بات اسم رياض سلامة في السنوات الأخيرة أشهر من نار على علم، ليس لكونه حمل لقب "حاكم مصرف لبنان" منذ 30 عامًا، ما يجعلها الفترة الأطول في خدمة محافظ بنك مركزي في العالم، ولكن بسبب الملفات القضائية التي فُتِحت في وجهه، مع وصول لبنان إلى نفق الإفلاس في عهده.
وإذا كان رياض سلامة اكتسب صيتًا حسنًا لسنوات طويلة من ولايته، وُصِف معها بأنّه من أفضل حكّام المصارف المركزية في العالم، لقدرته على المحافظة على الليرة، فقد اعتبر كثيرون ذلك "خدعة كبيرة" تبيّن بعد العام 2019 أنّها لم تكن أكثر من "وهم".
فمع رياض سلامة، بات اسم مصرف لبنان اليوم مرادفًا للأزمة المالية التي تعيشها البلاد منذ العام 2019، وتحوّل حاكم مصرف لبنان ممّن يحافظ على الليرة واستقرارها إلى المسؤول الأول عن انهيار العملة وفقدان الودائع.
أكثر من ذلك، تحوّل مصرف لبنان ومعه الحاكم إلى مسؤول مباشر عن انهيار العملة المحلية، ودخلت البلاد في واحدة من أخطر الأزمات المالية والاقتصادية، ومن دولار يوازي أقل من 2000 ليرة إلى 100 ألف ليرة للدولار الواحد.
رياض سلامة.. "الحاكم بأمر البلاد ماليًا"
مصرف لبنان المركزي الذي تأسس عام 1963، توالى على حاكميته أربعة أشخاص، قبل أن يتربّع رياض سلامة على عرش الحاكمية منذ 30 عامًا، ما يجعلها الفترة الأطول في خدمة محافظ بنك مركزي في العالم.
يتمتع حاكم البنك المركزي بصلاحيات واسعة حدّدها له قانون النقد والتسليف تبدأ بإدارة المصرف المركزي، ولا تتوقف عند حدود وضع السياسات النقدية والهندسات المالية للبلاد.
يصدر المصرف ويطبع الليرة اللبنانية ويحافظ على الاستقرار النقدي وينظّم القطاع المصرفي ويحدّد قوانينه ويشرف على عمل المصارف.
بنتيجة ذلك، أعطي حاكم مصرف لبنان صلاحيات واسعة، حيث وصفه البعض بالحاكم بأمر البلاد ماليًا، فهو يعيّن أعضاء المجلس المركزي لمصرف لبنان وله صلاحيّات عزلهم، وهو يترأس المجلس وهيئة التحقيق الخاصة والهيئة المصرفية العليا، وتعيين أعضاء المجلس للهيئتين يمرّ عبره. ومن هنا، نادرًا ما خالف أيّ منهم رأي الحاكم.
تسلّم رياض سلامة منصب وصلاحيات حاكم مصرف لبنان عام 1993، وتسلّم كذلك قطاعًا يحتاج إلى كثير من الإصلاح، ما استدعى سياسة نقدية أخرجت البلاد من الحرب وتداعياتها، لكنها أدخلتها بعد 30 عامًا في أزمة اقتصادية يصعب التعامل معها أو وقف تفاقمها.
كيف أدخلت سياسات #رياض_سلامة #لبنان إلى نفق الإفلاس؟#العربي_اليوم تقرير: جويس الحاج خوري pic.twitter.com/pegjMcJfTf
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) July 31, 2023
ولكن كيف أوصلت السياسات المالية لبنان إلى ما هو عليه اليوم؟
يمثّل تحوّل الاقتصاد من الليرة اللبنانية إلى الدولار واعتماد البلاد بشكل أساسي على الدولار سببًا مباشرًا في تعثّر البلاد ماليًا عند أول شحّ بالعملة الأجنبية. كما أن تنامي الديْن العام الذي بات يفوق 100 مليار دولار، وعدم معالجة مكامن الهدر في إدارات الدولة وإيراداتها، أسهما كثيرًا في انخفاض احتياطي مصرف لبنان من العملة الأجنبية.
اعتمد مصرف لبنان بصورة رئيسية على أموال المودعين بالعملة الأجنبية، فرفع نسبة الفوائد لاستقطاب مزيد منها، ما مكّنه من الحفاظ على استقرار سعر الليرة اللبنانية.
لكنّ الاعتماد على هذه الأموال وحدها من دون دعم القطاعات المنتجة كالزراعة والصناعة، والإفراط في مديونية الدولة اللبنانية وتمويل قطاع الكهرباء من دون إيرادات واكتتاب مصرف لبنان بسندات اليوروبوند، وهي سندات الدين التي تصدرها الحكومة بالعملة الأجنبية، كلها عوامل مثّلت الأسباب المباشرة للأزمة في ظلّ العجز في ميزان المدفوعات.
أما ما يتعلق بتقييم موجودات المصرف المركزي، فلا يتطرّق إليها إطلاقًا، بل وأكثر من ذلك، يتمّ حاليا التكتم بشأن مضمون تقرير التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان والذي يفترض أن يكشف حقائق حول مصير الأموال.
وفي حين يسأل اللبنانيون عن مصير ودائعهم في المصارف، يواجه حاكم مصرف لبنان ومجموعة من موظفي المركزي ومصرفيون آخرون تهم تبييض الأموال وتهريبها وجمع ثروات بطرق غير مشروعة.