أحيت العاصمة اللبنانية بيروت، أمس السبت، اليوم العالمي للمسرح رغم كل الظروف الصعبة التي تحيط بهذا البلد الصغير الذي يتخبط بأزماته السياسية والاقتصادية، في حدث فني بامتياز بشارع الحمرا.
فقد استقبل مسرح المدينة الذي أسسته وتشرف عليه الممثلة والمخرجة اللبنانية نضال الأشقر، عشاق المسرح من مختلف المناطق حيث عُرض بهذه المناسبة فيلم وثائقي للمخرج الشاب عمر نعيم نجل الأشقر وزوجها المخرج والممثل والفنان التشكيلي فؤاد نعيم بعنوان "مدينتان".
مسرح نضال الأشقر بعدسة الحنين
ووفق وكالة "رويترز"، يمزج فيلم "مدينتان" بين التوثيق للمسرح الأقرب إلى حلم حولته الأشقر إلى مدينة بحد ذاته، والواقعية السردية، إذ سلط عمر نعيم الضوء على العلاقة الجميلة والمؤثرة بين والديه اللذين كرسا أيامهما للمسرح والأضواء ومع ذلك عاشا حياة شخصية حميمية لا أحد يعرف حيثياتها.
وينطلق الشاب في فيلمه المليء بالعواطف والحنين والعفوية، من الاحتفالية الضخمة التي عاشها مسرح المدينة عام 2016 عندما أقيم مهرجان بمناسبة مرور 20 سنة على تأسيس هذا المعلم البيروتي الذي زاره كبار الفنانين وأرادته الأشقر ملاذا آمنا يحضن الفنان.
وفي تلك السنة كان عمر الذي يقيم في الولايات المتحدة يزور لبنان، وقرر أن يوثق كواليس هذا الاحتفال الضخم الذي ضم برنامجًا زاخرًا بإبداعات المشاركين فيه.
بدوره، يروي عمر "لرويترز" في اتصال من الولايات المتحدة بعد انتهاء الفيلم: "أدركت حينها أنه من خلال هكذا وثائقي أستطيع أن أعالج الموضوع بشكل يتخطى القصة نفسها لأنه بدا لي أن هناك موضوعًا لبنانيًا بامتياز، أي موضوع من يناضل من أجل الكرامة في الوقت الذي تعمل بلادك على قتلك. وعليه كان من الممكن أن يعالج هذا الفيلم أي نشاط ثقافي في لبنان".
وتابع: "قضية الفيلم الحقيقية هي قضية والدتي وقد سعيت جاهدًا أن أجد لغة سينمائية تعبر عنها. أمضت حياتها تسعى أن تؤثر في المجتمع من خلال الفن، وأن تجعل من المسرح الجامع المشترك للقضايا والناس. وكانت دائمًا مقاتلة شرسة ضد الظلم واللا عدالة. وقد شاهدت كيف الفساد والظلم يؤلمانها".
ويضيف: "من جهة أخرى حاولت أن أصنع فيلمًا يعكس كل تلك المشاعر المعقدة التي لدينا جميعًا عن لبنان… ورويدًا أصبح الفيلم إلى حد ما صورة ذاتية عن أبي وأمي".
أجمل المسارح، #بيروت وأجمل المُدُن، مسرحها. تحية حُب للكبيرة والجميلة نضال الأشقر وخشبة نضالها المستمر.#اليوم_العالمي_للمسرح pic.twitter.com/fj61tg2bZN
— هاشم (@hashem______) March 26, 2022
سيدة مسرح المدينة
أما الأشقر، فأطلت على المسرحيين مرتدية عباءة حمراء مزخرفة بالخطوط الذهبية ورحبت بالحضور قائلة "ما بتعرفوا أديش أنا مبسوطة فيكن، هذا اليوم مخصص للمسرحيين في كل أنحاء العالم".
وتابعت: "نجتمع الليلة حول الحلم، فلولا الحلم لما كنا معًا هذا المساء، نشاهد الليلة فيلم مدينتان الذي انطلق من مسرح المدينة إلى مدينة بيروت".
أما بعد العرض فاتصلت الأشقر بنجلها في الولايات المتحدة لتسمح للحضور بأن يعبر له عن تأثره بهذا الفيلم الذي يروي قصة مسرح تحول مع مرور الوقت إلى مدينة ضمن مدينة بيروت الجريحة بحسب أحد الممثلين.
واقع المسرح العربي
يذكر أن الناس والمعاهد في جميع أنحاء العالم، يحتفلون باليوم العالمي للمسرح يوم 27 مارس/ آذار والذي بدأه المعهد الدولي للمسرح (ITI)، عام 1962.
ووفق موقع "توداي"، يهدف هذا اليوم إلى زيادة الوعي المجتمعي بأهمية المسرح، ونشر الثقافة المسرحية حول العالم.
كما يوفر اليوم أيضًا فرصًا للمجتمعات المسرحية لطرح أعمالها على نطاق واسع، فعلى سبيل المثال، انطلقت في مدينة الكاف التونسية، أمس السبت، الفعاليات الرسمية لمهرجان "24 ساعة مسرح دون انقطاع"، في دورته العشرين، وسط احتفالية بهذا التاريخ، بمشاركة فنانين مسرحيين من تونس وبلدان عربية وأجنبية.
ورمزية اليوم العالمي للمسرح في لبنان، فهي فرصة الاحتفال بعودة الحياة أو ما يُشبهها إلى شارع الحمرا العريق الشاهد على تاريخ العاصمة والذي يرمز إلى أمل اللبنانيين بالنهوض ولو بعد حين وسط تدهور الحالة الاقتصادية وغياب شبه كامل للحركة الفنية والثقافية.
وفي السياق، كان هاشم عدنان المخرج المسرحي قد شبه هذا الاحتفال العالمي بالمسرح لـ"العربي" عام 2019 بالاحتفال بالحياة والربيع وكل ما له تأثير شامل على الناس.
ومن بيروت تحدث عدنان عن العقبات التي يواجهها المسرحيين العربيين ولا سيما لجهة إحياء العروض في مختلف البلدان العربية، والصعوبات التي تفرضها الحروب في المنطقة.