حلّقت المروحية "إنجنويتي" التابعة لوكالة ناسا على المريخ وأثلجت صدر لؤي البسيوني على الأرض. على الكوكب الأحمر الذي يبعد مئات ملايين الكيلومترات عن نظيره الأزرق، جهاز طار بشكل متوازن وخفيف فشكّل سابقة أذهلت العالم. وللمهندس الفلسطيني إسهام كبير في هذا الإنجاز.
يبتسم لؤي عند الحديث عن عمله على المروحية. والابتسامة لا تغيب عند استعادة ما سبقها من تحديات في رحلته الطويلة بين غزة ولوس أنجلوس، وإن أثقلت كاهله في ما مضى الأعباء المالية فاضطرته للعمل لساعات طويلة، منها عمله في توصيل البيتزا، خلال فترة تحصيله العلمي في الولايات المتحدة.
متعدد المواهب
البسيوني هو ابن بيت حانون في غزة، وعاش فترة الانتفاضة الأولى، وقضى طفولة يحتفظ منها بذكرياته في حقل أبيه بين أشجار الفاكهة، وأمام منحوتاته من الجبس وزحمة الألوان في رسوماته.
لطالما كان متعدّد المواهب ومحبًا للتصوير، كما اهتم بإصلاح الأشياء من حوله بيده؛ كالتلفزيون أو الراديو. يفكّك الجهاز ثم يُعيد جمعه وقد اكتشف محتواه وضبط أعطاله.
ووفق ما يقول لموقع "العربي" فإن من محيطه من تنبّأ له بأنه سيصبح مهندسًا زراعيًا، وآخرون وجدوا فيه "مشروع" ميكانيكي ممتاز.
الشاب الذي خالف التوقعات لاحقًا باختياره دراسة الهندسة الكهربائية، يعتبر أن ما يميّزه عن غيره من المهندسين هو امتلاكه العقلين الفني والحسابي معًا، ما يمكّنه من رسم الأشياء في عقله قبل تنفيذها.
أميركا والتحديات
غادر لؤي إلى الولايات المتحدة في التاسعة عشرة من عمره وتنقل بين عدّة ولايات في مسعاه للعلم والعمل بحسب ما يقول لـ "العربي"، ثم استقر في شركة تعمل في مجال الطائرات الكهربائية تعاقدت مع "ناسا" قبل أعوام للعمل على مشروع "إنجنويتي"، الطائرة المروحية التي تعمل بمحرك يتم التحكم فيه من كوكب آخر.
ويشير لؤي إلى مشاعر الفرح التي غمرته عند إعلامه بأنه سيكون جزءًا من الفريق، ويكشف عن جملة أسئلة راودته في ذلك الوقت من عام 2014 منها: "هل ستصل هذه الطائرة إلى المريخ وهل ستنجح في مهمتها، وإن وصلت أين سأكون حينها وكيف سأحتفي بهذا الإنجاز، هل سأقول يومًا إن قطعة صممتها وعملت عليها بيدي موجودة على المريخ ويفاخر بها العالم؟".
والبسيوني الذي كان مسؤولًا عن الهندسة الكهربائية في جسم المروحية، اضطلع بعدة مهام منها تصميم كل ما يتعلق بمسألة التحكم بالمحرك والمساعدة في كيفية برمجة خوارزمياته مع "ناسا"، وقد بذل كل جهده لإنجاح مشروع اجتاز بنجاح مراحل عدة قبل بلوغ المريخ والطيران فوق سطحه.
انطلاقة هامة
"ما ستأتي به "إنجنويتي" من معلومات يُرتقب أن يفيدنا بالطيران على الأرض وكذلك على المريخ"، يقول لؤي في معرض رده على سؤال بشأن أهمية هذا الإنجاز، مشيرًا إلى أن التأكد من إمكانية الطيران على المريخ هو في الأساس انطلاقة هامة يُبنى عليها.
ويردف بأن دراسة كوكب المريخ تماثل دراسة مستقبل كوكب الأرض، فدراسة التغير المناخي في الأول تمكننا من معرفة مستقبل التغير المناخي هنا ويدفع نحو إيجاد الحلول للمشكلات المسببة.
كما أن خبرة صناعة مروحية خفيفة الوزن كـ "إنجنويتي" تساعد في صناعة مروحيات أخف وزنًا تحلق في سمائنا وترتفع فوق مناطق كجبال الهملايا، وفق ما يقول.
كيف تعمل المروحية؟
يجيب لؤي بأن فريق التحكم موجود في "ناسا" ويعمل عبر نظام (DSN Deep Space Network)، ذي القواعد الثلاث على الأرض في قارات مختلفة.
ويشرح أن التواصل يتم بداية مع قمرين صناعيين يدوران حول المريخ، ليقوما بالاتصال مع المركبة "برسفيرنس" وفيها محطة تتواصل مع الهيليكوبتر.
ويكشف أن كل البرامج تُرسل قبل نحو 6 أو 7 ساعات، وتتضمن توجيهات منها موعدي الطيران وإرسال المعلومات.
وينوّه بأن وصول الصور ونتائج الرحلة إلى الأرض يستغرق نحو أربع ساعات "ما يعني أن هناك احتمالًا بأن تطير المروحية وتقع ولا نعرف عن الأمر إلا بعد أربع ساعات".
العمل على "المستحيل"
هذا الإنجاز أضاف خبرات كثيرة لمسيرة لؤي البسيوني المهنية. فالشاب يشعر بالفخر لعمله على أمر كان في عداد "المستحيل"، ما يمنحه الأمل ويُشجعه بحسب ما يقول على العمل على "مستحيل" آخر.
والشعور بالأمل لن يقتصر على لؤي وحده، بل يتقاسمه مع كل الشعب الفلسطيني لا سيما الطلاب والشباب الذين يعيشون في غزة من حيث أن الإصرار المتواصل هو ما سيحقق لهم أحلامهم.
وعلى المستوى الخارجي، فإن إنجازًا كهذا ـ برأي لؤي ـ يُسهم في تغيير الأفكار النمطية عن الفلسطينيين والعرب لدى الكثيرين في الدول الغربية.
في بداية الطريق
بالعودة إلى فلسطين ومسقط رأسه في بيت حانون، يعبر لؤي عن فخره بأهلها ويتحدث عن حنينه إلى أرضها.
وردًا على سؤال "العربي" عمّا إذا كان أفق الحلم بلغ في الصغر أن تكون له بصمة في مهمة على المريخ؟. يجيب ضاحكًا: "كان حلمي أكبر من ذلك. وما زلت في بداية الطريق".
ويشرح أن طموحه منذ الصغر هو أن تكون له شركته الخاصة، التي تبتكر تصاميمها وتسهم في التغيير.
هذا التغيير المنشود يكون من خلال البدائل التي توجدها العلوم من طريق معرفة طبيعة الكون والطاقة البديلة، بغرض التخلي عن موارد كالبترول بما يساعد ليس فقط على الحد من التلوث؛ بل أيضًا القضاء على الحروب التي أساسها الصراع على الطاقة.
غير أن ذلك لا يعني أن لؤي البسيوني يزمع صرف نظره عن الفضاء. ففيما يتحدث عن عدة مشاريع عمل هي قيد النقاش، مع تطلّعه إلى تأسيس عمل خاص، يكشف عن احتمال بأن يعمل في الوقت نفسه على أشياء أخرى مرتبطة بالفضاء.