الجمعة 27 Sep / September 2024

بسبب جنس الجنين.. ألبانيا تفقد آلاف الإناث بفعل ظاهرة الإجهاض

بسبب جنس الجنين.. ألبانيا تفقد آلاف الإناث بفعل ظاهرة الإجهاض

شارك القصة

صعوبة ولادة البنات في ألبانيا
قالت ممثلة صندوق الأمم المتحدة للسكان إن ألبانيا خسرت 21 ألف فتاة خلال السنوات العشر الأخيرة - غيتي
تقول تقديرات خبراء الأمم المتحدة في تيرانا إن نسبة إجهاض الأجنّة الإناث تصل للربع لدى الأسر التي تضم أصلًا ابنة أولى.

بفعل عمليات إجهاض انتقائية بحسب الجنس لوأد الأجنّة الإناث، حُرِمت ألبانيا من ولادة آلاف البنات في السنوات الأخيرة. وهي أيضًا حال دول أخرى في منطقة البلقان التي تسود فيها القيم الذكورية، ما يجعل إنجاب الفتيات أمرًا غير مرغوب فيه.

وأفادت لينا، وهو اسم مستعار لامرأة لم ترغب في ذكر اسمها الحقيقي لوكالة "فرانس برس" أنه "عندما اكتشف زوجي أن طفلنا الرابع سيكون فتاة، كاد أن يقتلني".

وأضافت المرأة التي لم تَلِد ابنتها الرابعة قَط: "كنت على استعداد للمخاطرة بحياتي حتى لا تأتي هذه الطفلة إلى العالم".

وكان الموعد القانوني للإجهاض قد انقضى، فقصدت لينا عيادة خاصة أجرت لها عملية إجهاض في ظروف صحية مزرية. وقالت دامعة وبصوت متهدج: "منذ ثلاث سنوات وأنا أعاني آفات في الجهاز التناسلي تتسبب لي أيضًا بمشاكل نفسية".

كآلاف النساء في ألبانيا، كانت حياة لينا لتكون أسهل لو كانت حاملًا بصبي.

دور حملات التوعية

وأفادت ممثلة صندوق الأمم المتحدة للسكان في تيرانا مانويلا بيلو لوكالة "فرانس برس" بأن "ألبانيا خسرت 21 ألف فتاة خلال السنوات العشر الأخيرة"، مضيفة: "عندما يعلم الوالدان أن الجنين أنثى، يختاران، لأسباب مختلفة، إجهاضه بدلًا من الاحتفاظ به".

وتصل نسبة إجهاض الأجنّة الإناث إلى الربع لدى الأسر التي تضم أصلًا ابنة أولى، وفقًا لتقديرات خبراء الأمم المتحدة في تيرانا.

وكانت ألبانيا بين عامي 2000 و2020، تحتل المرتبة الرابعة عالميًا لناحية الفَرق بين المواليد الإناث والذكور. ففي المتوسط، كان يولد 111 صبيًا لكل 100 فتاة، بحسب إحصاءات الأمم المتحدة.

غير أن هذه الهوّة تقلّصت بفضل حملات التوعية. فمن بين 24688 ولادة عام 2022، كانت النسبة 107 ذكور مقابل مئة أنثى، بحسب تقرير "الرجال والنساء 2023" الصادر عن المعهد الألباني للإحصاء.

وفي الهند التي تشكل نموذجًا للإجهاض الانتقائي بسبب جنس الجنين، بلغت النسبة 108 لكل مئة عام 2021.

ولاحظ أستاذ الديموغرافيا في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية أريان يونتسا أن الأرقام لا تزال "أعلى من المتوسط البيولوجي الذي يبلغ نحو 105 مواليد ذكور لكل مئة فتاة".

وشُرِّع الإجهاض في ألبانيا عشية سقوط الشيوعية في مطلع تسعينيات القرن العشرين، ويُسمح به حتى الأسبوع الثاني عشر من الحمل. وبعد ذلك، ينبغي تقديم تقرير موقّع من ثلاثة أطباء إذا كان الإجهاض علاجيًا، لا يُعطى عادةً إلا في حالات تشوه الجنين أو الخطر على الأم. ومنذ عام 2002، نص القانون على حظر الاختيار قبل الولادة.

"في مواجهة مجتمع عدواني"

لكنّ "الانتشار الواسع للتقنيات الجديدة التي تُسهَل اكتشاف جنس الجنين، زادت صعوبة إثبات اللجوء إلى الإجهاض لكون الجنين أنثى"، على قول طبيبة أمراض النساء والتوليد في تيرانا روبينا موسيو.

فاختبار دم بسيط في الأسبوع السابع من الحمل تصل موثوقيته إلى 90%، كفيل بتوفير فكرة عن جنس الجنين، مع أن الأطباء يطالبون بفرض ضوابط صارمة على المختبرات الخاصة التي تجري هذا الاختبار من دون وصفة طبية.

وأطلق مكتب صندوق الأمم المتحدة للسكان في ألبانيا حملة توعية منذ أشهر لإثارة انتباه السكان وكذلك السلطات.

فالخبراء الإقليميون يُجمعون على أن الإجهاض بسبب جنس الجنين يشكل في بعض دول البلقان خيارًا يفرضه المجتمع.

والسبب الأول لذلك هو العقلية التقليدية التي تعتبر الرجل "ركن الأسرة" وتنظر إلى الفتاة على أنها "عبء أو جنس أضعف في مواجهة مجتمع عدواني"، بحسب الصحافية الاستقصائية والناشطة في مجال حقوق المرأة في تيرانا أنيلا خوجا.

وقالت ماريا (اسم مستعار) التي قابلتها وكالة فرانس برس في مكاتب صندوق الأمم المتحدة للسكان في تيرانا: "عندما علم صهري وحماتي أن طفلي الثالث سيكون فتاة أيضًا، شعرا بالاستياء الشديد. حتى إن حماتي عرضت اصطحابي لإجراء عملية إجهاض في منزل خاص".

لكنّ ماريا قررت في نهاية المطاف الاحتفاظ بابنتها، وهي تشعر كل يوم بالسعادة بقرارها.

وفي مونتينيغرو المجاورة لألبانيا، انخفض الفرق بين الذكور والإناث بعدما بلغ 110 في مقابل مئة في مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لكنه لا يزال أعلى من المتوسط.

وتنظر مايا رايسيفيتش التي ترأس مركز حقوق المرأة في بودغوريتشا إلى أن "ثمة علاقة مباشرة بين الأعراف الاجتماعية الذكورية وتفضيل الأبناء الذكور على البنات". وأضافت إلى قائمة عناصر انعدام المساواة "الدور التبعي للمرأة في الأسرة واتكالها كليًا على زوجها اقتصاديًا، لأن لا حصة لها من الممتلكات في مجال الإرث".

وفي عام 2017، أطلق المركز حملة بعنوان #Neželjena- أي "غير مرغوب به". وتهدف هذه الحملة إلى دفع المجتمع إلى "التفكير في القيم التي يتم تناقلها والتي تجعل جنسًا ما مرغوبًا به، وآخر لا يملك الحق حتى في أن يولد".

وقد بدأت منطقة البلقان تلمس نتائج حملات التوعية. "ولكن إذا استمرت الظاهرة وإذا لم تتخذ إجراءات قانونية سريعة (...) فقد تؤدي في المستقبل القريب إلى الإخلال بالتوازن الاجتماعي".

تابع القراءة
المصادر:
أ ف ب
Close