بعد طلب ملاحقة نتنياهو وغالانت.. ما مصير الحرب على غزة؟
طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، الإثنين، إصدار أوامر اعتقال أمام الدائرة التمهيدية الأولى بحق كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن يوآف غالنت، بناء على اتهامهما بارتكاب جرائم حرب.
كما شمل طلب المدعي العام 3 من قادة حركة حماس هم رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية، ورئيس حركة حماس في غزة يحيى السنوار وكذلك محمد دياب المصري الشهير باسم "أبو خالد الضيف" القائد الأعلى للجناح العسكري لحركة حماس، بذريعة تحمُّلِهم مسؤولية جنائية عن جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية.
وللمرة الأولى تسعى المحكمة الجنائية لإصدار أوامر اعتقال ضد حليف رئيسي للولايات المتحدة، تل أبيب - رغم الانقسام- إلا أنها بمختلف المستويات السياسية والعسكرية وقفت ضد الإجراء واعتبرته قرارًا شائنًا ذي أبعاد تاريخية، معتبرة أن هذه الخطوات لن تؤثر على الحرب في غزة، وذهب نتنياهو إلى اعتباره ضد "دولة إسرائيل"، وأنه "يماثل العداء للسامية".
من جانبها، اعتبرت حركة حماس القرار بمثابة مساواة بين الضحية والجلاد، ويمثل تشجيعًا لإسرائيل لاستكمال حرب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، فيما قالت منظمة التحرير الفلسطينية إن المطلوب هو إصدار مذكرات اعتقال بحق المسؤولين الإسرائيليين لوقف الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني.
أما واشنطن، فاعتبرت أن هذا القرار قد يقوض جهود التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار، بينما لوح مشرعون أميركيون في الكونغرس ببدء العمل لفرض عقوبات وصفوها بالصارمة ضد المحكمة.
المسار القانوني لطلب الجنائية الدولية
وفي هذا الإطار، أوضح المحامي والخبير في الشؤون الإسرائيلية علاء محاجنة، أن الخطوة القانونية بعد إعلان الجنائية الدولية، هي الانتقال إلى المحكمة التمهيدية، وهي تضم 3 قضاة تم تعيينهم من أجل النظر بالشكاوى المتعلقة بالشأن الفلسطيني.
وفي حديث لـ"العربي" من القدس المحتلة، أضاف محاجنة، أنه بعد تقديم هذا الطلب يمكن للقضاة إعطاء الموافقة عليه، وإصدار مذكرات اعتقال، كما يمكن أيضًا أن تطلب المحكمة التمهيدية من المدعي العام استكمال التحقيق والإثباتات من أجل إصدار مثل هذه المذكرات.
وفيما أشار إلى أن الاحتمال الثالث، يتمثل في رفض المحكمة التمهيدية طلب إصدار المذكرات، لفت محاجنة إلى أن غالبية التقارير تفيد بأن المحكمة سوف تستجيب لطلب المدعي العام، على اعتبار أن الطلب قُدم بشكل متأخر، وأن الجرائم الإسرائيلية ترتكب في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وبشأن ما إذا كان هناك سبب قانوني لاعتماد المدعي العام مصطلح "جريمة حرب" و"جرائم ضد الإنسانية" دون أن يعتمد مصطلح "جرائم إبادة جماعية"، شرح محاجنة، أن كريم خان استخدم التسبب في جريمة الإبادة الجماعية، والتي هي بمستوى أعلى من حيث الإثبات، وستطلب عناصر تختلف بعض الشيء عن الجرائم الأخرى
وأعرب الخبير في الشؤون الإسرائيلية عن اعتقاده أنه لا مجال لعمل قانوني قبل أن تصدر مذكرات اعتقال، حيث إن الأمر أوكل للقضاة من أجل القرار بإصدار مذكرات اعتقال، ولا يوجد مكان للدفاع لا من قبل إسرائيل ولا من قبل أصدقائها أمام المحكمة.
ما هي الخطوات التي يمكن لإسرائيل اتخاذها؟
وذكر محاجنة أنه من بين الخطوات التي ستتخذها إسرائيل بعد أن تصدر المحكمة التمهيدية مذكرات الاعتقال، هي تجنيد دول عديدة، بالإضافة إلى الولايات المتحدة الحليف الأقوى لها، مشيرًا إلى أن ما يهم تل أبيب هو أن تقوم دول مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا موقعة على ميثاق روما بإفشال المذكرات وعدم تطبيقها.
ولفت إلى أنه في الأوساط السياسية الإسرائيلية يتم الحديث عن محاولات سياسية أمام دول كألمانيا وبريطانيا من أجل إفشال هذه المذكرات وعدم التعاون معها، وبالتالي نزع الشرعية القانونية عن هذه المذكرات، الأمر الذي يجعل ادعاءات إسرائيل ضد المحكمة بأنها معادية للسامية، وأنها تستهدف إسرائيل بالذات.
وشرح محاجنة أنه لا يمكن للمحكمة تنفيذ الاعتقال إلّا بالتعاون من الدول الموقعة على ميثاق روما، ولا يمكن تسليم نتنياهو للمحكمة إلا إذا زار أحد هذه الدول التي بدورها ستسلمه للمحكمة.
وبشأن مصير إعلان المحكمة في حال تعذر مثول المتهمين أمامها، أوضح محاجنة أن القضية لا تغلق وبالتالي إذا لم يتم الوصول إلى نتنياهو وغالانت وتسليمهما للمحكمة فالإجراءات الجنائية لا يمكن البدء بها.
ردود الفعل الإسرائيلية
من جهته، اعتبر الباحث في مركز "مدى الكرمل" مهند مصطفى، أن التوحد في المواقف من كل الأطياف السياسية الإسرائيلية أمر متوقع، موضحًا في الوقت نفسه أن أي نقض تتعرض له تل أبيب دوليًا يتم التوحد ضده، لأن هناك حالة من التفكير القبلي في التعامل مع الذات في إسرائيل.
وأضاف في حديث لـ"العربي" من حيفا أن هناك 106 أعضاء في الكنيست ما عدا الأحزاب العربية وحزب العمل الصهيوني، وقعوا على وثيقة رفض لهذا القرار، الأمر الذي يمثل إجماعًا إسرائيليًا كبيرًا ضده.
مصطفى لفت إلى أن هذه الوحدة جاءت، لأن الأمر لا يمس فقط نتنياهو من وجهة نظر المشهد السياسي الإسرائيلي، بل يمس دولة الاحتلال نفسها، وبكل السردية الأخلاقية والسياسية التي حاولت تل أبيب كل الوقت أن تسوقها للعالم.
ورأى مصطفى أنه إلى جانب هذه الوحدة القبلية المعهودة والمعروفة ضد أي نقد على إسرائيل سيقابله في الداخل نقدًا على فشل سياسات نتنياهو، لأن هذا القرار هو أيضًا يدل على فشل سياسات رئيس الحكومة الإسرائيلية في إدارة الحرب وتسويقها على المستوى العالمي.
وذكر أن هناك نقدًا داخل إسرائيل يقول إن هذا الأمر غير مسبوق، وهذا الأمر يدل على فشل الحكومة الإسرائيلية، رغم أن إسرائيل على المستوى الدولي يتم تأطيرها والحفاظ عليها وتدليلها من هذه الناحية، مشيرًا إلى أن هذا الأمر سيخلق حراكًا داخليًا في إسرائيل ضد سياسات نتنياهو وفشله.
مصطفى لفت إلى أن نتنياهو معروف عنه كسياسي أنه سيستطيع أن يستغل أي فرصة من أجل تعزيز شعبيته على المستوى السياسي الداخلي، بالذات في صفوف القواعد الاجتماعية اليمينية الذين يعتبرونه ضحية داخلية في إسرائيل، وأنه ملاحق من قبل النخب الإسرائيلية، والآن ملاحق أيضًا من العالم.
وأردف أن بعد هذا القرار، يُعتقد في إسرائيل أن من يريد أن يسكت نتنياهو فكأنه يتماهى مع مذكرات الاعتقال، مشيرًا إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلي سوف يستعمل هذا الخطاب، وسيربط بين محاولة إسقاطه في إسرائيل والإطاحة به وبين مذكرات الاعتقال.
وعلى صعيد المستوى الشعبي الإسرائيلي، أشار مصطفى إلى أن عائلات المحتجزين الإسرائيليين يقفون في الموقف الإسرائيلي العام نفسه، وهم يفرقون بين هذا الأمر وبين موضوع الاحتجاج والضغط على نتنياهو من أجل الذهاب إلى صفقة تبادل أسرى، لافتًا إلى أن ما يقلقهم هو مدى تأثير هذا الأمر على دافعية نتنياهو بالذهاب إلى هذه الصفقة.
وتابع أن مثل هذا القرار سوف يبعد نتنياهو عن هذا الملف، لأنه سيكون الآن مضطرًا على المستوى الداخلي لأن يصعد من الحرب في قطاع غزة، وتحديدًا من العملية العسكرية في مدينة رفح، من أجل التأكيد على أنه لا يخاف، وأنه مستعد أن يواجه أي ضغط دولي، وأي مذكرة اعتقال.
ورأى محاجنة أن ما تخشاه إسرائيل إلى جانب الكثير من الأمور هو أن مثل هذه المذكرات هي ضربة قاصمة لكل الخطاب الأخلاقي ولكل السردية الإسرائيلية، ما يضعها في مصاف دول كانت تعتبر على المستوى الدولي بأنها دول استبدادية، وديكتاتورية.
إلى أين موقف الإدارة الأميركية؟
مدير مركز دراسات الخليج في واشنطن جورجيو كافييرو، لفت إلى أن ردة الفعل التي صدرت من مسؤولين أميركيين لم تفاجئ أحدًا، فالنخب السياسية وواضعوا السياسة الخارجية في الولايات المتحدة يعتقدون أن إسرائيل دولة ثمينة فوق القانون.
وأشار حديث لـ"العربي" من واشنطن، إلى أن ثمة سلوكًا متعجرفًا شائعًا في واشنطن حيال هذه الفكرة ويتمظهر في النظرة للقانون الدولي على أنه ينطبق على أعداء الولايات المتحدة كروسيا، وإيران، وسوريا، والصين، ولكن الولايات المتحدة وحلفاءها كإسرائيل هم فوق القانون الدولي.
وفيما تحدث عن الهجوم الروسي على أوكرانيا، وكيف ركزت واشنطن على القانون الدولي، وعلى ما يسمى بالنظام القائم على القواعد، اعتبر هذا الأمر "خدعة"، حينما يُنظر إلى رؤية أميركا للمسلك الإجرامي الإسرائيلي في غزة.
وأردف كافييرو أن قيادة الولايات المتحدة ومنهجها عزز سردية أن المحكمة الجنائية الدولية منحازة ضد إسرائيل، وأن تل أبيب هي الضحية في هذا الموقف.
وفيما أشار إلى أن الشباب والعناصر التقدميين يقولون الآن إنهم لن يصوتوا لجو بايدن، بسبب ما يحدث في غزة، أعرب كافييرو عن اعتقاده أن قرار المحكمة الدولية سوف يزيد من ثقة حركتهم لمساءلة الحكومة الأميركية لدورها في حرب غزة.