أثار إعلان محكمة الجنائية الدولية لاستصدار أوامر اعتقال بحق عدد من القادة الإسرائيليين بشأن العدوان على غزة حالة من الغضب داخل تل أبيب، ما يسلط الضوء على تبعات هذا القرار.
وأعلن مدعي عام المحكمة كريم خان أنهم يسعون لإصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن يوآف غالانت و3 من قيادات حركة حماس، بتهمة ارتكاب "جرائم حرب".
وأضاف خان في بيان: "لدينا أدلة أن نتنياهو وغالانت يتحملان المسؤولية الجنائية عن جرائم حرب في فلسطين منها القتل العمد وتجويع المدنيين".
فقد اعتبر الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ أن سعي المدعي العام للمحكمة الجنائية لإصدار مذكرتي اعتقال لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الأمن يوآف غالانت "أكثر من شائن"، وسيشجع "الإرهابيين" في جميع أنحاء العالم، حسب تعبيره.
وأضاف هرتسوغ أن "أي محاولة للمقارنة بين هؤلاء الإرهابيين الوحشيين وحكومة إسرائيل المنتخبة ديمقراطيًا، التي تعمل على الوفاء بواجبها في الدفاع عن مواطنيها وحمايتهم بالكامل، مع الالتزام بمبادئ القانون الدولي أمر مشين ولا يمكن لأي أحد أن يتجاوزه"، حسب قوله.
من جهته، هدد وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش، المحكمة الجنائية الدولية، فيما دعا وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير إلى تجاهلها وتصعيد الحرب المتواصلة على قطاع غزة للشهر الثامن.
كيف ردت حماس على قرار الجنائية الدولية؟
وعلى الصعيد الفلسطيني، طالبت حركة حماس، مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية، بإصدار أوامر توقيف واعتقال بحق "كافة مجرمي الحرب" من قادة إسرائيل، وإلغاء مذكرات التوقيف بحقّ قادة المقاومة.
واستنكرت حماس بشدَة محاولات مدعي عام الجنائية الدولية "مساواة الضحية بالجلاد" عبر إصداره أوامر توقيف بحق عدد من قادة المقاومة الفلسطينية "دون أساس قانوني".
واعتبرت أن الأوامر التي تطال قادة المقاومة "تخالف المواثيق والقرارات الأممية التي أعطت الشعب الفلسطيني وكافة شعوب العالم الواقعة تحت الاحتلال الحق في مقاومة الاحتلال، بكافة الأشكال بما فيها المقاومة المسلحة".
وفي السياق، أضافت حماس في بيانها أن "مذكرات التوقيف والاعتقال (المرتقب صدورها) من الجنائية الدولية بحق قادة إسرائيل جاءت متأخرة 7 أشهر بعد ارتكاب آلاف الجرائم بحق المدنيين الفلسطينيين".
وشددت على أنه "كان يتوجب على المدّعي العام إصدار أوامر توقيف واعتقال ضد كافة المسؤولين من قادة الاحتلال الذين أعطوا الأوامر، والجنود الذين شاركوا في ارتكاب الجرائم طبقا للمواد 25 و27 و28 من نظام روما الأساسي".
وأفادت بأن هذه المواد من نظام روما، والذي أنشئت بموجبه المحكمة "أكدت على المسؤولية الجنائية الفردية لكل مسؤول أو قائد أو أي شخص أمر، أو حث، أو ارتكب، أو ساعد، أو قام بتقديم العون على ارتكاب الجرائم، أو لم يتخذ الإجراءات لمنع ارتكاب الجرائم".
مذكرة اعتقال بحق نتنياهو وغالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب
بدورها، أوضحت المحامية والناشطة والحقوقية ديالا شحادة، أن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أعلن عن الخطوة المنتظرة منذ سنوات، تحديدًا منذ 15 عامًا، تاريخ أول توجه للسلطة الفلسطينية إلى المحكمة من أجل التحقيق في الجرائم الإسرائيلية الواقعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي حديث لـ"العربي" من بيروت، أضافت شحادة، أنه ليس بوسع الجنائية الدولية وتحديدًا القضاة النظر في أي قضية إلا بعد أن يطلب المدعي العام لهذه المحكمة ذلك، أي أن يطلب توجيه تهم لأفراد معينين بموجب جرائم معينة، وذلك إما مع طلبات مثول طوعي، أو طلبات بإصدار مذكرات توقيف، فيما لو كانت مسألة محسومة أنهم لن يمثل طوعًا.
وتابعت أن المدعي العام للمحكمة الجنائية تحدث عن مذكرات بأنه طلب توجيه تهم وإصدار مذكرات توقيف ضد 5 أشخاص وهم نتنياهو وغالانت بالإضافة إلى السنوار وهنية والضيف، وذلك بجرائم مختلفة، مشيرة إلى أن هذه الجرائم تتقاطع ما بين المطلوبين الإسرائيليين والفلسطينيين بموجب تهم القتل الجماعي.
وقالت شحادة: "تفترق هذه التهم بموجب تهم من نوع أخذ رهائن مدنيين الموجهة إلى القادة الفلسطينيين والاستهداف المتعمد للمدنيين في إطار نزاع مسلح، وهي من التهم الموجهة للمطلوبين الإسرائيليين، فضلًا عن تهم تتعلق بمزاعم جرائم ذات طابع جنسي كالاغتصاب وغيره موجهة إلى القادة الفلسطينيين.
ما هي المرحلة التالية؟
وشرحت شحادة أنه من المنتظر في المرحلة التالية، أي في الأيام أو الأسابيع القليلة المقبلة، أن تصدر الدوائر التمهيدية القضائية، أي المرحلة الأولى من الدوائر القضائية في المحكمة قرارًا بقبول هذا الطلب لجهة توجيه التهم وفتح قضايا في هذه الجرائم ضد الأشخاص المطلوب توجيه التهم إليهم، وأيضًا أن تصدر قرارها لجهة قبول إصدار مذكرات توقيف بحق هؤلاء الأشخاص الخمسة.
وتابعت "بعد ذلك سوف يكون على عاتق قلم المحكمة أن يقوم بتعميم مذكرات التوقيف على الدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية التي بلغ عددها حتى الآن 124 دولة".
وأشارت إلى أن الأمر أُفلت اليوم من يد المدعي العام، وصار بين أيدي القضاة الذين لا يمكن لمكتب المدعي في المحكمة أن يعكس هذا الإجراء الذي تقدم به اليوم، وإنما الإجراءات سوف تأخذ مسارها الطبيعي أمام القضاة وأمام قلم المحكمة وأمام الأجهزة الأخرى.
هل تؤثر تصريحات إسرائيل على المحكمة؟
وفيما لفتت إلى أن ما صدر من تصريحات سواء عن الجانب الإسرائيلي أو من قبل المدعي العام للمحكمة الجنائية لن يغير شيئًا من مسار هذه الإجراءات، أضافت شحادة أن الضغوطات على المحكمة الجنائية الدولية تحديدًا على الأفراد فيها ليست جديدة.
وأردفت أن تصريحات إسرائيل عن عدم اكتراثها بهذه الإجراءات لا يغير شيئًا، لأن الاختصاص معقود على الجرائم الواقعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حتى لو لم تكن إسرائيل دولة طرفا.
هل حكم الجنائية الدولية ملزم؟
وأوضحت شحادة أن أي حكم يصدر عن هذه المحكمة ملزم حتى لو لم تكن الدولة عضوًا في الاتفاقية التابعة للجنائية الدولية، لأن شروط عقد المحكمة اختصاصها إقليميًا ينطبق على الأراضي التي وقعت فيها الجرائم المدعى بارتكابها، مشيرة إلى أن فلسطين تخضع لاختصاص المحكمة بموجب مصادقة دولة فلسطين المعلن عنها في العام 2021 كدولة عضو غير كامل العضوية في الأمم المتحدة، هذه الدولة صادقت رسميًا على اتفاقية روما المنشئة المحكمة الجنائية الدولية العام 2015 وحسمت مسألة الاختصاص.
وقالت: "بالتالي مسألة الاختصاص لانعقادها هي مسألة محسومة، ولكن يمكن للجانب الإسرائيلي لو أراد أن يتفاعل مع هذا الإجراء بشكل قانوني وحضاري وليس بالتهديد والوعيد أن يتمثل بمحامين أمام المحكمة الجنائية الدولية، وأن يقدم دافعًا لجهة عدم مقبولية الإجراء والزعم بأنه لا يوجد اختصاص، مع استحالة قبول دفع كهذا بناء على التجارب السابقة والقراءات القانونية التي حفل بها تاريخ المحكمة الجنائية الدولية لجهة اختصاصها.
ما تأثير مذكرة اعتقال الجنائية الدولية على نتنياهو وغالانت؟
وأشارت شحادة إلى أن مذكرات التوقيف تنتظر فقط إصدار قرار عن الدوائر القضائية التمهيدية من أجل أن تعمم، وهذا يعني أن المسؤولين الإسرائيليين، وتحديدًا نتنياهو وغالانت، سوف تقوض وظائفهم الدبلوماسية الرسمية، إذ لن يعود بإمكانهما زيارة تقريبًا كل دول أوروبا وجميع دول أميركا اللاتينية، ونصف دول إفريقيا وعدد من الدول الأخرى من العالم التي هي دول الأطراف في هذه المحكمة.
شحادة لفتت إلى أن ملف المحكمة مكتمل، لأن تقارير الأمم المتحدة ووكالاتها تحفل بالأدلة الجنائية التي تثبت ارتكاب دولة الاحتلال وقادتها لانتهاكات جسيمة للاتفاقيات الدولية ترقى إلى إبادة جماعية
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تشن إسرائيل عدوانًا على غزة، أسفر عن عشرات آلاف الشهداء والجرحى، معظمهم أطفال ونساء، وحوالي 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين.
إلى ذلك، تواصل إسرائيل الحرب رغم صدور قرار من مجلس الأمن الدولي بوقف القتال فورًا، وكذلك رغم أن محكمة العدل الدولية طالبتها بتدابير فورية لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية، وتحسين الوضع الإنساني بغزة.