أصدرت غرفة الاستئناف في المحكمة الدولية الخاصة في لبنان، أمس الخميس، حكمًا بالسجن المؤبد ضد المتهمين حسن مرعي وحسين عنيسي، في قضية اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري.
وفرضت الغرفة بالإجماع على مرعي وعنيسي المنتميين إلى حزب الله أشد العقوبات المنصوص عليها في النظام الأساسي للمحكمة، وذلك عن كل جريمة من الجرائم الخمس التي أدينا بها منها تهمة التآمر لارتكاب أعمال إرهابية والتواطؤ في القتل العمد.
وكانت المحكمة الدولية قد دانت في أغسطس/ آب 2020 عضوًا آخر من حزب الله هو سليم عياش بتهمة القتل عمدًا، وحكمت عليه غيابيًا في ديسمبر/ كانون الأول من العام ذاته بالسجن مدى الحياة.
وتعليقًا على الحكم الصادر عن المحكمة، يعتقد مدير مركز المشرق للشؤون الإستراتيجية سامي نادر أن قرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في قضية اغتيال الحريري، والذي صدر قبل عامين لم يشف غليل الرأي العام اللبناني بنسبة كبيرة، كونه حصر الاهتمام في اتهام شخص واحد.
معضلة أو تسوية
ويقول نادر في حديث إلى "العربي" من بيروت، إنّ المحكمة اليوم تكتسب أهمية سياسية ورمزية لإدانتها بشكل أساسي حزب الله، وهو ما أشار إليه القرار الأول بحق عياش بشكل خجول، عكس القرار الحالي الذي وضع الحزب كمتورط أساسي في الجريمة.
ولا يعترف حزب الله بالمحكمة الدولية، ويرفض رفضًا تامًا تسليم المتهمين للمحكمة، ويضع فكرة إنشائها في إطار استهداف "المقاومة" الأمر الذي جعل الحكومة اللبنانية عاجزة عن تسليم الموقوفين أو حتى استدعائهم.
ويعتبر نادر أن قرار المحكمة الأخير، سيضع مجلس النواب المنتخب مؤخرًا أمام معضلة جديدة، فالحديث عن نزع سلاح حزب الله في لبنان يشكل انقسامًا عموديًا في الشارع المحلي، ومن النواب الجدد من له موقفًا صارمًا تجاهه، بينما يتجنب آخرون الخوض في تلك المسألة، والسؤال هو اليوم حول كيفية تعامل هؤلاء مع القرار الدولي الأخير.
كذلك يرى نادر ضرورة متابعة ارتدادات هذا الملف على الحكومة المرتقب تأليفها بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وسط احتمالية أن يكون قرار المحكمة عائقًا أمام تشكيلها أو مادة لتسوية كاملة تأتي برئيس جمهورية جديد، وحكومة تحسم قرارات وملفات مهمة كقرار المحكمة وقضية ترسيم الحدود البحرية التي لا تزال عالقة، وملف صندوق النقد، وغيرها من الملفات.
إدانة دولية
ويرى نادر أن كل تلك التطورات "تدل على عنوان واحد، وهو انكشاف لبنان على الصراع الإقليمي في المنطقة، ولا خروج من هذا المأزق سوى بقرار يحيد البلاد عن ذلك الصراع".
وأنشئت المحكمة بموجب قرار صدر عن مجلس الأمن عام 2009 لمحاكمة الضالعين في اغتيال الحريري، واعتمدت على نحو شبه تام على أدلة بشكل تسجيلات هواتف جوالة قال المدعون إنها أظهرت أن خلية لحزب الله خططت للهجوم.
ورأى نادر أنه مع عدم إمكانية استئناف قرار المحكمة، فإن إدانة ثلاثة أفراد من حزب الله بشكل صريح، تجعل الحزب أمام إدانة دولية واضحة وللأمر تداعيات داخلية، مع مراعاة توقيت الحكم الذي لا يعتقد مدير مركز المشرق للشؤون الإستراتيجية أنه جاء بالصدفة، مع وجود حرب دفينة بين إسرائيل وإيران، الأمر الذي يأتي في سياق الضغط الكبير على حزب الله، المدعوم من طهران.
وقتل الحريري الذي كان رئيسًا لوزراء لبنان قبل استقالته في أكتوبر/ تشرين الأول 2004، في 14 فبراير/ شباط 2005 عندما تم تفجير شاحنة مليئة بالمتفجرات أثناء مرور موكبه المصفّح. وخلّف الهجوم 22 قتيلًا و226 جريحًا.
وتبعت اغتيال الحريري تظاهرات ضخمة انسحبت على إثرها قوات النظام السوري من لبنان بعد وجود استمر 29 عامًا.