بعد سنوات من الحملة الإسرائيلية التي طالما وصفت بالشرسة على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، يقر الكنيست حظر أنشطة الأونروا في إسرائيل، ومصادرة مقرها الرئيسي في القدس، في خطوة وضعتها "الغارديان" البريطانية اليوم تحت بند تصرفات الدولة المارقة، لما تحمله من اعتداء على المنظومة الأممية.
واستند المصوتون في الكنيست إلى زعم يقوم على الربط بين حركة حماس والأونروا، علمًا بأن الوكالة الأممية تقدم خدماتها الإغاثية والصحية والتعليمية للاجئين الفلسطينيين في مناطق عملياتها الخمس وهي الضفة الغربية بما فيها القدس، وقطاع غزة، وسوريا ولبنان والأردن.
من جهته، قال فيليب لازاريني، المفوض العام للأونروا، إن الحظر الإسرائيلي لعمليات الوكالة داخل إسرائيل لن يؤدي سوى لتعميق معاناة الفلسطينيين، وخاصة في غزة.
وشدد لازاريني على أن حظر خدمات الأونروا لن يحرم الفلسطينيين من وضعهم كلاجئين، إذ إن هذا الوضع محمي بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة حتى يتم التوصل إلى حل عادل ودائم.
ولاقت الخطوة الإسرائيلية في حظر الأونروا التي تأسست عام 1949، إدانات واسعة من دول أوروبية وعربية، في حين عبرت الخارجية الأميركية عن قلقها من القرار. فالحديث هنا عن إشارات مباشرة لتهديد بوقف كامل لعمليات الوكالة وامتداداتها في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهذا ما يجعل حياة مئات الآلاف من الفلسطينيين أكثر صعوبة.
ما أهداف إسرائيل من حظر عمل وكالة الأونروا؟
في هذا الإطار، يقول الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي، إن إسرائيل منعت أي اتصال بوكالة الأونروا، وأي نشاط لها في الأراضي التي تسيطر عليها تل أبيب، وهذا يشمل الضفة الغربية، والقدس وقطاع غزة.
وفي حديث للتلفزيون العربي من رام الله، يعتبر البرغوثي أن قرار إسرائيل بحظر الأونروا خطير للغاية، وكان قد جرى التمهيد له بادعاءات كاذبة عديدة ضد الوكالة الأممية.
ويشير إلى أن هدف إسرائيل من حظر الأونروا هو ضرب وتصفية حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، لأن وجود الأونروا مرتبط بالقرار 194 الذي ينص على حق العودة للاجئين، والذي اشترط أن تنفذه إسرائيل إلى جانب القرار 181 للاعتراف بها من قبل الأمم المتحدة.
ويضيف البرغوثي، أن ضرب الأونروا وعملها في قطاع غزة يضرب المؤسسة الرئيسية التي تقدم المساعدات الإنسانية لأهالي القطاع في ظل عدم وجود أي بديل عنها.
ويلفت البرغوثي إلى أن إسرائيل منذ مجيء رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى الحكم منهمكة في عملية تصفية القضية الفلسطينية، واستخدمت سياسة التطبيع كأداة ووسيلة لتصفية القضية الفلسطينية بكل مكوناتها.
ويوضح أن من اتخذ قرار حظر الأونروا هو الكنيست الإسرائيلي الذي لا يملك الصلاحية، لأن من أقر عمل الوكالة الأممية هي الأمم المتحدة، وليست إسرائيل.
ويرى في عملية تصويت 92 من أعضاء الكنيست الإسرائيلي، أنها تدل على مدى تغلل الفاشية في الأحزاب الصهيونية الإسرائيلية التي لا يوجد فرق بين ما يسمى يسارها ويمينها، مشيرًا إلى أن كل الأحزاب الصهيونية تغوص في وحل الفاشية مثل جزء كبير في المجتمع الإسرائيلي.
ويؤكد أن الهجوم الإسرائيلي ليس فقط على وكالة الأونروا، بل على المجتمع المدني الفلسطيني لدوره المهم في إسناد صمود وبقاء الشعب الفلسطيني.
كيف سيتأثر عمل الأونروا؟
من جهته، يحذر ليكس تاكنبرغ، مستشار أول لـ"منظمة القانون من أجل فلسطين"، من أن حظر إسرائيل لعمل وكالة الأونروا سيؤثر على الحاجات الإنسانية للاجئين الفلسطينيين.
ويضيف في حديث للتلفزيون العربي من تولوز، أن إسرائيل بدأت تقوض أركان الأونروا كجزء من هجماتها العامة على الأمم المتحدة.
ويتابع تاكنبرغ أن هجوم الاحتلال على الأونروا، هو هجوم على القضية الفلسطينية وعلى حق العودة، مشيرًا إلى أن هذا الهجوم اشتد منذ استلام الحكومة الإسرائيلية سدة الحكم وأصبح وجوديًا.
ويردف في حال طبقت تل أبيب قانون حظر الأونروا، فإن إسرائيل يمكن أن ترغم الوكالة الأممية على إغلاق مكاتبها وطرد موظفيها وتسليم منشآتها إلى أي منظمة أخرى.
ويتابع تاكنبرغ أن السيناريو الأسوأ في هذا الإطار، هي أن تمنع إسرائيل استمرار عمليات الأونروا في غزة والضفة الغربية، وصولًا إلى الأردن وسوريا ولبنان، حيث لا تستطيع أن تملي ما يمكن أن تمليه على الوكالة في تلك المناطق.
وفي سيناريو آخر، يلفت تاكنبرغ إلى أن تل أبيب يمكن أن تغلق مقر الأونروا في القدس الشرقية، مما سيجعل من حياة الفلسطينيين أصعب، إلا إذا ما مارس المجتمع الدولي والإدارة الأميركية ضغوطات لوقف هذا القرار.
ويرى أنه لا يمكن إيجاد بديل للأونروا، لأنها الوحيدة التي يثق بها الشعب الفلسطيني، وأن تعويضها ليس سهلًا على الإطلاق.
ما دور المجتمع الدولي؟
من جانبها، تشير المديرة التنفيذية لمنظمة "داون" سارة ليا ويتسون إلى أن مسؤولية السلطة القائمة بالاحتلال وفقًا للقانون الدولي أن توفر الخدمات الصحية لمن هم يرزحون تحت الاحتلال.
وفي حديث للتلفزيون العربي من واشنطن، ذكرت ويتسون أن الأونروا قامت بالمهمة التي كان يتعين على إسرائيل القيام بها، مشيرة إلى أن تل أبيب هي المسؤولة عن توفير التعليم والصحة والإسكان وتعزيز رفاه السكان الفلسطينيين الذين يرزحون تحت الاحتلال.
وتضيف أن اتفاقية جنيف تطالب إسرائيل السلطة القائمة بالاحتلال بأن تضطلع بمسؤوليتها لتوفير الحاجات لمن يرزح تحت الاحتلال، مشددة على أن هذه مسؤولية المجتمع الدولي الذي يجب أن يرغم تل أبيب على فعل ذلك.
وعبرت ويتسون عن أملها أن يتدخل المجتمع الدولي ليستمر في توفير المساعدات للشعب الفلسطيني.
وتابعت ويتسون في حال لم تتمكن الأونروا من مساعدة الفلسطينيين، فيمكن أن تكون هناك هيئات أخرى، أو يمكن للحكومات أن توفر مساعدات للشعب الفلسطيني.
وتشير إلى أن هذا يمكن من خلال الأدوات القانونية الموجودة في محكمة العدل الدولية التي أمرت إسرائيل بإنهاء احتلالها ونظام الفصل العنصري.
وتلفت ويتسون إلى أن المشكل المرتبط بالمجتمع الدولي، هو أن الأسرة الدولية ليس لديها جيش ولا قوات عسكرية، بل تعتمد على الدول في إنفاذ قرارات محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية.
وترى أن إسرائيل كلما عكفت على هذه التدابير، فإن ذلك يجعلها بعيدة عن المنظمة الدولية، وإذ ما استمرت في رفض الهيئات الدولية وعملها والقانون الدولي، فإنها ستجد نفسها كدولة معزولة.
وتابعت ويتسون أن على الأسرة الدولية أن ترغم الحكومات لكي تحرك ساكنًا ليس من خلال الرسائل الغاضبة، ولكن من خلال فرض العقوبات على إسرائيل، ومنعها من استخدام المنظمة البنكية الدولية، وألا تساهم في الأمم المتحدة.
وخلصت إلى أن الدول الأعضاء يمكنها أيضًا بشكل منفرد أن تفرض عقوبات على إسرائيل إذا ما كانت تخشى من فيتو أميركي في مجلس الأمن، بالإضافة إلى حجب تزويد تل أبيب بالسلاح، وسحب السفراء، بالإضافة إلى وقف التعامل مع إسرائيل.