في إنجاز علميّ جديد وخطوة أخرى إلى الأمام، هبطت مركبة "برسفيرنس" التابعة لوكالة "ناسا" الأميركية، أو "المثابرة" كما يحلو للبعض ترجمة اسمها إلى العربيّة، بنجاح على سطح كوكب المريخ، بعد رحلة دامت سبعة أشهر، قطعت خلالها المركبة 480 مليون كيلومترًا بسرعة تقارب 40 ألف كيلومتر في الساعة.
ويأتي هذا الحدث، الذي وصفه الرئيس الأميركي جو بايدن بالهبوط التاريخيّ، في سياق تنافس دولي على الوصول إلى الكوكب الأحمر وتوسيع المعرفة بأسراره. ومع أنّ رحلة "برسفيرنس" (Perseverance) ليست الأولى باتجاه المرّيخ، إلا أنّها تبدو مختلفة بما يمكن أن تفيد به البشرية حول وجود آثار حياةٍ على الكوكب الأحمر.
وتشير وكالة "ناسا" إلى أنّ المركبة التي ستجول بين تضاريس الكوكب تحاكي عالم جيولوجيا يحمل مختبرًا حديثًا وفي يده أدق الوسائل. وستتفحص الرواسب والأتربة، وتجري الاختبارات وترصد حتى الأصوات، بحثًا عن إجابة علمية للسؤال الوجودي الذي يُطرح عما إذا كنا وحدنا في هذا الكون الفسيح.
وكانت دلائل الحياة على المريخ شغلت العلماء لعقود. وهم يقولون الآن إننا الأقرب للحصول على أجوبة. وسبقت "برسفيرنس" في الوصول إلى سطح الكوكب خمس مركبات قبل ما يزيد عن العقدين، بغرض اكتشاف خباياه.
وفيما يُفسر البعض الاهتمام بالمريخ وكشف أسراره بهاجس تراكم المعرفة من أجل تقدم الحضارة الانسانية، يرى آخرون أن المريخ ليس إلا مهبطًا لتنافس دولي جديد تستعاد فيه الحسابات السياسية نفسها، التي تحكم أي حرب على جغرافيا كوكب الأرض.
بعد محاولات عدة.. وصول أول مركبة إلى سطح كوكب #المريخ، فما هي مآلات هذه التجربة الفريدة من نوعها؟#للخبر_بقية pic.twitter.com/jG0NEJ4xkW
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) February 19, 2021
فهم تطور الكوكب
وفي حديث لـ"التلفزيون العربي"، يكشف الدكتور فاروق الباز، أستاذ البحث العلمي ومدير مركز الاستشعار عن بعد في جامعة بوسطن، والدكتور عصام حجي، الباحث في جامعة جنوب كاليفورنيا والعالم في وكالة ناسا، تفاصيل عن المهمّة وكواليسها، ويتوقفان عند دلالاتها وأغراضها.
وفي هذا السياق، يوضح حجي، وهو أحد عربيين اثنين عملا في فريق "برسفيرنس"، أن أبحاث الدكتور الباز التي نُشرت عن المريخ منذ العام 1982 وحتى اليوم جزء كبير من أساس اكتشاف هذا الكوكب وفهم وجه تشابهه مع الصحراء العربية.
ويشير إلى أن شباك الوصول إلى المريخ يُفتح كل عامين، لأن الرحلة عندها تكون الأقصر وتستغرق 6 أشهر، "لذا نرى أن كل الدول التي تريد إطلاق المركبات إلى المريخ تفعل ذلك في هذا الوقت، فيبدو الأمر على أنه سباق". ويعتبر أن ما يجري ليس سباقًا بل تكامل لفهم تطور هذا الكوكب.
وينوّه بتجربتين مهمتين في مركبة "برسفيرنس"، الأولى هي محاولة تصنيع الاوكسجين في شكليه الغازي والسائل لانتاج الوقود للعودة من المريخ إلى الأرض، والثانية في العمل على تحليل البيانات ومراجعتها، إذ سيقوم جهاز التصوير بالرادار الجيولوجي بمسح الأمتار الأولى من تحت سطح كوكب المريخ بحثًا عن معادن وعن جليد ومواد عضوية سنعرف منها ما إذا كان هناك آثار لحياة وُجدت على سطح المريخ أم لا.
الكون فسيح
من جانبه، يشرح الباز الغاية من الوصول إلى المريخ بالقول إنه موجود ولأنه يشبه الأرض بشكل كبير وهو كوكب نستطيع الوصول إليه، فالأرض ليست الكوكب الوحيد وهناك كواكب عدة حول الشمس، وكذلك هناك شموس أخرى، وبالتالي فإن الكون فسيح ولدينا فرصة البحث في ما خلقه الله من حولنا.
ويلفت إلى أنه لم يثبت على الإطلاق وجود أحياء على كواكب أخرى مثل الأرض، ولكن "برسفيرنس" وغيرها من المركبات تبحث من خلال ما تجمعه من معلومات لمعرفة إمكانية وجود حياة على كواكب أخرى.
ويشير إلى أن الهدف من هكذا اكتشاف هو "التعرف إلى ما خلقه الله، والإفادة والتعلم منه إذا أمكن".
صورة للمستقبل
ويؤكد حجي أن الهدف من اكتشاف المريخ ليس فقط سباق الفضاء وهيمنة الدول عليه أو غير ذلك، بل يتم ذلك في إطار منظومة فهم التغيرات المناخية والبيئية التي يمر بها كوكب الأرض.
ويشرح أن المريخ يعطينا صورة لمستقبل هذه التغيرات، فهو شباك مفتوح لفهم تطور ومستقبل الأرض. ويضيف: "ليس صدفة أن تكون كل الدول التي تقوم باكتشاف المريخ، هي أكثر الدول إنفاقًا في أبحاث التغير المناخي".
وعن وجود حياة على المريخ، يقول إن "ما نبحث عنه تحديدًا هو آثار للحياة على هذا الكوكب، فمن الصعب تخيل حياة الآن عليه".
ويتابع: "برأيي لسنا الجيل الأول من الأحياء في المجموعة الشمسية، وقد تكون سبقتنا أحياء إلى الحياة، ليس في شكلها الذي نعرفه على كوكب الأرض".
ماذا عن العرب؟
ويرى حجي أن بامكان العرب كدول العمل على برامج مشابهة، لافتًا إلى أن العالم العربي بأمس الحاجة للدراسات الخاصة بالتغيرات المناخية طويلة المدى.
وينوه إلى أن العام 2020 شهد توقيع "ناسا"، لأول مرّة، اتفاقيتين مع دولتين في الوطن العربي: اتفاقية مع قطر لانشاء قمر صناعي سيدرس التغيرات المناخية في الدول الصحراوية والجافة، واتفاقية مع الامارات لتدريب رواد فضاء.