر على منطقة الهلال النفطي.

وخلال الحرب في ليبيا، اشتدّت المعارك للسيطرة على القواعد العسكرية والجوية، أبرزها قاعدة الوطية ومعيتيقة ومصراتة، إضافة إلى قاعدتي الأبرق والجفرة الجويتين.

ما حدث مع باشاغا "حادث عرضي"

عمومًا، يستغرب المحلل السياسي والمستشار السابق في المجلس الأعلى للدولة في ليبيا أشرف الشح الحديث عن "محاولة اغتيال" تعرض لها باشاغا، مشيرًا إلى كلّ الشواهد تدلّ على أن ما حصل "حادث أمني عرضي" لم يكن وزير الداخلية مستهدَفًا به.

وإذ يرى الشح، في حديث إلى "العربي"، أن وزير الداخلية "استغلّ هذا الحادث لتوظيفه سياسيًا"، يعتبر أنّ التركيز على هذه الحادثة وإظهارها وكأنّها المربك الرئيسي لأي تقدم في التحول السياسي القادم "غير سليم ولا تعكسه الأحداث والتطورات على الأرض".

ويشدّد الشح على أنّ تطور الأحداث على الأرض يتوقف على مدى رغبة الفاعلين السياسيين في الوصول إلى توافقات مرحلية للوصول إلى الهدف الأكبر وهو انتخابات نهاية السنة.

ويشير الشح إلى أنّ "الشواهد حتى الآن لا تدل على أن هناك رغبة في التقدم، وما زالت نفس الطرق السابقة التي عرقلت مسيرة التقدم السياسي مستمرة حتى الآن".

محاولات حقيقية للتهدئة والتقدم في ليبيا

في المقابل، يرفض الباحث في مركز الدراسات الدولية في جامعة جونز هوبكنز حافظ الغويل التكهن بحقيقة ما جرى مع فتحي باشاغا، داعيًا لترك التحقيقات تحدّد ما إذا كان محاولة اغتيال أم لا، علمًا أنّ أغلبية الدول والبعثات الخارجية وصفت الحادثة بأنها محاولة اغتيال.

لكنّ الغويل ينبّه، في حديث إلى "العربي"، إلى أنّ نجاح هذه العملية، بمعزل عن طبيعتها، "كان يمكن أن يهدد الاتفاق السياسي والعسكري ويضع شكوكًا كبيرة حول قدرة الدولة على المحافظة على الأمن".

ويحذر الغويل من أنّ من شأن ذلك "خلق مشاكل قد يترتب عليها عنف جهوي لمحاولة الانتقام لما حدث لفتحي باشاغا أو يُظهِر أن طرابلس مدينة غير آمنة".

ولذلك، يعتبر الغويل أن "الحادثة بحد ذاتها كان يمكن أن تجر البلد إلى مشاكل أكبر في فترة حرجة جدًا مع محاولة تشكيل حكومة". إلا أنه يعرب عن اعتقاده بأن هناك "محاولات حقيقية للتهدئة والتقدم في المسار السياسي والعسكري بحسب الاتفاق الذي تمّ إبرامه في جنيف".

وضع أمني "هشّ" في ليبيا

أما مدير مركز "البيان" للدراسات نزار كريكش، فيتحدث عن "وضع أمني هش" انتهت إليه الأمور في ليبيا منذ عقد من الزمن، لافتًا إلى وجود ما يصفها بـ"حالة مؤسسية فيها تنافر بين المؤسسات الأمنية".

ويوضح كريكش، في حديث إلى "العربي"، أنّ "كل حكومة تأتي تحاول أن تصلح ما أفسدته الحكومة السابقة"، مشيرًا إلى أنّ ذلك "أوصلنا إلى حالة هشّة من الناحية المؤسساتية في الجوانب الأمنية، لدرجة أنّ كل حادث بسيط مثل ما حدث مع باشاغا يمكن أن يكبر".

وينبّه إلى أنّ "هذا الوضع ينذر بأنه إذا لم يكن هناك استقرار سياسي سريع وفعل حكومي قادر على بعث رسالة ثقة للناس وللمؤسسات، فإن أي حدث بسيط يمكن أن ينفجر ويصبح مشكلة حقيقية".

ويخلص كريكش إلى "أننا الآن أمام مستوى قليل من العنف لكنه مرشح للازدياد في حال استمر هذا التنافر بين المؤسسات".

تابع القراءة
المصادر:
العربي