في وقت دخلت فيه الحرب الأوكرانية شهرها الثامن، توقعت منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي أن تواصل دول العالم دفع ثمن باهظ لتلك الحرب التي تفجرت منذ 24 فبراير/ شباط الماضي.
وخفّضت المنظمة بشكل واضح توقعاتها للنمو العالمي العام المقبل في مواجهة آثار أكثر استدامة مما كان متوقعًا، مع دفع أوروبا الثمن الأكبر.
وكتبت المنظمة في تقرير نُشر اليوم الإثنين، تحت عنوان "دفع ثمن الحرب" أن "توقعات النمو العالمي تراجعت".
ويدفع انعدام الهدوء، المتمثل خصوصًا بقرار التعبئة الجزئية لقوات الاحتياط التي أعلنها الرئيس الروسي فلادمير بوتين منذ 21 الشهر الجاري المنظمة الدولية إلى التشاؤم في ما يخصّ المستقبل الاقتصادي القريب.
وفور إعلان بوتين التعبئة، ذهبت التوقعات إلى أن روسيا تعطي إشارة على أنها تستعد إلى حرب طويلة الأمد.
وبعد عام 2022 الذي كان مرهقًا بالنسبة للأُسر والشركات لا سيما بسبب ارتفاع التضخم، ترى المنظمة ومقرّها باريس أن "النمو العالمي سيواصل تراجعه عام 2023".
وتتوقع المنظمة أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 2,2% في مقابل 2,8% في توقعاتها السابقة في يونيو/ حزيران الماضي. رغم أنها أبقت على توقعاتها للنمو لهذا العام عند نسبة 3% بعدما خفّضتها بشكل واضح في الأشهر الأخيرة.
وتشير المنظمة إلى أن "ضغوط التضخم تصبح معممة أكثر فأكثر، إذ إن ارتفاع أسعار الطاقة والنقل وتكاليف أخرى تؤثر على الأسعار".
خسائر كبيرة
وقد خفّضت المنظمة توقعاتها للعام 2023 في كل الدول الأعضاء في مجموعة العشرين تقريبًا باستثناء تركيا وأندونيسيا وبريطانيا حيث يُتوقع أن يشهد الاقتصاد ركودًا.
ولإظهار حجم الصدمة التي تمثّلها الحرب الأوكرانية على الاقتصاد العالمي، قدّرت منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي الخسائر المالية المتوقعة العام المقبل مقارنة بالتوقعات قبل بدء الحرب في أوكرانيا، بـ2800 مليار دولار.
وبحسب المنظمة فإن الدول المجاورة لأوكرانيا وروسيا هي التي ستدفع الثمن الأكبر.
إذ سيخضع النمو في منطقة اليورو للمراجعة الأكبر من بين كافة مناطق العالم، مع توقع أن يبلغ 0,3% في مقابل 1,6% في التوقعات السابقة في يونيو/ حزيران الماضي؛ نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم الذي يتوقع أن يبلغ هذا العام 8,1% و6,2% العام المقبل.
وتتوقع منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي أن يكون الركود الذي يلوّح به كبار الاقتصاديين العالميين منذ أشهر كخطر كبير، السيناريو المقبل في ألمانيا: إذ إن أكبر قوة اقتصادية أوروبية ستشهد بحسب المنظمة، تراجع ناتجها الإجمالي المحلي بنسبة 0,7% العام المقبل، في انخفاض قدره 2,4 نقطة مئوية مقارنة بالتوقعات السابقة.
ويُتوقع أن يبلغ النمو 0,4% في إيطاليا و1,5% في إسبانيا و0,6% في فرنسا حيث لا تزال الحكومة تتوقع نموًا بنسبة 1%.
من جانبه، يتوقع صندوق النقد الدولي، في تقريره الأخير الصادر في يوليو/ تموز الماضي، نموًا بنسبة 0,8% في ألمانيا و1% في فرنسا و1,2% في منطقة اليورو، إلا أنه قد يخفّض توقعاته في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
ومن بين المناطق الكبرى الأخرى، تتوقع منظمة التعاون والتنمية أن يبلغ النمو الأميركي 0,5% في مقابل 1,2% في التوقعات السابقة في يونيو/ حزيران الماضي، والنمو الصيني 4,7% في مقابل 4,9%.
غموض كبير
وتوضح المنظمة أن "غموضًا كبيرًا يلفّ التوقعات الاقتصادية"، خصوصًا مع خطر نقص موارد الطاقة في فصل الشتاء.
ويهدد الارتفاع الحاد للأسعار نشاط عدد متزايد من الشركات التي اضطر بعضها لخفض أنشطته.
وترى المنظمة أن نقصًا أكبر من المتوقع للغاز، قد يؤدي بتأثير متتابع، إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو بـ1,25 نقطة إضافية العام المقبل، ما سيدفع عددًا من الدول إلى الغرق في ركود.
ويثير هذا السيناريو قلقًا كبيرًا إذ أن المصارف المركزية في الدول المتطوّرة وتلك الناشئة ملتزمة بشكل صارم زيادة معدلات الفائدة لاحتواء التضخم، رغم وجود خطر هنا أيضًا بتقويض النمو.
وتؤكد منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي أن رفع معدلات الفائدة هو "عامل أساسي" في التباطؤ الحالي إلا أنها تدعو المصارف المركزية إلى مواصلة ذلك لتجنّب زيادة المعدّلات بشكل أكبر في حال استمرّ ارتفاع التضخم.
وتقول المنظمة إن التدابير المالية الموجّهة والموقتة للأُسر والشركات هي جزء من الحلّ في مواجهة حالة الطوارئ، معتبرةً أن التدابير التي اتُخذت حتى الآن لكبح ارتفاع أسعار الطاقة كانت "موجّهة بشكل سيء" لأنها غالبًا ما كانت تعود بالفائدة لعدد فائض من الأُسر والشركات.