كشفت وحدة التحقق من خلال المصادر المفتوحة في التلفزيون "العربي"، دلائل جديدة على ضلوع إسرائيل بمجزرة مستشفى المعمداني في غزة والتي راح ضحيتها المئات غالبيتهم من الأطفال والنساء.
ففي تقرير خاص، قدمت الوحدة دلائل لا لبس فيها تؤكد زيف الرواية الإسرائيلية حول الجهة الضالعة بقصف مستشفى المعمداني، والقذيفة التي استخدمها الاحتلال لتنفيذ المجزرة.
التأكد من المعالم الجغرافية
أولًا، من خلال تحديد الموقع عبر مقارنة المعالم الجغرافية للمقاطع المتداولة، التي تتطابق فيما بينها وتؤكد وقوع الانفجار في هذا المكان، بالإضافة إلى لقطات صوّرها "العربي" في المكان تظهر ملامح موقع الانفجار، ونقطة وقوع القنبلة والحفرة الناتجة عنها.
كما تأكدت الوحدة من الموقع الجغرافي من خلال صور الأقمار الصناعية التي تؤكد وقوع الانفجار في هذه الإحداثيات.
وبالاقتراب أكثر عبر الصور من مكان الانفجار، يظهر الضرر الشديد الذي لحق بالسيارات المركونة بساحة المشفى ما يشير إلى أنها كانت قريبة من مركز الانفجار.
ولكن، ما هي حدود هذه الأضرار؟
بالاستعانة بخرائط "غوغل" لرسم حدود المنطقة الظاهرة في مقاطع الفيديو المتداولة، تمكنت وحدة التحقيق من تحديد المساحة الجغرافية المتضررة التي بلغت 6000 متر مكعب تقريبًا، بطول محيط وصل إلى 313 مترًا.
التشابه مع استهداف مستشفى القدس
وفي اليوم التالي على قصف مستشفى المعمداني، قام الاحتلال الإسرائيلي بقصف قرب مستشفى القدس في منطقة تل الهوى بمدينة غزة، فجاءت ملابسات قصفه دليلًا إضافيًا للتحقيق.
فقد قامت الوحدة بالتدقيق بالصور المتداولة لمحيط مستشفى القدس للتأكد من صحتها ومقارنة معالمها، فأكّدت نتائج التحليل أن الصور تعود بالفعل إلى قصف في محيط مستشفى القدس.
وتبين أنه في تداعيات قصف مستشفى المعمداني ومحيط مستشفى القدس، توجد معالم تشير إلى أن القنبلة المستخدمة هي نفسها وذلك مع تشابه صوت سقوط وانفجار القذيفة الساقطة في المقطعين.
التنفيذ بقنبلة "جي دام" الأميركية
وعرض "العربي" الدلائل التي جمعها وعرضها على ديلان غريفيث وهو جندي سابق في الجيش الأميركي وله خبرة في التعامل مع هذا النوع من القنابل بالتحديد.
وشرح أن قنابل JDAM أو ما بعرف بـ"قذائف الهجوم المباشر المشترك"، تتصف بصوت مميز، ولديها نظام التوجيه الذي يصدر صوت صفير فريدا من نوعه أثناء هبوطه.
وتابع غريفيث: "كما أن هناك عددا كبيرا من قنابل JDAM، تم إسقاطها أثناء الحرب، لها مواصفات مماثلة، ونفس الصوت المميز ونفس نوع الانفجار".
وختم مؤكدًا أن جميع الأدلة "تشير إلى كونها قذائف إسرائيلية".
أما JDAM أميركية الصنع، فهي قنابل مزودة بنظام توجيهي يحولها من قنابل حرة إلى ذخائر دقيقة وذكية موجهة، وتعتمد هذه القنابل على أنظمة تحديد المواقع "جي بي إس" وهو الأمر الذي يتوافق مع المشاهد التي وثّقت قصف المستشفى في مساحة صغيرة ومكتظة بالنازحين بشكل دقيق.
ويعتمد ذلك النظام أيضًا، على إنتاج مجموعات هائلة من الشظايا والتي بدورها تستهدف الأهداف البشرية دون التأثير الكبير على المباني أو البنية التحتية المحيطة، وهو ما حدث تمامًا في قصف مستشفى المعمداني.
تطابق المؤشرات
بالإضافة إلى ذلك، لاحظت وحدة التحقيق في "العربي" أنه في الانفجارين تشكّلت غمامة بيضاوية الشكل يتميز فيها اللون البرتقالي، إلى جانب شظايا محترقة تلمع بوضوح بعيد سقوط القذيفة.
وفي فيديو من محيط مستشفى القدس، تظهر القنابل الضوئية للتمويه بشكل دوري قبل سقوط القذيفة على المكان مما يدلّل على نشاط مقاتلات إسرائيلية تزامنًا مع القصف.
يشير هذا أيضًا، إلى أن الصوت الناجم عن الانفجار نتج عن قذيفة بغارة جوية، وليس صاروخًا من قبل المقاومة الفلسطينية في حالة المستشفى المعمداني كما تدّعي إسرائيل.
في هذا الإطار، يوضح ديلان غريفيث: "البعض يشير إلى احتمال أن يقف وراء الواقعة وابل من الصواريخ الأقل حجمًا، ما نتوقع رؤيته عندما يفشل إطلاق صاروخ هو أن يتهاوى إلى الأسفل ببطء ثم يلي ذلك انفجار ولكن من دون السرعة الكبير ولا الصوت المميز الذي نعرف به نظام توجيه قنابل JDAM".
في التفاصيل أكثر، فإن قنبلة MK 82 ذات حمولة 500 رطل هي أحد القنابل التي تستخدم في نظام "JDAM"، حيث تتناسب مع مساحة القصف التي بلغت ما يقرب من 6000 متر مربع فقط.
وإسرائيل تمتلك بالفعل نظام التوجيه JDAM، وكانت قد حصلت عليه من الولايات المتحدة الأميركية.
ولكن كيف يمكن لهذا النظام أن ينتج عنه حفرة غير كبيرة مقابل عدد كبير من الضحايا؟
"كذبة الحفرة"
حاول الاحتلال تحميل حركة الجهاد الإسلامي مسؤولية قصف مستشفى المعمداني، بمزاعم الحفرة غير الهائلة التي نتجت عن القصف.
لكن تحليل "العربي"، يكذّب هذه المزاعم بحقائق تؤكد أن قنبلة JDAM يمكن تزويدها بصمام تقاربي أو مستشعرات بحيث تنفجر فوق الهدف وليس عند الاصطدام، فيما يطلق عليه عادة "تأثير الانفجار الهوائي".
ويتابع الجندي الأميركي السابق: "قنابل JDAM هي ببساطة نظام توجيه يمكن ضبطه ليناسب أي عدد من الذخائر، ويمن أن يكون به كميات هائلة من المتفجرات والفتائل التي توضع في قمة نظام التوجيه لتسمح له بعمل عدة أشياء".
ويضيف غريفيث: "في هذه الحالة، أعتقد أن ما حدث كان تفجيرا للذخيرة في السماء أو ضبط الذخيرة لكي تنفجر على مسافة معينة أو من ارتفاع محدد فوق الأرض، وبدلًا من أن تترك القنبلة أثرًا كبيرًا على موقع السقوط تخلف أثرًا تدميريًا أوسع وتنشر شظايا في دائرة قطرها أكبر".
وهذا ليس كل شيء، فقد رصد فريق وحدة التحقق من خلال المصادر المفتوحة في "العربي" مقطع فيديو يظهر نموذجًا لقدرة تلك القنابل على الانفجار قبل الاصطدام بالهدف، مع سقوط جزء بسيط من الرأس، وهو ما يفسر صغر حجم الحفرة في انفجار مستشفى المعمداني.
وفي مقارنة بسيطة، يظهر تطابق شكل الانفجار مع مقطع آخر لاستخدام قنابل JDAM في أفغانستان.
بالتالي، كل الأدلة على الأرض وتحاليل الصور ومقاطع الفيديو، تشير بما لا يدع مجالًا للشك إلى أن القنبلة الأميركية هي التي استهدفت مستشفى المعمداني وغيرها، وأن من أطلقها وتسبب في المجزرة هو جيش الاحتلال الإسرائيلي دون غيره.