تخوض فرنسا انتخابات رئاسية استثنائية، مع تنافس الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون مرشح حزب "إلى الأمام" الذي يصف نفسه بأنه لا يمين ولا يسار، ومارين لوبان زعيمة حزب "الجبهة الوطنية"، التي تمثّل اليمين المتشدد.
وأفرزت هذه الانتخابات استقطابًا غير مسبوق بين الفرنسيين نظرًا للاختلاف الواضح حول قضايا رئيسية قد تغيّر وجه فرنسا.
يرصد "العربي" أبرز خمس نقاط متنافرة في توجّهات المرشّحين الاثنين:
الإسلام والحجاب
يُعتبر خطاب مارين لوبان أكثر تطرفًا تجاه الإسلام من الرئيس الفرنسي.
واتهم ماكرون لوبان بأنها تشعل "حربًا أهلية" في فرنسا نتيجة خطابها ضدّ الإسلام والحجاب. وأعلن الرئيس الفرنسي مرارًا وتكرارًا أن "الدولة لا تحارب الدين"، مشيرًا إلى أنه "إذا حظرت لوبان الحجاب، بموجب الدستور الفرنسي، فسيتعين عليها حظر الصليب وكل الرموز الدينية الأخرى".
وفي الوقت نفسه، أكد أنه "سيواصل العمل لدحر الإسلام الراديكالي، كما يضمن، إذا أعيد انتخابه، مواصلة إغلاق الجمعيات المتطرفة والمساجد والمدارس السرية وطرد الدعاة المتطرفين والسيطرة على التمويل الأجنبي".
في المقابل، حاولت لوبان التخفيف من حدة خطابها حول الإسلام والمسلمين، زاعمة أن "لا مشكلة لديها مع الإسلام وأنها لا تهاجم المسلمين"، لكنّها لن تسمح بانتشار ما يعرف بـ"الإسلاموية" في فرنسا.
كما أعلنت أنها ستحظر ارتداء الحجاب في الأماكن العامة، وستفرض غرامة مالية لمعاقبة النساء اللواتي لا يحترمن هذا الحظر.
واقترحت قانونًا يهدف إلى "محاربة الأيديولوجيات الإسلامية"، كما أنها تريد إعادة إنشاء "دائرة استخبارات عامة للكشف بشكل أفضل عن المشاريع الإرهابية".
العلاقة مع الاتحاد الأوروبي
أثار ماكرون مفاجأة عندما اعتبر أن حلف شمال الأطلسي بات في حالة "موت دماغي"، في ظل خلافات بين أعضائه. لكنه، في الوقت نفسه، أكد أنه سيواصل سعيه إلى تطوير ما يسميه "الاستقلال الإستراتيجي لأوروبا"، ويدعو إلى التمسك بتعددية الأطراف في العلاقات الدولية.
وقال إن "فرنسا التي تتمتع بتكافؤ الفرص والسلطة والاستقلال الاقتصادي لا يمكن أن تتحقق إلا إذا كانت فرنسا أقوى في أوروبا".
من جهتها، أشارت لوبان إلى أنها تدعم تخلي فرنسا عن القيادة الموحدة لحلف شمال الأطلسي من منطلق إعادة الأولوية للقانون الفرنسي على قانون الاتحاد الأوروبي.
ودعت إلى إنشاء "تحالف أوروبي للأمم يهدف إلى استبدال الاتحاد الأوروبي تدريجيًا"، والخروج من المحرك الفرنسي الألماني، وإفساح المجال لتحالف أوسع مع الدول الصديقة مثل المجر وبولندا.
قضية اللاجئين
رغم إعلانهما المسبق بالترحيب باللاجئين الأوكرانيين، إلا أن المرشحَين يتّفقان على مبدأ ضرورة تقييد حق اللجوء.
ويقترح ماكرون مراجعة شروط الحصول على تصاريح الإقامة لأكثر من 4 سنوات، وإدراج امتحان للغة الفرنسية لتحقيق الاندماج المهني.
أما اللاجئون الذين رُفضت طلبات لجوئهم، فيدعو ماكرون إلى تسهيل عملية ترحيلهم، ووقف تجديد التأشيرات لمواطني الدول الثالثة الذين "يخلّون بالنظام العام" مع ترحيلهم.
في المقابل، تدعو لوبان إلى حظر تسوية أوضاع الأجانب غير النظاميين، للسماح بطردهم المنهجي، وطرد الأجانب المدانين قضائيًا. كما تقترح إلغاء تصريح الإقامة لجميع الأجانب، وإعادة جميع اللاجئين العاطلين عن العمل منذ عام، ومعاقبة هؤلاء على التواجد والدخول غير القانونيين إلى فرنسا.
الحرب على أوكرانيا
تعتبر لوبان حليفة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأثار احتمال انتخابها مخاوف الدول الغربية. ودعت إلى تقارب إستراتيجي بين حلف شمال الأطلسي وموسكو فور انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية من خلال "معاهدة سلام". واعتبرت أنه يمكن لروسيا أن تصبح من جديد حليفة لفرنسا عند انتهاء الحرب.
وإذ حرصت على عدم اتهام الجيش الروسي بارتكاب مجازر في أوكرانيا، أعلنت رفض تسليم أسلحة هجومية إلى كييف، كما تعارض فرض عقوبات على روسيا.
أما ماكرون، الذي حرص على استمرار التواصل مع بوتين في محاولة لمنع الحرب، فأكد أنه من الضروري العمل لإنهاء القتال، رغم أنه وافق بالتنسيق مع الأوروبيين، على حزمة عقوبات جديدة ضد روسيا. كما أشار إلى تورط الجيش الروسي في مجازر بحق المدنيين. وسلّم معدات عسكرية إلى أوكرانيا بقيمة 100 مليون يورو على الأقل.
العلاقة مع دول الشرق الأوسط
يكمن الفرق الأكبر بين سياسة ماكرون ولوبان تجاه الشرق الأوسط، في العلاقة مع النظام السوري.
وتتخذ لوبان موقفًا متطرفًا تجاه الثورات العربية، كما أكدت أنها ستعيد العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري في حال انتخابها.
كما أشارت إلى أن لبنان سيكون من أولويات سياستها في الشرق الأوسط. واعتبرت أن الحل يكون "عبر حديث أوضح مع إسرائيل والولايات المتحدة وروسيا وإيران"، مضيفة أن "الثمن الذي نوليه لاستقلال لبنان وحريته ليس على حساب صداقتنا مع إسرائيل، فنحن بالعكس نؤيد التقارب بين البلدين".
وبالنسبة إلى الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، دافعت لوبان عن "حل الدولتين"، وقالت: "إن حدود 1967 ليست منقوشة على الصخر بكل تأكيد، في حال اختار الطرفان التفاوض على اتفاق مختلف". كما ذكرت لوبان بأنه لا بد من إيجاد حل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، إلى جانب ترحيبها بالتطبيع بين إسرائيل والدول العربية.
بدوره، يُعتبر ماكرون رئيسًا مؤيدًا لإسرائيل، مع الحفاظ على خطاب فرنسي تقليدي يؤكد لفظيًا حقوق الفلسطينيين الشرعية في بناء دولتهم المستقلة.
كما سعى ماكرون إلى إجراء محادثات سلام تشمل جميع أطراف الأزمة السورية، وتعهد بطرح مبادرات في هذا الشأن في بداية عام 2018، بينما يعتبر أن "سوريا لا يمكن أن تختصر في شخص بشار الأسد".