ما قبل الرابع من أغسطس/ آب 2020 ليس كما بعده في لبنان، حيث غيّر انفجار مرفأ بيروت حياة الآلاف من سكان العاصمة والعاملين فيها.
وإن كانت الكارثة، التي أودت بحياة ما يزيد عن مئتي شخص وجرح الآلاف، قد وثقتها عدسات الكاميرا، فإن مصائر من عايشوا الحادث الأليم تروي مجتمعة قصة مدينة انفجر قلبها وأصابت الشظايا محبيها.
تلك المصائر تماهت مع ما ألمّ ببيروت، التي ظلّت صامدة رغم المصاب، لكن ندوبها تشي بما خسرته وتعاني منه منذ ذلك الحين. وعلى غرار الضحايا لم تتحقق العدالة للعاصمة، مع عدم معاقبة أي من المتسبّبين بمرور عامين.
مضى إلى المهمة
انفجر مرفأ بيروت نتيجة تخزين كميات كبيرة من مادة نيترات الأمونيوم إثر اندلاع حريق لم تُعرف إلى الآن أسبابه.
الحريق هبّ إلى إطفائه 10 عناصر من فوج الإطفاء، لم يلبثوا أن قضوا جميعًا بوقوع الكارثة. أحدهم رامي الكعكي، الذي أصرّ على قيادة سيارة الإسعاف وعدم ترك المهمة لزميله وفيق السباعي، الرقيب في فوج إطفاء بيروت.
كرّر وفيق طلبه من رامي أن يذهب بنفسه بدلًا منه إلى المرفأ، لكن رامي رفض ومضى في طريقه إلى المهمة. هي رسالة من الله ربما، قال السباعي: إن الله أخذ رامي لنكمل نحن مسيرته.
والكعكي وُلد نجله رامي رامي الكعكي بعد رحيله، ليعاني الصغير أثقال انفجار وقع قبل ولادته، لكنه لن يجد مفرًا من استشعار مأساته مدى الحياة.
لم يصمد طويلًا
خارج المرفأ كان الشاب إلياس خوري في منزله بمنطقة الأشرفية في بيروت، عند وقوع الانفجار. فأُصيب وشقيقته بجروح بليغة.
لم يصمد إلياس طويلًا ورحل بمضي أسبوعين على إصابته تاركًا ألمًا كبيرًا في قلوب ذويه ومن عرفوه.
في يوليو/ تموز الماضي، نشر مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي صورًا لطلاب بملابس التخرج يرفعون قبعة فوق لوحة تحمل رسمًا لإلياس.
هؤلاء كانوا زملاءه على مقاعد الدراسة وشاركوا - بحسب المنشورات - في تشييعه وحمل نعشه، وكان الخوري ليتخرج معهم من الثانوية العامة، ويخطو برفقتهم نحو الجامعة.
سما: أريد عيني
أدى انفجار مرفأ بيروت إلى إصابة أكثر من 400 شخص في عيونهم، فحرمهم من أبصارهم أو أصابهم بأضرار مزمنة.
الطفلة سما مخول الحمد، أُصيبت حينها في عينها، وظهرت في مقطع مصوّر عقب الانفجار وهي تقول: "بدي عيني".
سما التي أُصيبت بشظية، وظهرت بضمادة على الوجه، كانت في صالون منزلها في بيروت يوم الرابع من أغسطس 2020.
وشرح والدها في تقرير مصوّر عبر "العربي"، أن طفلته كانت بعيدة قرابة المترين عن النافذة عند دوي الانفجار.
ولفت إلى أن زوجته سارعت إلى حماية سما، فخبأتها في حضنها، لكن العائلة انتبهت بعد بضع دقائق إلى النزيف من عين الصغيرة.
“بدّي عيني“.. #انفجار_بيروت كان آخر ما رأته هذه الطفلة بعينين مبصرتين قبل أن يسرق إحداهما 👇 pic.twitter.com/vVpRwOfOXy
— أنا العربي - Ana Alaraby (@AnaAlarabytv) August 18, 2020
تمنوا سماع أصواتنا
نيكول سمارة بدورها أُصيبت بالانفجار. كانت في مقر عملها في العاصمة، ودفعها ضغط الانفجار وزملاءها إلى الخلف، ثم وقعت عليها أخشاب وزجاج وشاشات حواسيب.
قالت في إطلالتها عام 2020 عبر "العربي" إنها ومن كانوا معها في المكان عملوا بمضي بعض الوقت على مساعدة بعضهم، وخرجوا من المبنى.
وأشارت إلى أن سحب الدخان كانت حينها في كل مكان، والأرض في منطقة الأشرفية يغطيها ما يشبه السجادة من الزجاج.
وقالت: إن البعض اعتقد أن ما حصل قصف على الحي، متحدثة عن رحلتها من مستشفى إلى آخر طلبًا للإسعافات.
وكشفت أنها وصلت في نهاية الأمر إلى مستشفى في ضواحي بيروت، وتمكنت وزملاءها من الاتصال بأهاليهم الذين "كانت أمنيتهم سماع صوتنا".
وُلد عند انفجار مرفأ بيروت
يطل الطفل جورج خنيصر على متابعيه عبر تطبيق الصور "إنستغرام"، في منشورات تبيّن "إطلالاته الإعلامية" وتظهر مراحل نموه.
الحساب يديره والدا الصغير، الذي قُدر له أن يبصر النور في الرابع من أغسطس 2020، بالتزامن مع وقوع انفجار مرفأ بيروت.
وكان والد جورج قد أشار في حديث عبر "العربي" إلى تفاصيل ذلك اليوم، فلفت إلى شعور زوجته بآلام المخاض صباحًا.
وأوضح أن الانفجار وقع لدى دخول زوجته إلى غرفة الولادة، متحدثًا عن الأضرار التي لحقت على الأثر بالمستشفى. وأفاد بأن طفله وُلد على ضوء الهاتف.