بعد مكالمة نتنياهو وبايدن.. ما مدى جدية التحذير الأميركي لإسرائيل؟
في ظل ضغوط وانتقادات أميركية لحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من المرتقب انطلاق جولة مفاوضات جديدة في القاهرة بشأن تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس، بمشاركة أميركية.
فقد أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن الرئيس الأميركي جو بايدن وخلال محادثة هاتفية مع بنيامين نتنياهو طالب بمنح تفويض واسع لفريق المفاوضات برئاسة رئيس جهاز الموساد ديفيد برنيع من أجل التوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى، ما يظهر أن إدارة البيت الأبيض ترى أن نتنياهو لا يعمل بجدية من أجل التوصل إلى عقد صفقة.
ويجسد المطلب الأميركي حالة عدم الرضا من تعامل نتنياهو مع ملف المفاوضات بحسب موقع "واللا" الإسرائيلي، وعدم جديته في التوصل إلى اتفاق.
وفي تعليقه على المكالمة، قال البيت الأبيض إن استمرار دعم واشنطن للحرب على قطاع غزة يعتمد على سلسلة من الخطوات المحددة والملموسة لحماية المدنيين، وإن سياسة الولايات المتحدة بشأن غزة سيحددها تقييم للإجراءات الفورية التي ستتخذها تل أبيب لمعالجة الضرر الواقع بالمدنيين والمعاناة الإنسانية وسلامة عمال الإغاثة.
في المقابل، أشارت مصادر غربية بأصابع الاتهام إلى نتنياهو في محاولات عرقلة إتمام صفقة تبادل، وتجاهله لأولوية المفاوضات.
من جانبها، رفضت حركة حماس المقترح الأخير، بعدما اتهمت حكومة الاحتلال بإضاعة الوقت وعدم الاستجابة لمطالبها الأساسية المتشبثة بها، والمتمثلة في وقف إطلاق النار وعودة النازحين للشمال رغم إبداء مرونة وإيجابية في التعاطي مع القضايا الشائكة، كما تقول الحركة.
ما مدى جدية التحذير الأميركي لنتنياهو؟
وفي هذا الإطار، أوضح توماس واريك مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق، أن بايدن يشدد على أهمية الجهود المتضافرة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة ووضع حد لمأساة جديدة، كالهجوم على موظفي المطبخ العالمي منذ أيام.
وفي حديث إلى "العربي" من واشنطن، أضاف واريك أن الرئيس الأميركي يوضح أن الحكم على إسرائيل سيتم من خلال الأفعال وليس الأقوال، لذا أصر هو ووزير الخارجية أنتوني بلينكن على إيصال أكبر للمساعدات الإنسانية، كما على الجهود التي سوف تستمر في القاهرة هذا الأسبوع لإبرام صفقة لتبادل الرهائن، ووقف إطلاق النار لأسابيع.
وفيما رأى أن التحذير الأميركي لنتنياهو هو تحول محدود جدًا، لفت واريك إلى أن بايدن أوضح أنه يفهم رغبة إسرائيل في استمرار حملتها في رفح ضد حركة حماس، لكن الرئيس الأميركي أصر على أن إسرائيل يجب أن تكون لها خطط أفضل في كيفية حماية المدنيين خلال هذه العملية المزمعة، معتبرًا أن هذا الأمر يشكل نقطة خلافية بين واشنطن وإسرائيل.
وأشار واريك إلى أن بايدن استعمل للمرة الأول صيغًا ليقول إنه إذا لم يتغير موقف إسرائيل، فإن الولايات المتحدة وموقفها سيتغيران، مشيرًا إلى أن الدعم القوي من إدارة بايدن منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي لإسرائيل قد يتراجع أو تتم مراجعته.
وقال واريك: إن "هناك عددًا من الخطوات من قبل أعضاء من الكونغرس، لا سيما من الحزب الديمقراطي، يطالبون فيها بوضع شروط على دعم أو إرسال القطع العسكرية لإسرائيل أو حتى إبقائها، وذلك سيُشكل (إن حصل) تحولًا معتبرًا في السياسة الأميركية تجاه إسرائيل".
وأردف أن الوضع بدأ يشهد تغيرات من قبل الحكومة الإسرائيلية بعد أن كان الرئيس بايدن واضحًا وشديدًا في رسالته، معربًا عن اعتقاده أن واشنطن سترصد بشكل دقيق المساعدات التي ستدخل إلى غزة، مشيرًا إلى أن واشنطن تتعامل مع الوعود الإسرائيلية بشك أكبر من قبل.
ولفت إلى أن التحذير الأميركي لا يهدف لإنهاء الحرب، مشيرًا إلى أن بايدن أوضح أنه يرى أن هزيمة حماس يجب أن تكون نهاية الحرب، ولكن حتى يكون هناك ثمة حل، فعلى إسرائيل أن تقوم بالكثير من التدابير على الصعيد الإنساني لحماية المدنيين في رفح إذا ما كانت تريد تنفيذ هجومها.
لكنه رأى أن الأمل يكمن في نجاح مفاوضات القاهرة وإبرام اتفاق لإطلاق سراح المحتجزين، ووقف إطلاق نار لمدة ستة أسابيع، ما قد يقود إلى وضع أفضل على حد تعبيره.
مفاوضات القاهرة
من جهته، أوضح مدير تحرير صحيفة الأهرام المصرية أشرف العشري أن هناك بداية استدارة أو تحولًا إلى حد ما من قبل الجانب الأميركي في ضوء المعطيات المتوافرة في القاهرة ووصول رئيس الاستخبارات الأميركية إلى مصر، لافتًا إلى أن هذا في حد ذاته رسالة بالغة الأهمية مفادها أنه لا بد أن يتخذ قرار هذا الأسبوع فيما يتعلق بتنفيذ الاتفاق "الإطاري الباريسي 2" الخاص بالهدنة على ثلاث مراحل.
وأضاف في حديث إلى "العربي" من القاهرة أن أقرب هذه المراحل إلى الواقعية، هو أن يبدأ الشروع بالهدنة لمدة ستة أسابيع وتبادل الأسرى مع نهاية هذا الأسبوع قبل حلول عيد الفطر المبارك.
ويرى العشري أن الجانب الأميركي استجاب للتحركات المصرية والقطرية بكثير من الدأب والاستمرارية في ضرورة أن يكون هناك إنقاذ للمفاوضات، وأن تسعى أميركا لرفع الغطاء عن نتنياهو في هذه المرحلة الدقيقة، لأن الأوضاع مأساوية وذاهبة إلى حالة من التأزم الشديد، وربما كثير من الاشتباكات والتوتر في العلاقات حتى المصرية الإسرائيلية.
وأشار إلى تحول لافت إلى حد ما وتدريجي في الموقف الأميركي باتجاه التعاطي مع الجانب الإسرائيلي، لافتًا إلى أن المكالمة بين بايدن ونتنياهو التي استمرت أكثر من ثلاثين دقيقة كانت عاصفة غاضبة، وفيها كما قالت الصحافة الأميركية كثير من اللوم للجانب الإسرائيلي، وأن الجانب الأميركي حدد مهلة للجانب الإسرائيلي لعدة أيام للتعاطي مع قضيتين رئيسيتين، إحداهما تتعلق بضرورة السماح بدخول كميات كبيرة من المساعدات، وفتح كثير من المنافذ لمرور وإنفاذ هذه المساعدات على وجه السرعة.
والقضية الثانية، حسب العشري، تتمثل في إعطاء مساحة أكثر وتفويض أكبر للوفد الإسرائيلي الذي سوف يحضر إلى القاهرة يوم الأحد القادم، وبالتالي هذا الأمر أدى إلى أن يكون هناك بداية تحول إلى حد ما.
وأشار إلى أن القاهرة أبلغت الجانب الأميركي أن حماس قدمت كل ما لديها من مرونة، وأنها لن تعود قيد أنملة وتقدم أي نوع من المرونة في المرحلة القادمة، لأنها قدمت ما يكفي على مدار الأسابيع الطويلة الماضية، معتبرًا أن إسرائيل هي التي كانت تضع كثيرًا من التحديات والعراقيل.
وأضاف العشري أن الجانب الأميركي اقتنع بوجهة النظر المصرية والقطرية، وأبلغ الجانب الإسرائيلي بضرورة أن يكون هناك تعاطٍ مع الموقف الحمساوي بعودة النازحين دون قيود أو شروط.
منعطف في التعامل الدولي مع إسرائيل
من جانبه، رأى الباحث في مركز "مدى الكرمل" مهند مصطفى، أن نتنياهو لا يستطيع التعامل مع الإدارة الأميركية والخطاب الأميركي كما في السابق، وليس السبب فقط استهداف العاملين في منظمة المطبخ العالمي، بل في ظل وجود منعطف جديد في التعامل الدولي مع إسرائيل.
وفي حديث من حيفا، أضاف مصطفى أن الوضع مختلف الآن لعدة أسباب، أولها أن هناك شيئًا تغير في إسرائيل نفسها، بمعنى أن نتنياهو بدأ يدرك أن الضغط الاجتماعي والشعبي في داخل إسرائيل يأخذ منعطفًا جديدًا.
ولفت إلى أن الاحتجاج الشعبي في إسرائيل الآن قفز قفزة كبيرة جدًا من حيث الكم ونوعية الاحتجاج، والأهم من كل ذلك أن هذا الاحتجاج بدأ يربط بين اتفاق الأسرى والرهائن وبين الانتخابات في إسرائيل، بمعنى أن نتنياهو الآن موجود في معضلة سياسية كبيرة جدًا.
وأردف مصطفى أن نتنياهو الآن لم يعد يتعامل مع الخطاب الأميركي بالاستهتار وعدم الالتفات واللامبالاة بل بجدية كبيرة جدًا.
وبينما رأى أن إسرائيل لا تستطيع أن تسقط الحكومة إلا بتصويت أغلب أعضاء الكنيست لحجب الثقة عنها، أوضح أن ما يشكل ضغطًا كبيرًا حتى النهاية على هذه الحكومة هو الاحتجاج الشعبي في إسرائيل.
وأشار إلى أن نتنياهو أمام خيارين إما أن يرفض ويماطل في موضوع الصفقة، وهذا الأمر سيؤدي إلى احتجاج وتصعيد الاحتجاج ضده بشكل غير مسبوق والمطالبة بانتخابات، أو أن يذهب باتجاه الصفقة وبذلك وكأنه ينزل عن كاهله هذا الاحتجاج الذي يطالب بعودة الأسرى الإسرائيليين والذهاب إلى الانتخابات أو اعتقال نتنياهو.