على الرغم من عدم تأهل المنتخب المغربي لكرة القدم إلى نهائي كأس العالم المقام في قطر، إلّا أنّه بوصوله إلى الدور نصف النهائي حقق أكبر إنجاز عربي وإفريقي بجدارة.
فقد واجه أسود الأطلس فرقًا تصنّف من الدرجة الأولى حيث تغلّب على بلجيكا وكندا وإسبانيا والبرتغال وحقق إنجازًا تاريخيًا بوصوله كأول فريق عربي وإفريقي للمربع الذهبي. وقد لوحظ أن هذا النصر المغربي جمع الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج في فرحة كبيرة واعتزاز بالهوية العربية الجامعة.
فلطالما كانت الهموم والانكسارات المشتركة هي ما جمعت العرب وفرقتهم في بعض الأحيان، لكن الحالة العربية الجمعية حاليًا هي بطعم الفوز واقتناص للحظات الفرح التي غابت عن هذه الجماهير مؤخرًا بسبب الحالة السياسية والاقتصادية.
ولعل الصبغة العربية لكأس العالم الحالي ساهمت في تعزيز الانتماء للهوية العربية لدى شعوب المنطقة فاستوحت قطر الرموز المختارة لبطولة كأس العالم لكرة القدم التي تستضيفها من الثقافة العربية.
القضية الفلسطينية
وكانت أبرز الأحداث الجامعة للعرب في السنوات الأخيرة هي الحروب الإسرائيلية على غزة بعد سيطرة حماس على القطاع عام 2007 وما تلاها من حروب إسرائيلية ما بين 2008 و2022 التي شهدت تضامنًا كبيرًا مع القضية الفلسطينية بين الشعوب العربية.
وفي 15 سبتمبر/ أيلول 2020 وتحت إشراف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وقّعت إسرائيل والإمارات العربية المتحدة اتفاق تطبيع العلاقات التي أسماها البيت الأبيض "اتفاقيات إبراهيم"، ثم انضم إليها كل من المغرب والسودان.
ورغم ما حصل، إلا أن وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية قالت في أكتوبر/ تشرين الأول 2020 إن معظم الخطاب العربي على مواقع التواصل الاجتماعي رافض لاتفاقيات التطبيع مع الإمارات والبحرين.
الربيع العربي
ويُضاف إلى هذا تعاطف الشعوب العربية مع بعضها في ثورات الربيع العربي في تونس وليبيا وسوريا ومصر والبحرين ولبنان والعراق والسودان، إذ شكّلت هذه الثورات والانتفاضات أهدافًا جامعة للشعوب العربية أبرزها الحرية والديمقراطية.
ومع بداية هذا العام توفي الطفل المغربي ريان وأنهى مأساة الانتظار التي طالت خمسة أيام من أجل إخراجه من البئر، وكان أيضًا تفاعل الجماهير العربية كبيرًا مع هذه القصة الحزينة التي وحّدتهم.
أبعد من الثقافة المشتركة
ولطالما شكّلت مسألة الهوية هاجسًا لدى الباحثين كونها معقدة ومتغيّرة ومتعددة الطبقات، تظهر في الثقافة والأدب والفن والموسيقى والعادات والإرث وغيرها ويفرز المجتمع أحداثًا تؤثر في الارتباط بالهوية.
ويرى الكاتب والمدون المصري محمود هدهود أنه عادة ما كان العرب يشعرون بانسجامهم وتكاملهم عند المواقف الصعبة سواء كانت مواقف الفرح والإنجاز أو مواقف الانكسار والهزيمة. ويلفت إلى أن القمة العربية التي عُقدت في الخرطوم بعد هزيمة 1967 كانت جامعة حيث تمسك العرب بموقف موحد تجاه إسرائيل.
وقال في حديث إلى "العربي" من القاهرة: "إن مثل هذه المناسبات تحيي شعورًا عربيًا مكبوتًا لأن العرب من القوميات القليلة عبر العالم التي لم يسعفها التاريخ في إثبات ذاتها عن تآلف ما".
واعتبر هدهود أن العروبة ليست مسألة ثقافية فقط، حيث يمتلك العرب تاريخًا مشتركًا وثقافة مشتركة وأدبًا مشتركًا يحتفلون بإنجازات مشتركة وحتى يستذكرون انكسارات مشتركة، لكن هذه المعطيات الثقافية لها مقتضيات مادية نحتاج إليها.
وأضاف: "في غياب التكامل العربي نحن فشلنا في تحقيق الأهداف المادية للشعوب التي تتمثل في التنمية والاستقلال والديمقراطة والعدالة الاجتماعية".
كما اعتبر هدهود أنه يجب أن نفرق بين مثالية الفكرة العربية وتجلي التجارب العربية تاريخيًا، لافتًا إلى أن القومية العربية ارتبطت دائمًا بإطار إنساني تحرري وتقاربت مع الأفكار اليسارية في بعض الفترات ولم تتخذ طابعًا عنصريًا.
ولفت إلى أن الوحدة العربية الحقيقة لا يمكن أن تتحقق سوى عبر إرادة الشعوب وترتبط بحلم الديمقراطية والعدالة بكل بلد عربي.